ماكرون يتمرد على واشنطن ويتحدث عن ظهور قوة عظمى ثالثة

محمد النحاس

ماكرون يحذر من أن تصبج فرنسا تابعة للولايات المتحدة الأمريكية.. ما أبعاد ذلك؟ وما علاقة الصين؟


يعتقد الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون، أن طبيعة العلاقات الأمريكية الأوروبية، أصبحت مكلفة على عدة مستويات للقارة العجوز، وهو ما أظهرته الحرب الروسية الأوكرانية.

وشدد ماكرون على ضرورة تقليل اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة، وتجنب الانزلاق إلى مواجهة واشنطن وبكين بشأن تايوان، وفقًا لما نقل تقرير لمجلة بوليتكو الأمريكية.. فهل باتت أوروبا تابعةً بالفعل للولايات المتحدة؟ وكيف تتعامل فرنسا مع الموقف؟

قوة عظمى ثالثة؟

في حديث ماكرون مع محرري مجلة بوليتيكو الأمريكية، واثنين من الصحفيين الفرنسيين بعد زيارته للصين، شدد على نظريته بشأن “الحكم الذاتي الاستراتيجي” لأوروبا، والتي من المفترض أن تقود باريس بموجبها الاتحاد، لتصبح القارة الأوربية “قوة عظمى ثالثة” مع الولايات المتحدة وروسيا.

وأشار إلى أن الخطر الكبير الذي تواجهه أوروبا هو أنها “عالقة في أزمات ليست أزماتها، ما يمنعها من بناء استقلاليتها الاستراتيجية”، مضيفًا خلال حديثه عن قضية تايوان: “الأسوأ هو الاعتقاد بأننا نحن الأوروبيين يجب أن نصبح أتباعًا في هذا الموضوع، وأن نستقي إشاراتنا من أجندة الولايات المتحدة ورد الفعل الصيني المبالغ فيه”، وفق ما ذكر التقرير المنشور 9 إبريل 2023.

موقف الصين

أيد الزعيم الصيني شي جين بينج، ومسؤولو الحزب الشيوعي الصيني، بحماس، مفهوم ماكرون للحكم الذاتي الاستراتيجي. ويشير المسؤولون الصينيون إليه باستمرار في تعاملاتهم مع الدول الأوروبية.

وحسب تقرير المجلة الأمريكية، يقتنع قادة الحزب والمنظرون في بكين بأن الغرب بات في حالة انحدار، في مقابل الصعود الصيني، ويرون أن إضعاف الشراكة الأطلسية (العلاقات الأمريكية الأوروبية) سوف يساعد في تسارع هذا الاتجاه.

مناورات صينية حول تايوان

بعد ساعات معدودة من مغادرة ماكرون للصين، أطلقت بكين مناورات عسكرية كبيرة حول جزيرة تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي تقول الصين إنها جزء من برها الرئيس، ولا تستبعد استخدام الوسائل العسكرية للهيمنة على الجزيرة.

وجاءت المناورات الصينية ردًّا على زيارة الرئيسة التايوانية تساي إنج ون للولايات المتحدة، ولدول في أمريكا الوسطى، والتي استمرت 10 أيام، ولقاءها رئيس مجلس النواب الأمريكي الجمهوري، كيفن مكارثي، خلال عبورها بالأراضي الأمريكية.

ويرى خبراء لم تسمهم المجلة الأمريكية، أن ماكرون سعيد لأن بكين انتظرت على الأقل حتى يخرج من المجال الجوي الصيني، قبل إطلاق تمرين محاكاة “تطويق تايوان”.

مخالفة النهج الأوروبي والأمريكي

وفقًا لمسؤولين رافقوا الرئيس الفرنسي، ناقش ماكرون مع شي قضية تايوان بنحو مكثّف. ويلفت تقرير مجلة بوليتكو إلى أن ماكرون اتخذ نهجًا أكثر تصالحية من نهج الولايات المتحدة، بل وأكثر حتى من نهج الاتحاد الأوروبي.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي رافقت ماكرون في جزء من زيارته إن “الاستقرار في مضيق تايوان له أهمية قصوى”، رافضةً على نحو قاطع “التهديد باستخدام القوة لتغيير الوضع الراهن”، وردّ شي بقوله إن “أي شخص يعتقد أنه يمكن أن يؤثر في موقف الصين من قضية تايوان، هو شخص مخدوع”.

ويتشابه رأي شي مع ما طرحه الرئيس الفرنسي، الذي قال: “لا يمكن للأوروبيين حل الأزمة في أوكرانيا، فكيف يمكننا أن نفعل ذلك في تايوان؟”، متسائلًا: “هل ينبغي أن نقول للصينيين إذا فعلتم شيئًا خاطئًا سنكون هناك للرد عليكم؟”، وشدد على أن “هذه طريقة مُثلى لزيادة الأزمة”.

أوروبا في عالم متعدد الأقطاب

حسب ما نقلت بوليتكو عن محلل الجغرافيا السياسية يانمي زي، أصبحت أوروبا أكثر استعدادًا لقبول عالم تصبح فيه الصين قوة مهيمنة إقليميًّا، بل إن بعض القادة الأوروبيين يعتقد أن مثل هذا النظام العالمي قد يكون أكثر فائدة لأوروبا.

ورفض ماكرون في حديثه، زيادة اعتماد القارة الأوروبية على الولايات المتحدة في المجالات الدفاعية، والأسلحة والطاقة، لافتًا إلى ضرورة تعزيز الصناعات الدفاعية الأوروبية. ونوه بضرورة تقليل الاعتماد على الدولار كعملة متجاوزة للحدود الإقليمية، وهو هدف سياسي رئيس لكلٍ من موسكو وبكين.

وقال ماكرون مفسرًا هذا الرأي: “إذا اشتدت التوترات بين القوتين العظميين، فلن يكون لدينا الوقت ولا الموارد لتمويل استقلالنا الاستراتيجي، وسنصبح تابعين في نهاية المطاف”.

لماذا بدأت الشراكة؟

تاريخيًّا، اكتسبت أوروبا أهمية كبيرة مع بداية الحرب الباردة، خاصة أوروبا الغربية، كأساس للكتلة الغربية الصاعدة. ووجدت الاقتصادات التي مزقتها الحرب في أوروبا طريقة لإعادة البناء، دون الإفراط في الاستثمار في الجيش.

ومن جهتها، قدمت الولايات المتحدة الضمان الأمني ​​بموجب منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفقًا لتحليل سابق لموقع (جيوبولتكس) المتخصصص في الشؤون الاستراتيجية.

ومن هنا كان اعتماد أوروبا على الضمانات الأمنية الأمريكية حاجة أكثر منها رغبة، وفقًا لـ”جيوبولتكس”. ومع ذلك، سعت دول مثل فرنسا دائمًا لامتلاك مستوى معين من الحكم الذاتي الاستراتيجي، بعيدًا عن نفوذ الولايات المتحدة.

محاولة فرنسية للاستقلال؟

دفع ذلك فرنسا لتطوير برنامجها النووي وخلق قوة ردع مستقلة عن الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، أظهرت البلاد مرارًا وتكرارًا بوادر على التصرف بنحو منفصل عن الناتو، ومن أبرز الأمثلة على ذلك رفض الغزو الأمريكي للعراق.

ووفق تحليل جيوبولتكس، يمكن اعتبار دعوات الحكومة الفرنسية الحالية إلى النظر في المخاوف الأمنية الروسية، استمرارًا للتحرك تجاه الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، بعيدًا عن مجال التأثير المباشر للولايات المتحدة.

ربما يعجبك أيضا