ماهو الدور المتوقع أن تلعبه ألمانيا في ليبيا؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

منذ الإطاحة بنظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وليبيا تشهد دوامة الصراع السياسي، وتشهد فوضى أمنية تضرب بتداعياتها إقليميا ودوليا، وما يعوق المشهد هو وجود أطراف فاعلة  إقليميا ودوليا في الداخل الليبي، تستفيد من ديمومة الصراع والفوضى، مع غياب رغبة أمريكية او قدرة أوروبية وإقليمية في  إيجاد حل للفوضى في هذا البلد.

قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل -يوم 11 سبتمبر 2019، في كلمة أمام البرلمان الألماني- “هناك وضع يتطور في ليبيا وقد يتخذ أبعادا مثل التي شهدناها في سوريا.. ومن الضروري أن نبذل كل ما بوسعنا لضمان عدم تصعيد الوضع إلى حرب بالوكالة وستقوم ألمانيا بدورها”. وأضافت: “إذا لم تستقر الأوضاع في ليبيا فإن استقرار المنطقة الأفريقية بأسرها سيتزعزع”. من جانبه كشف سفير ألمانيا لدى ليبيا، أوليفر أوفكزا، اليوم، أن بلاده تهدف إلى استضافة مؤتمر حول ليبيا هذا العام بالتعاون مع الأمم المتحدة لمحاولة إرساء الاستقرار في هذا البلد.

أعلنت سلطات الجمارك الليبية وفقا لـ”DW” في 30 أبريل  2019 مصادرة شحنة أسلحة في ميناء الخمس البحري في فبراير 2019 وأكدت أن مصدرها تركيا، وكان قوامها مدرعات قتالية وسيارات دفع رباعي، وذلك بعد إحباط دخول شحنة أسلحة تركية تحتوي على (20) ألف مسدس إلى ليبيا عبر ميناء مصراته.

ما سبق يعني أن تدفقات السلاح التركي ليست بجديدة. ويقول “نزار مقني” -الكاتب والمحلل السياسي التونسي المختص بالشأن الليبي- إن دعم تركيا العسكري سوف يذهب بشكل مباشر وأولي إلى كتائب مصراته وقوات الدرع المشترك الليبية، وستكون في الأغلب أسلحة ثقيلة ومضادة للطائرات.

وما تقوم به قطر رصدته المؤسسات الدولية، والأجهزة الاستخباراتية العالمية، فقد أشار تقرير صادر مؤخرا عن “وكالة الأمم المتحدة للاجئين” إلى أن قطر ومنذ سقوط القذافي تركز على دعم جماعات الإسلام السياسي في طرابلس، ما يعزز من حالة الإرهاب الدولي العابر للدول، وربما القارات.

جددت السلطات الألمانية دعمها لحكومة الوفاق الوطني وفقا لـ”سبوتنيك” في 8 مايو 2019. وأكدت أنه لا حل عسكري للازمة الليبية”. وأعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن “سعي ألمانيا إيجاد موقف أوروبي موحد يعجل بوقف إطلاق النار وعودة الليبيين إلى المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة”. وأوضح موقع ” دويتشه فيله ” في 24 ابريل 2019 أن خبراء مثل فولفرام لاخر، من مؤسسة العلوم والسياسة في برلين، يرون أن ألمانيا فشلت في مناقشة قضية ليبيا وجعلها القضية الأساسية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة أنجيلا ميركل.

جاءت كلمة أو تحذيرات المستشارة الألمانية، في هذا التوقيت، بسبب الفوضى التي تشهدها ليبيا، وزيادة حدة الصراع هنا إلى جانب تدخل أطراف إقليمية ودولية في تأجيج الصراع داخل ليبيا، وهذا ما كشفت عنه تقارير استخبارية.

ماذا تقصد ميركل بأن ألمانيا ستقوم بدورها في ليبيا؟

السياسة الخارجية الألمانية تجاه الدول التي تشهد نزاعات أو صراعات داخلية، باتت معروفة، تقوم على إيجاد خيار أو حل سياسي، وعدم دعم أي خيارات عسكرية، ولا تتدخل ألمانيا عسكريا، إلا إذا كانت هناك قرارات أممية وشرعية دولية، أو ضمن التزاماتها في مواثيق الاتحاد الأوروبي أو الناتو.

التدخل أو بالأحرى مشاركة ألمانيا عسكريا، هي مرتبطة أيضا بفقرات الدستور الألماني، الذي لا يسمح لها بالمشاركة في الخارج إلا ضمن ضوابط صعبة، منها دعم الحلفاء، وتكون مشروطة بالدعم اللوجستي، غير المهام القتالية وهذا ما فعلته ألمانيا داخل التحالف الدولي لمحاربة داعش في سوريا والعراق ومع القوات الأممية والأمريكية في أفغانستان ودعم القوات الفرنسية أيضا في الساحل الأفريقي.

وهذا يعني أن الدور العسكري الألماني بات مستبعدا في  ليبيا، لكن تصريحات مسؤولين ألمان، أكدوا أن ألمانيا عازمة على  عقد مؤتمر دولي حول ليبيا، وهذا ما جاء على لسان السفير الألماني في ليبيا. ألمانيا تلعب دورها الدبلوماسي، ربما أكثر من أن يكون دورا وسيطا في الصراع الليبي.

لماذا القلق الألماني تجاه ما يجري في ليبيا؟

إن ألمانيا، ربما واحدة من أكثر الدول الأوروبية ، التي شهدت موجات الهجرة، وكذلك تدفق التطرف والإرهاب إلى أراضيها، وتعتبر بوابة ليبيا للهجرة، واحدة من التهديدات التي تضرب أمن ألمانيا القومي، وكذلك بعض الدول الأوروبية. أدركت ألمانيا خلال السنتين الماضيتين، خطر الصراع في ليبيا، المرتبط أيضا بموجات الهجرة والتطرف في غرب أفريقيا.

ما “حذرت” منه المستشارة الألمانية عن ما يجري في ليبيا، هي سياسة استباقية، ورسالة إلى الأطراف المتورطة في ليبيا، أبرزها تركيا وقطر وتنظيم الإخوان، وهذا ما كشفته تقارير استقصائية تناولتها دوتش فيلله الألمانية إلى جانب وكالات دولية معتمدة.

المعطيات على الأرض تقول إن ألمانيا وحدها لا تستطيع أن تحرز أي تقدم في حل الصراع في ليبيا وكذلك بقية دول أوروبا، ويمكن إرجاع ذلك إلى الأسباب التالية:

ـ إن مسألة الفوضى في ليبيا هي أكبر من قدرات وإمكانيات ألمانيا السياسية والعسكرية.

ـ تناقض المواقف والمصالح الأوروبية في ليبيا وأبرزها التنافس بين إيطاليا وفرنسا والصراع على المصالح.

ـ إن الولايات المتحدة، لم تعط أهمية لهذا الصراع، وغير راغبة أصلا في الدخول في حرب جديدة لا في ليبيا ولا في دول المنطقة. وهذا يعني أن لا تدخل عسكري من الولايات المتحدة ولا من قوات أممية ولا أوروبا، وهذا يعني أن الصراع والفوضى ستبقى مستمرة بدون حل.

الهجرة عبر أفريقيا وتركيا تحولت إلى هاجس أمني

الهجرة عبر أفريقيا أو بوابة تركيا تحولت إلى هاجس أمني لألمانيا ودول أوروبا أكثر من مسألة الإرهاب والتطرف. القراءة الألمانية تقول: إن موجات الهجرة عبر أفريقيا، يمكن ان تشهد تصاعدا، طالما الفوضى الأوروبية مستمرة، ومن هنا يأتي اهتمام المستشارة الألمانية، بضرورة القيام بدورها.

ويمكن أن تكون مبادرة ألمانيا بعقد مؤتمر، رسالة إلى الأطراف الأوروبية والدولية بضرورة مراجعة المواقف حول ليبيا من أجل تعزيز الحل السياسي، بعيدا عن التدخلات العسكرية.

التوصيات:
الفوضى الليبية تضرب بجميع الاتجاهات، أوروبا قرأت مستقبل وتداعيات هذه الفوضى على أمنها القومي، وهذا يتطلب من دول المنطقة، خاصة شمال أفريقيا، أن تقوم بدورها، وأن تكون هناك ورش عمل فنية، متعلقة بمحاربة التطرف والارهاب والهجرة غير الشرعية، والقيام بواجباتها العسكرية عبر الحدود.

ربما يعجبك أيضا