ما أهمية القوة الناعمة في منافسات القوى العظمى؟

آية سيد
أهمية القوة الناعمة في منافسة القوى العظمى

يحتاج صناع السياسة الأمريكيون إلى أدوات القوة الناعمة للتعامل مع الإرهاب ومنافسة القوى العظمى في آن واحد.


بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، أصبح النهج الأمريكي لمكافحة الإرهاب يرتكز على القوة الخشنة بنحو متزايد.

ويرى الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) دوجلاس لندن، أن القوة أصبحت متأصلة في ردود واشنطن على تهديدات القرن 21، لدرجة أن أدوات القوة الناعمة اختفت من المناقشات التي تبحث كيفية استئصال الكوارث المحتملة.

التركيز على القوة الخشنة

في الأشهر الأخيرة، ركزت الولايات المتحدة بشكل شبه حصري على القوة الخشنة، في إعادة ترتيب مواردها وإعادة تكييف استراتيجياتها للدفاع عن أوروبا ضد العدوان الروسي وحماية مصالحها وحلفائها الآسيويين من تهديد الصين.

وعلى الرغم من أن روسيا والصين عززتا نفوذهما العالمي باستخدام القوة الناعمة، استمر صناع السياسة الأمريكيون في الاستهانة بهذه الأدوات، مثل المساعدات الإنمائية، والدبلوماسية العامة، والتبادل التعليمي، والرسائل السرية، وفق الكاتب.

وفي حين أن استراتيجية الأمن القومي، التي أصدرتها إدارة الرئيس جو بايدن في أكتوبر الماضي، تشير إلى أن الدول يجب أن تعمل بشكل جماعي لـ”مواجهة التحديات المشتركة العابرة للحدود”، ركزت الوثيقة إلى حد كبير على استخدام القوة العسكرية.

منافسة القوى العظمى

في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، أول من أمس الثلاثاء 20 ديسمبر 2022، يرى ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق، دوجلاس لندن، أن صناع السياسة الأمريكيين يحتاجون إلى أدوات جديدة تساعدهم في التعامل مع الإرهاب ومنافسة القوى العظمى في آن واحد.

ويقتبس الكاتب من مقال لمدير مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي السابق، كريستوفر كوستا، الذي قال في فبراير 2022 إن “الخيار بين مكافحة الإرهاب ومنافسة القوى العظمى ليس قابلًا للتطبيق، لأن الولايات المتحدة تستطيع فعل الأمرين معًا”.

ويلفت لندن إلى أن التهديدات المتعلقة بالإرهاب والقوى العظمى تتطلب استراتيجية شاملة، لأنها مدفوعة بمظالم متشابهة بشأن الغطرسة الأمريكية والاستعراض الأحادي للقوة.

إبعاد الحلفاء

يقول لندن إنه في أثناء عمله ضابط عمليات في الـ”سي آي إيه”، شهد بنفسه الضرر الذي ألحقه “نهج واشنطن القائم على البطش في التعامل مع الحلفاء” بعلاقاتها الدولية. وفي هذا الصدد، يستشهد الكاتب بملاحقة الـ”سي آي إيه” لتنظيم “القاعدة” في باكستان. وكانت الوكالة تعمل دون مساعدة المسؤولين في إسلام آباد.

وفي حوار مع قناة “سي بي إس” الأمريكية في 2006، قال الرئيس الباكستاني حينذاك، برويز مشرف، إن نائب وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت، ريتشارد أرميتاج، حذر حكومة باكستان بعد هجمات 11 سبتمبر من أنها إذا لم تتعاون مع الولايات المتحدة، فينبغي أن “تستعد للقصف والعودة إلى العصر الحجري”.

غزو العراق

يقول الضابط الأمريكي السابق إنه قبيل الغزو الأمريكي للعراق في 2003، عندما كان يعمل مبعوث القناة الخلفية لمدير الـ”سي آي إيه”، جورج تينيت، إلى ليبيا، تلقى أمرًا بتوجيه تحذير صريح إلى مدير الاستخبارات الليبي.

وفي مقابلة بدولة أوروبية محايدة، أخبر لندن مدير الاستخبارات الليبي عن خطط غزو العراق، وطلب منه أن تقرر ليبيا إذا كانت ستقف مع الولايات المتحدة أو ضدها.

ونتيجة لهذا، رفض الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، دعوات الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، للوحدة العربية، وتحرك سريعًا للتعاون مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب، وأنهى برامج الأسلحة النووية والكيميائية الليبية.

عواقب النهج الأمريكي

يشير لندن إلى أن أي نجاحات يحققها هذا النهج العدائي تكون قصيرة الأمد، وأن هذا النهج يقوض الشراكات ويزرع الاستياء الدائم على المدى الطويل، وقد حول التفويض باستخدام القوة العسكرية في 2001 العالم إلى ساحة للعمليات القتالية، وأضعف النوايا الحسنة لدى حلفاء الولايات المتحدة المخلصين.

وحسب الكاتب، تسبب الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق في عواقب وخيمة، منها تشعب تنظيم “القاعدة” إلى عدة فروع دولية بارعة، ونمو تنظيم “داعش” في العراق وسوريا.

أدوات القوة الناعمة

يقول الكاتب إن التكنولوجيا والعلوم والمناخ والصحة والاستخبارات تعيد تحديد أدوات القوة الناعمة. وتتميز ساحة المعركة اليوم بالحرب الهجينة التي تجمع النفوذ الاقتصادي، إلى جانب العمليات السيبرانية، وحملات التأثير، والصراعات متعددة المجالات التي تمتد عبر البر والبحر والفضاء والمعلومات.

وفي أوكرانيا، استخدمت الولايات المتحدة الاستخبارات كأداة للقوة الوطنية، ما فضح المخططات الحقيقية للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وحشد الدعم الدولي. لكن هذا استثناء أكثر من كونه قاعدة.

الإقناع وليس القسر

ما تحتاج إليه واشنطن هو مجموعة أوسع من الأدوات، التي تعتمد على الإقناع بدلًا من القسر، وفق الكاتب. وينبغي أن تبني واشنطن أقوى ائتلافات ممكنة وتستفيد أكثر من التكنولوجيا، والعلوم، والقروض الصغيرة، والرعاية الصحية، والتعليم، والحوافز المماثلة لإقناع الخصوم والحلفاء والتأثير فيهم.

وبدلًا من اللجوء إلى العقوبات، التي لا تنفع أكثر مما تضر الشعوب التي تزعم الولايات المتحدة أنها تريد مساعدتها، يرى لندن أن أدوات القوة الناعمة التي تهدف إلى مساعدة الأشخاص العاديين بانحاء العالمن ستعزز جهود واشنطن لتقويض خصومها وكسب نفوذ أكبر لدى الشعوب.

ويضرب لندن مثالًا على هذا، بتعهد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بتخصيص 55 مليار دولار لدول قارة إفريقيا على مدار السنوات الـ3 المقبلة.

تعزيز النوايا الحسنة

كانت النوايا الحسنة التي بنتها الولايات المتحدة خلال السنوات الأولى للحرب الباردة، فعالة من حيث التكلفة، خاصة بالمقارنة مع البرامج العسكرية التي تتكلف مليارات الدولارات. وكان هذا عن طريق المبادرات التعليمية، والتبادلات الثقافية، والأشكال الأخرى من الدبلوماسية العامة.

وختامًا، يقول ضابط الاستخبارات الأمريكية السابق إن هذا النوع من النوايا الحسنة الذي يتعزز ببطء، يستمر لعقود، لكنه بدأ ينفد في معظم أنحاء العالم، ولم يعد يوجد ما يكفي منه للتغلب على أنواع المظالم التي يمكن تأجيجيها بسهولة، لتغذية الحركات الإرهابية أو منافسات القوى العظمى.

ربما يعجبك أيضا