ما أوجه الشبه بين بوتين وستالين؟.. التاريخ يخبرنا

محمد النحاس

يرى أندريه كوليسنكوف أن أبرز التشابهات بين بوتين وستالين تتركز في نموذج الحكم المستبد، والتشدد في الرأي، ومحاولة تغيير الواقع عن طريق القوة العسكري.


ارتفعت شعبية الرئيس السوفيتي الراحل، جوزيف ستالين، داخل روسيا، أخيرًا، ما يخدم الرئيس، فلاديمير بوتين، الذي يشترك مع الزعيم السوفيتي بصفات عديدة.

ويشير الباحث بمؤسسة “كارنيجي” للسلام الدولي، أندريه كوليسنكوف، في مقاله بمجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، إلى أن أوجه الشبه التاريخية بين الزعيمين تتمثل في الحكم الاستبدادي، والقبضة الحديدية، والتشكك في المقربين.

إحياء حقبة ستالين 

يشير الباحث الروسي إلى ازدياد شعبية ستالين داخل روسيا، خلال السنوات القليلة الماضية، فمنذ عام 2015، كُرم ستالين في الأعياد الوطنية، ومُنع النقاش بشأن استبداده، وحاولت الدوائر القريبة من الكرملين تحسين صورته، بما يخدم أجندة بوتين، الذي يتخذ نهجه نموذجًا للحكم.

وتشير الاستطلاعات، وفق المقال المنشور، يوم الثلاثاء 8 نوفمبر 2022، إلى أن عدد الروس الذين يعتقدون أن الزعيم السوفيتي “كان قائدًا عظيمًا” تضاعف من 28 إلى 56% منذ عام 2015، في الوقت الذي يحكم فيه بوتين قبضته على السلطة، بعدما عدّل الدستور ودبر “تسميم واعتقال” زعيم المعارضة، وشن “حربًا على أوكرانيا” هزت العالم.

حكم استبدادي.. من عبادة الفرد لعبادة الموت

لفت أندريه كوليسنكوف  إلى أن بستالين، في نهاية الحرب العالمية الثانية، كان في السلطة لأكثر من 20 عامًا، واشتدت قبضته الاستبدادية على البلاد، في حين يمكث بوتين في الحكم كذلك منذ أكثر من 20 عامًا، إذا جمعنا إلى فترات رئاسته فترة رئاسته للوزراء، بين عامي 2008 و2012.

وبحسب الكاتب، أعاد الرئيس بوتين جميع عناصر “الشمولية الستالينية”، بداية من عبادة شخص الحاكم، حتى عبادة “الموت الأسطوري” في سبيل الأمة، ومن خلال تبني أيديولوجيا “إمبراطورية قومية”، وقمع المجتمع المدني، وسحق أي صوت معارض، حتى باتت عناصر النظام الاستبدادي مكتملة الأركان.

صنع القرار في عهد بوتين وستالين

يقارن المقال بين عملية صنع القرار في عهد بوتين وحقبة ستالين، ويقول إن الزعيمين يتشابهان في السلطة المطلقة، وعودة القرار لشخص واحد، وأن المساعدين ليس لديهم قدرة على التأثير في صياغة السياسات العامة أو تقديم مقترحات بديلة لما يقره الزعيم.

ويبتعد هذا النموذج، بحسب المقال، حتى عن فترات أخرى من الحكم السوفيتي كانت أكثر انفتاحًا، وكانت عملية الحكم شبه جماعية مثل عصر ليونيد بريجنيف، رئيس الاتحاد السوفييتي بين عامي 1964 و1982.

هل يثق بوتين في قياداته؟

يعود الباحث الروسي لـلقاء بوتين بكبار مستشاريه للأمن القومي، عشية إعلانه ما أسماه “العملية العسكرية الخاصة” ضد أوكرانيا، والحوار الذي بدا أقرب للتوبيخ بينه وبين رئيس وكالة الاستخبارات، الذي كان مشوشًا ومضطربًا، حين سأله بوتين عن الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك.

وعلاوة على ذلك، اختلف بوتين مع ديمتري كوزاك، الذي كان مسؤولًا عن ملف المفاوضات مع أوكرانيا، لتنفيذ اتفاق “مينسك”، وحصل على ما يشبه الوعد بعدم انضمام كييف لحلف الناتو، إلا أن بوتين لم يعبأ بذلك، فقد كان بالفعل مستعدًا للحرب، حسبما يشدد الباحث الروسي في مقاله.

التشكك في المسؤولين

وبالعودة للماضي، يعتقد كوليسنكوف أن بوتين تعلم من ستالين كيفية معاملة كبار مسؤوليه، موضحًا أن الزعيم السوفيتي، في نهاية حياته، شديد التشكك في دوائره المقربة، وكثيرًا ما أطلق العنان لغضبه، ووجد كثير من قاداته أنفسهم معزولين ومهمشين، بسبب أو من دون.

ويستذكر الكاتب هنا، وصف ستالين أحد أبرز قيادات الاتحاد السوفيتي في عهده، فياتشيسلاف مولتوف، أنه “لا يقدر مصالح الحكومة ولا هيبة الدولة”. وكان ذلك  خريف عام 1945، عقب عودة ستالين إلى موسكو بعد غياب، وسمح مولتوف، آنذاك، بنشر مقتطفات من خطاب رئيس الوزراء البريطاني، ونستون تشرشل، وترك هامشًا من الحرية للصحفيين.

القوة العسكرية لحل المشكلات

يشترك الزعيمان كذلك في استخدام القوة العسكرية لحل المشكلات والحصول على التنازلات الإقليمية، ومحاولة الاستيلاء على الأراضي التي تمثل منطقة عازلة حال تعرض الروس للغزو والترويج بلمعتقدات “القومية الإمبراطورية” ذاتها، كل ذلك ورثه بوتين عن ستالين، وهي أساليب “عفا عليها الزمان” وفق أندريه كوليسنكوف.

فكما غزا ستالين فنلندا بعد فشله في انتزاع ما يعتقد أنه يمثل أمن بلاده، افتعل توترات حدودية مع جيرانه لتشن موسكو “حربًا شرعية لحماية مصالحها”، وهو ما فعله بوتين مع أوكرانيا واعتقد الزعيمان أن الشعوب التي تتعرض للغزو سترحب بـ “المحتلين” وستعتبرهم “محررين”، وهو ما لم يحدث.

التاريخ كأداة للسيطرة 

يعتقد كوليسنكوف أن بوتين اتخذ من التاريخ أداة لتشكيل الوعي الجمعي الروسي، وأحيا تاريخ كلٍ من “إيفان الرهيب” و”بطرس الأكبر”، كما فعل ستالين حين أمر بإنتاج فيلم عن فترة حكم إيفان الرهيب وربطها بعهده.

وشبّه بوتين حرب أوكرانيا بحملة بطرس الأكبر على الإمبراطورية السويدية، ليُلقن رجل الكرملين الروس روايته عن التاريخ، بعد أن استولى على وعيهم بخطبه ومقالاته، بحسب الكاتب، وليجد في نهاية المطاف دعمًا شعبيًا في غزوه لأوكرانيا.

وفي السنوات الأولى من الحرب الباردة، قطع ستالين علاقاته مع الغرب، وصور كل ما له علاقة بالغرب على أنه غير مناسب لـ“القيم الروسية”، كما وصف خصومه الغربيين بـ“من لا جذور لهم”، تمامًا كما يفعل بوتين، الآن، الذي سمى أعضاء مؤسسات المجتمع المدني غير الروس بـ”العملاء الأجانب”، وفق مقارنة الباحث الروسي.

درس من التاريخ

في نهاية المقال، يذكر كوليسنكوف أنه في ظل غياب الديمقراطية، لم يطور بوتين آلية لنقل السلطة، لأنه كما كان ستالين “لا ينوي التخلي عن العرش”، ما يجعل التاريخ الروسي يبدو كأنه يدور في “حلقة مفرغة”، وعلى الرغم من اقتراب بوتين من سن الزعيم السوفيتي، حين وفاته، فإنه لا يزال في صحة جيدة.

ومع ذلك يعود كوليسنكوف للتاريخ، مشددًا على أن “الخوف والكراهية” تزايدا في عهد ستالين، لدرجة أنه عندما كان الزعيم السوفيتي يحتضر، وفي الوقت الذي كان من الممكن إنقاذه، لم يأت أحد لمساعدته ومات وحيدًا. في المقابل، يتساءل عمن سينقذ بوتين إذا فقد قوته، ناصحًا إياه بتعلم “الدرس الحاسم” من تجربة ستالين.

ربما يعجبك أيضا