ما هو النظام الاقتصادي العالمي الذي تريد الولايات المتحدة تشكيله؟

محمد النحاس

السياسات الحمائية لن تفيد السوق الأمريكية، وكذلك الأسواق العالمية، ما دلائل ذلك؟ مقال للاقتصادي مارتن وولف في فاينانشيال تايمز.


يعيش العالم على وقع انقسام حاد، في ظل منافسة شرسة بين الولايات المتحدة والصين التي تسعى لتشكيل نظام عالمي جديد. 

ورأى الخبير الاقتصادي، مارتن وولف، في مقال نشرته فاينانشيال تايمز البريطانية، أن الولايات المتحدة تسعى لفرض مزيد من السياسات الحمائية الداعمة لصناعتها المحلية، والمناقضة لسياسات السوق الحرة والمفتوح، لكن ما التداعيات المحتملة لذلك؟

نتائج مدمرة للسياسات الأمريكية

قال وولف، في مقاله، إن السياسات الحمائية الغربية، وتزايد النزعات القومية الاقتصادية، ستسهم بقدر كبير في تشكيل النظام العالمي الجديد، مشددًا على أن عواقب هذا النهج ستكون “مدمرة وغير متوقعة”. 

وتهدد السياسات الحمائية، التي باتت تتبعها الولايات المتحدة، بخسارة نتائج 9 عقود من السياسة الفعالة للغاية، منذ أزمة الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي، التي نتجت عن السياسات الحمائية، وفق المقال المنشور بالمجلة.

الاقتصاد الحر ركيزة الازدهار الغربي

أوضح المقال أن التوجه الأمريكي نحو إنشاء نظام عالمي تجاري حر وخاضع للقواعد، خلق اقتصادًا عالميًّا أكثر ازدهارًا، أصبح ركيزة أساسية في نجاح الاقتصاد الغربي، ومن ثمّ قادت للنجاح السياسي “للعالم الغربي”، إبان الحرب الباردة.

وأضاف أن هذه السياسات قادت إلى انخفاض مذهل في معدلات الفقر العالمي، ما وصفه بأنه كان أوراق اعتماد الولايات المتحدة في العالم كقوة مهيمنة وحميدة في آن معًا.

وأشار المقال إلى أن التوجهات الأمريكية تغيرت بالفعل، مدللاً على ذلك بأن الرئيسين الحالي جو بايدن، والسابق دونالد ترامب، الذين يختلفان بشأن كل شيء تقريبًا، يتفقان على أن هذا النهج كان خاطئًا، وأضر بالصناعة والعمال في الولايات المتحدة.

تقويض العمالة الأمريكية

التفسير الأول لهذا التغير في السياسات الأمريكية، ورفض الاتجاه “النيوليبرالي”، وفق الكاتب، أنه كان أحد العوامل الرئيسة في معاناة الطبقة العمالية، لكنه يجادل بأن هذا ليس صحيحًا، فتخفيض أعداد العمال في الولايات المتحدة، كان الدافع الرئيس له زيادة معدلات الإنتاجية، وتعظيم المكاسب والأرباح.

ودلل الكاتب على رأيه بأن الأرقام توحي بذلك، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة فقدت بين عامي 2000 و2020، 6 ملايين وظيفة، لكن مليون وظيفة فحسب تسببت بها الواردات الآتية من الصين، ما يعزز الطرح بأن الدافع الرئيس لخفض العمالة كان رفع الإنتاجية، وليست سياسات الأسواق الحرة والمفتوحة. 

نتائج عكسية

التفسير الآخر، كما يسوقه المقال، ظهور منافس نظير، يعمل بنجاح كبير في إطار الاقتصاد العالمي الحر، وارتبط ذلك بالمخاوف المتزايدة في واشنطن لتبرير الانفصال عن الصين، وإعادة تشكيل سلاسل التوريد “وفقًا للتحالفات، وتبعًا للصداقات”.

وأدى ذلك لتعزيز السياسات التجارية والصناعية الحمائية، وأشار المقال إلى أن الخبير الاقتصادي، آدم بوزين، من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، جادل مؤخرًا بأن النهج الأمريكي الحالي سيأتي بنتائج عكسية، وأن الاكتفاء الذاتي “هدف أحمق”، والدعم التنافسي “لعبة محصلتها سلبية”. 

وقال بوزين إن تسييس التجارة سيؤدي إلى نتائج سيئة، بالطبع، علاوةً على ذلك سيقود النهج الأمريكي الجديد لتخليق “نموذج”، يتبعه الآخرون، ما يقود في نهاية المطاف إلى وجود تبريرات لدى الاقتصادات الحمائية، ويجعل الاقتصاد العالمي أٌقل انفتاحًا، حسب ما نقل المقال.

ما تداعيات هذه السياسات؟ 

حسب المقال، حذر الاقتصادي الأمريكي، إسوار براساد، من أن “جميع البلدان، الغنية منها والفقيرة، ستندم مستقبلاً على سياساتها التجارية والصناعية الحمائية”، ودعمت هذا الرأي دراسة صادرة عن البنك الدولي تشدد على أنه على المدى الزمني الأبعد، فإن النمو الاقتصادي العالمي يتجه نحو التدهور وبرتبط بالسياسات الحمائية المحلية.

وذكرت الدراسة أن أحد أسباب هذا التدهور، هو التباطؤ في نمو التجارة العالمية، بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، والصدمات التي تلقاها الاقتصاد العالمي من جرّاء تداعيات فيروس كورونا (كوفيد 19)، والاتجاهات التجارية والصناعية والاقتصادية الحمائية. 

وحسب دراسة البنك الدولي فإن التجارة “هي إحدى القنوات الأساسية لنشر التكنولوجيا الجديدة بأنحا العالم”، ويلفت إلى أن “العالم الأكثر ميلاً نحو السياسات الحمائية، سيكون عالمًا أقل مرونة في المعروض من المنتجات، وبالتالي أكثر ميلاً نحو حدوث صدمات تضخمية مستقبلًا.

كيف تتصرف الدول الأخرى؟ 

في عالم يشهد هذا التحول ويعيش على وقع صراع بين القوى العظمى (الولايات المتحدة والصين)، يطرح كاتب المقال سؤالاً بارزًا، كيف يمكن تعديل هذه السياسات الحمائية؟ يشير المقال إلى ضرورة تحديد استثناءات السوق الحر، في التعامل مع المنافسين بدقة ووضوح، خاصةً في تلك المنتجات المرتبطة بالتقنية. 

ويشدد المقال على ضرورة أن يكون “التدخل الأمني”، لا ينبع من منطق حمائي قدر الإمكان، وذلك من أجل تعزيز المكاسب التي تحققها التجارة العابرة للحدود.

 ويشير الاقتصادي، مارتن وولف، ختامًا أنه حال لم يحدث ذلك، وتعززت هذه السياسات بفعل المنافسة بين القوى العظمى لا يزال بإمكان الدول الأخرى التعاون فيما بينها بعيدًا عن القوى العظمى، وبمنأى عن السياسات الحمائية، ويوجد بالفعل نواة لمثل هذا التعاون عن طريق اتفاقية مثل اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP) .

ربما يعجبك أيضا