ما هو مستقبل أوروبا بدون دعم الولايات المتحدة؟

بسام عباس
جنود الناتو خلال التدريبات

لعقود من الزمن، ظلت سياسة الولايات المتحدة تجاه أوروبا على حالها، حيث رسخت واشنطن نفسها في القارة عبر حلف الناتو، فكانت مزودًا أمنيًا رئيسًا في المنطقة، فيما قبل الأعضاء الأوروبيون في حلف شمال الأطلسي القيادة الأمريكية.

لكن اليوم، خرج جزء كبير من الحزب الجمهوري عن هذا الإجماع، واختار بدلًا من ذلك سياسة التزام الولايات المتحدة تجاه أوروبا فقط عندما تدفع الدول الأوروبية ما عليها.

قوة أوروبية مُهيمنة

قالت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، في تقرير نشرته أمس الجمعة 9 أغسطس 2024، إن الديمقراطيين تعمقوا في الرد على هذا التحول، وأكد الرئيس جو بايدن الالتزام الديمقراطي بالدفاع الأوروبي، وأشاد بانضمام فنلندا والسويد إلى الناتو باعتباره إنجازًا عظيمًا لإدارته.

وأضافت أن الحزبين أخطأ في تعريف القضايا والمصالح المؤثرة المتعلقة بدور الولايات المتحدة في أوروبا، لافتة إلى أن الولايات المتحدة لديها اليوم الاهتمام الأساسي نفسه في أوروبا منذ أوائل القرن العشرين على الأقل، والذي يتمثل في الإبقاء على القوة الاقتصادية والعسكرية للقارة المنقسمة.

وفي الممارسة العملية، كان السعي إلى تحقيق هذا الهدف يعني منع ظهور قوة أوروبية مهيمنة، ولكن خلافًا لمنتصف القرن العشرين، تفتقر أوروبا اليوم إلى مرشح للهيمنة، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى نجاح الجهود الأمريكية بعد عام 1945 في إعادة بناء واستعادة الرخاء في أوروبا الغربية، ومن غير المرجح أن ينشأ أي تهديد آخر للهيمنة.

الطابع الأوروبي

أوضحت المجلة أن على الولايات المتحدة إدراك أنها حققت هدفها الرئيس في أوروبا، وبعدما نجحت في ضمان عدم قدرة أي دولة على الهيمنة على القارة، عليها أن تتبنى نهجًا جديدًا في التعامل مع المنطقة، وبموجب استراتيجية منقحة، تعمل الولايات المتحدة على تقليص وجودها العسكري في القارة، وإضفاء الطابع الأوروبي على حلف الناتو.

وذكرت أن الولايات المتحدة، لأكثر من 100 عام، كانت لديها مصالح دائمة في أوروبا، متمثلة في الحفاظ على تقسيم القوة الاقتصادية والعسكرية للقارة بين دول متعددة لمنع ظهور قوة أوروبية مهيمنة تسعى إلى تعزيز تلك القوة لنفسها، وجاء تأسيس حلف شمال الأطلسي عام 1949، لمنع احتمال سيطرة دولة واحدة على القارة.

موازن الملاذ

أفادت المجلة بأن الوضع اليوم اختلف كثيرًا عما كان عليه في القرن الماضي، حيث باتت أوروبا تفتقر إلى قوة مهيمنة، حيث أفسحت المخاوف من “ألمانيا الإمبراطورية” المجال للقلق بشأن الدور الجيوسياسي المتوقف لبرلين، ما أدى إلى قلب “المشكلة الألمانية” رأسًا على عقب، وتدرك دول القارة الكبرى أن توزيع السلطة لا يفضي إلى التوسع.

ومع عدم وجود أي مرشح للهيمنة الأوروبية، لم تعد هناك حاجة للولايات المتحدة لتولي الدور المهيمن في المنطقة، ومن دون واشنطن على رأس السلطة، فإن أوروبا اليوم كانت لتتمتع بسياسة دولية طبيعية، والتي تتضمن، باعتراف الجميع، احتمال نشوب بعض الصراعات بين الدول على أطرافها من دون فتح الباب أمام تحدي الهيمنة.

ولكن توسع حلف الناتو شرقًا أدى إلى خلق مصالح جديدة، ما يخلق ضغوطًا سياسية على الولايات المتحدة للبقاء في أوروبا على أساس أن أوروبا غير قادرة على الدفاع عن نفسها، وفي ظل المطالب المتزايدة، أصبح تصحيح المسار ضروريًّا، ولن تكون الفكرة هي عزل واشنطن عن أوروبا، بل تحويل دورها من مقدم الملاذ الأول إلى موازن الملاذ الأخير.

انسحاب أمريكا من أوروبا

قالت المجلة إن على الولايات المتحدة أن تبدأ بسحب بعض قواتها من أوروبا وإلقاء المسؤولية عن توفير القوات التقليدية اللازمة لتأمين أوروبا على عاتق الدول الأوروبية، مشيرة إلى أن للولايات المتحدة نحو 100 ألف جندي متمركزين في القارة، مع أكبر تجمع لها في ألمانيا.

وأضافت أن على الدول الأقوى في أوروبا أن تكثف جهودها، وفي نهاية المطاف، يمكن سحب القوات والمعدات الأمريكية الإضافية في أوروبا تدريجيًا، ما يحول عبء احتياجات الردع التقليدية في أوروبا إلى الأوروبيين، وهو ما يمكن الأوروبيين من إدارة التحالف بأنفسهم، وأن فترة عمل واشنطن كجليسة أطفال لأوروبا تقترب من نهايتها.

وإذا شعر مخططو الدفاع الأوروبيون أن ذلك يترك فجوة يجب ملؤها، فيجب عليهم أن يملؤوها بأنفسهم، وخصوصًا أن الولايات المتحدة تواجه أزمة مالية كبيرة، وتحديًا متزايدًا في آسيا، ومع عدم وجود مؤشرات على تحسن الصورة المالية أو تراجع التحديات، يحتاج صناع السياسات إلى إعادة تقييم التزامات الولايات المتحدة الخارجية.

ربما يعجبك أيضا