مجموعة يمينية أمريكية تتلقى 1.6 مليار دولار قبل الانتخابات.. ما قصة «الأموال المظلمة»؟

رنا أسامة

يشير مصطلح الأموال المظلمة إلى المنظمات غير الربحية التي تنخرط في السياسة من دون أن تكشف عن الجهات المانحة.


تلقت مجموعة يقودها محامٍ أمريكي محافظ بارز، 1.6 مليار دولار من متبرع سري، في أكبر إسهام فردي، إلى منظمة غير ربحية تسعى للتأثير في السياسة الأمريكية.

وحسب تقرير نشرته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، اليوم الثلاثاء 23 أغسطس 2022، قدم بري سعيد، وهو مانح سري لمجموعات أمريكية محافظة وداعمة لإسرائيل، تبرعًا وصف بالتاريخي، لمجموعة غير ربحية تعرف باسم “ماربل فريدوم تراست”، في العام الماضي، لتعزيز المصالح اليمينية بالولايات المتحدة.

آلية معقدة

وفق الصحيفة، اعتمد مدير شركة “تريب لايت” لتصنيع الإلكترونيات، بري سعيد، صاحب الـ90 عامًا، على آلية معقدة لتحويل تلك الأموال إلى “ماربل فريدوم تراست”، من خلال التبرع بأسهم شركته قبل بيعها إلى الخارج، كوسيلة للتهرب من الضرائب.

وبعد تلقي “ماربل فريدوم تراست” هذه الأموال في شكل أسهم، حولت أكثر من 200 مليون دولار إلى منظمات محافظة أخرى العام الماضي، حسب نموذج ضريبي قالت شبكة “سي إن إن” إنها استقته من دائرة الإيرادات الداخلية التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية.

بري سعيد

تبرع ضخم

تقول “سي إن إن”، إن التبرع الضخم لمجموعة “ماربل فريدوم ترست”، التي تتخذ من ولاية يوتا مقرًّا لها، يجعلها واحدة من أكثر المجموعات الأمريكية المحافظة الممولة جيدًا. وبالمقارنة، يزيد حجم التمويل الفردي لتلك المجموعة، على ضعف المبلغ الإجمالي الذي جمعته حملة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، خلال انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2020.

ووصف مدير الأبحاث بمنظمة “مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق” في واشنطن، روبرت ماجواير، ذلك التبرع بأنه “مذهل” ويمثل أكبر إسهام معروف لمجموعة سياسية ممولة بـ”أموال مظلمة” من شأنها أن تساعد نشطاء سياسيين على البدء في إعادة تشكيل القضاء الفيدرالي، وإصلاح قوانين الانتخابات، ووضع الأساس لتقويض الانتخابات المستقبلية في الولايات المتحدة.

فاعلو خير يساريون

يدير تلك المجموعة الناشط السياسي، ليونارد ليو، الذي نصح ترامب بتعيين قضاة محافظين بالمحكمة العليا. ويترأس ليو شبكة مترامية الأطراف من منظمات غير ربحية لا تكشف عن مانحيها، ويشار إليها غالبًا باسم مجموعات “الأموال المظلمة”.

وقال ليو، في بيان، إنه حان الوقت لأن تكون الحركات المحافظة في مصاف من أسماهم بفاعلي الخير اليساريين، بمن فيهم المليارديران ذوا الميول الليبرالية، الأمريكي جورج سوروس، والسويسري هانسورج ويس، وذلك من أجل الدفاع عن الدستور الأمريكي. ولم يردّ سعيد على طلبات “سي إن إن” للتعليق.

التأثير على الانتخابات

الأموال المظلمة.. ماذا تعني؟

يشير مصطلح الأموال المظلمة عمومًا إلى المنظمات غير الربحية التي تنخرط في السياسة من دون أن تكشف عن الجهات المانحة، وهي ممارسة زادت كثيرًا بعد قرار المحكمة العليا الأمريكية في عام 2010، بشأن قضية مجموعة “مواطنون متحدون” غير الربحية المحافظة، التي نجحت في مقاضاة لجنة الانتخابات الفيدرالية في عام 2008.

ويسمح لمجموعات أموال مظلمة عديدة، بما في ذلك “ماربل فريدوم ترست”، بالانخراط في السياسة ما لم تكن نشاطها الأساسي، في وقت تحولت فيه مجموعات أمريكية عدة على جانبي الطيف السياسي، إلى مجموعات أموال مظلمة مؤخرًا، بغية التأثير في ناخبين أو دفع أجندات بعينها، من دون الكشف عن متبرعيها من الأثرياء، وفق “سي إن إن”.

صفقة بـ 1.6 مليار دولار

حسب نموذج ضريبي، قالت “سي إن إن” إنها حصلت عليه، فإن “ماربل فريدوم ترست” باعت شركة “تريب لايت”، بعد استلام أسهمها، في 17 مارس 2021. وفي اليوم نفسه، استحوذت الشركة الأمريكية الإيرلندية لتصنيع الإلكترونيات وإدارة الطاقة “إيتون”، على “تريب لايت” مقابل 1.65 مليار دولار، وفقًا لوثائق لجنة الأوراق المالية والبورصات.

وبعد أقل من أسبوعين على تلك الصفقة، دفعت مجموعة “ماربل فريدوم ترلاست”، لشركة “سوليفان وكرومويل” للمحاماة بنيويورك، المساهم الوحيد في “تريب لايت”، 940 ألف دولار كرسوم قانونية، كما يظهر النموذج الضريبي. وقال متحدث باسم “إيتون” لـ”سي إن إن” إن الشركة لن تقدم مزيدًا من التفاصيل حول عملية الاستحواذ. ولم يستجب عديد من المحامين المشاركين في الصفقة لطلبات التعليق.

بري سعيد.. متبرع سري مخضرم

حسب “سي إن إن”، فإن المتبرع السري، بري سعيد، وهو ابن لمهاجرين روسيين، نشأ في شيكاغو وتخرج في جامعتها، وفق سجلات التعداد الأمريكي.

وشغل بري سعيد منصب رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة “تريب لايت”، وأدرج نفسه على أنه مالكها في سجلات تبرعات فيدرالية تعود لعام 2008، وعمل فيها لأكثر من 50 عامًا. وكانت آخر مرة التقطته عدسات الكاميرا في عام 2015، بمناسبة مرور 56 عامًا على إدارته شركته.

إسهامات مجهولة

ارتبط اسم بري سعيد بإسهامات مجهولة لمجموعات يمينية. ففي عام 2010، أفادت مجلة “صالون” الأمريكية بإدراجه في مستندات ضريبية، بصفته متبرعًا مجهولًا، قدم 17 مليون دولار لمنظمة أنتجت فيلمًا وثائقيًّا معاديًا للإسلام، وأرسلته إلى ملايين الأسر وقت انتخابات الرئاسة الأمريكية 2008. وقالت مساعدة لسعيد، للمجلة، وقتذاك، إنه لا يشارك في المنظمة، ولم تذكر إذا كان تبرع بنحو غير مباشر، بتوجيه المبلغ عبر مجموعة أخرى.

وتشير رسائل بريد إلكتروني، جرى نشرها لاحقًا، إلى أن سعيد قد يكون المتبرع المجهول الذي تعهد بتقديم مبلغ 20 مليون دولار على مدار 5 أعوام، لكلية الحقوق بجامعة جورج ميسون، من أجل إعادة تسميتها باسم قاضي المحكمة العليا الأمريكية السابق، أنطونين سكاليا، في عام 2016. وبعد 3 أعوام رفضت الجامعة الكشف عن المتبرع، لكنها قالت إن المحامي الأمريكي، ليونارد ليو، هو من نسق التبرع.

تمويل مجموعة أنتجت فيلما وثائقيًا معاديًا للإسلام

تبرعات عامة

في الوقت نفسه، يقدم بري سعيد وزوجته تبرعات عامة عبر مؤسسة غير ربحية أخرى تعرف باسم “باربرا وبري سعيد” تمول في الغالب منظمات وجامعات ثقافية تتخذ من شيكاغو مقرًا لها، وتقدم تبرعات لمجموعات محافظة وليبرالية مثل معهد كاتو، ومعهد المشاريع التنافسية، ومعهد هارتلاند.

وتبرع سعيد أيضًا لحملات سياسية مختلفة في إلينوي وأماكن أخرى خلال فترة التسعينات والعقد الأول من القرن 21، وفق “سي إن إن”.

ليونارد ليو.. قوة جاذبية مطلقة

في حين اعتادت مجموعة “ماربل فريدوم تراست” تحويل مئات ملايين الدولارات إلى مجموعات أموال مظلمة، قالت “سي إن إن” إن رئيس مجلس إدارتها، ليونارد ليو، يُعد أحد أكثر الشخصيات نفوذًا في عالم المال المظلم المحافظ.

ويخدم ليو رئيسًا مشاركًا بمنظمة يمينية محافظة، تعرف باسم الجمعية الفيدرالية، بعد أن ترأس وعمل بمجالس إدارة أكثر من 12 منظمة غير ربحية. ووصفه مدير الأبحاث بمنظمة “مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق” بأنه “قوة جاذبية مطلقة في العالم السياسي والقانوني المحافظ، والرجل الذي كان يجمع أموالًا من خلف الكواليس من أجل إعادة تشكيل القضاء الأمريكي”.

ليونارد ليو

تأثير محتمل في الانتخابات النصفية

وفق النموذج الضريبي الذي قالت “سي إن إن” إنها حصلت عليه، يتقاضى ليو 350 ألف دولار مقابل 25 ساعة عمل أسبوعيًّا بمجموعة “فريدوم تراست”، التي تمتلك منذ نهاية إبريل 2021، أصولًا بأكثر من 1.4 مليار دولار، ما يسمح لها بلعب دور مهم في قضايا محافظة محتملة في السنوات القادمة.

وينص النموذج على أن المجموعة غير الربحية، تهدف إلى الحفاظ على حرية الإنسان بما يتفق مع القيم والمثل العليا المنصوص عليها في إعلان الاستقلال والدستور الأمريكيين. وفي حين أن السياسة ليست محور تركيزها الأساسي، من المحتمل أن تستغل مواردها الضخمة للتأثير في الانتخابات النصفية الأمريكية لهذا العام أو أي انتخابات مستقبلية.

ربما يعجبك أيضا