الخطاب المتطرف و«صناعة الكراهية» في ألمانيا.. مخاطر وتحديات

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

الخطاب المتطرف، وصناعة الكراهية، ما زالت يعتبر “معضلة” للحكومة الألمانية إلى جانب دول أوروبا، والتحدي الأكبر يكمن بان بعض أنشطة الجماعات المتطرفة، لم تظهر على السطح بشكل واضح، كون هذه الجماعات، تعرف جيدا كيفية الالتفاف على القوانين، لذا تكون بعض أنشطة هذه الجماعات، “أنشطة ناعمة”، تدعو إلى التطرف والانخراط بأعمال إرهابية، دون أن تتورط هي ذاتها بأعمال إرهابية، وهذا ما يعتبر تحديا لأجهزة الأمن يحتاج منها إلى الرصد والمراقبة والفرز.

شمل خطاب الكراهية “جميع أشكال التعبير التي تنشر أو تحرض أو تروج أو تبرر الكراهية العنصرية أو كراهية الأجانب أو معاداة السامية أو غير ذلك من أشكال الكراهية القائمة على التعصب، بما في ذلك التعصب الذي يعبر عنه العدواني القومية والعرقية والتمييز والعداء تجاه الأقليات والمهاجرين والأشخاص من أصول مهاجرة وفقًا لتوصية مجلس أوروبا عام 1997.

كشف تقرير إعلامي زيادة الاعتداءات على المسلمين ومساجدهم بألمانيا خلال عام 2020 رغم الحجر الصحي في ظل جائحة كورونا. وتشمل الجرائم الجنائية المسجلة، أعمال التحريض على كراهية المسلمين أو اللاجئين المسلمين عبر الإنترنت. وكشفت  صحيفة “نويه أوسنبروكه تسايتونغ” في عددها الصادر يوم 08.02.2021،  ارتفاع  الاعتداءات (الجسدية  واللفظية) على المسلمين والمؤسسات الإسلامية مثل المساجد في ألمانيا خلال عام 2020، على الرغم من القيود المفروضة على الحياة العامة بسبب جائحة كورونا. 

 وسجلت السلطات ما لا يقل عن 901 حادثة مناهضة للمسلمين في عموم ألمانيا، بزيادة قدرها 2٪ تقريبًا مقارنة بعام 2019 (884 حادث). وتقول أولا ييلبكي -خبيرة الشؤون الداخلية في حزب اليسار- هذه الأرقام ما هي إلا قمة جبل الجليد فقط وهي تعتقد بأنه لا يتم توثيق جميع الجرائم.

عناصر إسلاموية خطيرة 

يوجد في ألمانيا 564 عنصرا إسلامويا خطرا وفق آخر تقارير الاستخبارات الألمانية لعام 2021. وتراقب الاستخبارات الألمانية ما يقارب 500 من عنصر خطر وقد يكونون أشخاصا قياديين وداعمين أو فاعلين داخل المشهد الإرهابي، يُعتقد أيضا أنهم قادرون على دعم اعتداءات إرهابية أو تنفيذها. وقد يكونون ببساطة عناصر تواصل أو عناصر مرافقة للعناصر الخطيرين. ومن بين الـ300 عنصر المتشدد العائدين من سوريا والعراق إلى ألمانيا تم في الأول من يوليو إحصاء 109 كعناصر خطيرة و 90 كأشخاص معنيين. تقدر الحكومة الألمانية أن الإرهاب الإسلاموي في ألمانيا يمكن له الاعتماد على طاقة نحو 30.000 من الأشخاص. والغالبية أي 12.000 تنحدر من الوسط السلفي”الجهادي”.

تشمل أساليب المراقبة الفنية والمراقبة المستمرة من قبل قوى الشرطة  وفي حالة التواصل مع العنصر الخطير يتم إبلاغه بأن الشرطة تراقبه وتعتبر الوضع جديا. والمراقبة التامة تكون جد مرتبطة بالشخص المعني. وحسب جهاز المخابرات فإن هناك حاجة إلى 25 حتى 30 شرطي لمراقبة شخص ما وبالتالي هي تُنفذ فقط في حالات متفرقة.

لكن في تطور أخر، جاء تقرير الشرطة الألمانية  ليوم 06.08.2021 مغايرا !حيث يؤكد التقرير تراجعا في عدد الإسلامويين المتطرفين، المصنفين “خطيرين أمنيا”، مقارنة بالسنوات الماضية. وقالت الحكومة الألمانية ردا على طلب إحاطة قدمه النائب عن الحزب الديمقراطي الحر، بنيامين شتراسر، إنه حتى 2021  تمّ تصنيف 564 شخصا كمتطرفين “خطيرين أمنيا”، مقارنة بـ 774 شخصا تمّ رصدهم  في الشهر ذاته من العام 2018 .

“اليمين الجديد” في ألمانيا

الاستخبارات الألمانية للمرة الأولى تخصص فقرة في تقريرها السنوي الصادر يوم 23 يوليو   بعنوان لعام  “اليمين الجديد”، الذي “يروج لأفكار أيديولوجية عنصرية لكن بوسائل مهنية خفية وماكرة، مثل لواء العاصفة 44”. والتورط بالتحريض على الكراهية والعنف ضد المسلمين والأجانب ولكن بطريقة “ناعمة” من اجل عدم  مواجهة أي مسائلة قانونية. 

ومصطلح “اليمين الجديد” ليس بجديد أبدا، إذ ظهر للمرة الأولى في فرنسا لوصف حركة معادية لتظاهرات طلابية لليسار في ستينيات القرن الماضي. واليوم أصبح “اليمين الجديد” تيارا داخل نطاق الحركات اليمينية إذ يعمل على سد الفراغ بين اليمين المتطرف والشرعية الديمقراطية.

وشملت الاعتداءات الكراهية والشتائم والمسبات وتعطيل الشعائر الدينية وإلحاق الضرر بالممتلكات وفي الربع الأول من عام 2021 سجلت الحكومة الألمانية 113 هجوماً ومنذ بداية العام الحالي، بمستوى نصف ما سجل في نفس الفترة من العام الماضي2020 . وتشمل هذه الجرائم، على سبيل المثال، التحريض على كراهية المسلمين أو اللاجئين المسلمين عبر الإنترنت كرسائل التهديد والاعتداء على النساء اللواتي يرتدين الحجاب أو الرجال المسلمين الذين يمكن التعرف عليهم في الشارع  كما تشكل الأضرار التي لحقت بالممتلكات والكتابات النازية على الجدران في المنازل والمساجد جزءًا منها.. يبدو أنه لا يزال هناك الكثير من الأماكن في أنحاء ألمانيا تنتشر فيها الكراهية والتحريض اليميني المتطرف كما أن تمجيد مرتكب المجازر الجماعية  “أوسكار ديرليفانغر” المعروفة تحت شعار SKD يتواصل أيضا

وقال ديفيد بيغريتش، من منظمة “Miteinander” غير الحكومية المناهضة للعنصرية من ولاية ساكسونيا انهالت بشرق ألمانيا، إن التحقيقات حول مجموعة “لواء العاصفة 44” كشفت مرة أخرى أن مجموعات اليمين المتطرف منتشرة في جميع أنحاء ألمانيا. وقال: إن “الشبكات التي قاموا بتأسيسها في السنوات الثلاث الماضية وفرت الأساس للتطرف والميل إلى العنف ضد أفراد مجتمع المهاجرين وغيرهم من المعارضين السياسيين.” وأشار التقرير إلى أن “اليمين الجديد” هي عبارة عن “شبكة غير رسمية” تضم أفرادا ومنظمات لا تشن أعمالا عنيفة لكنها تغذي “ثورة ثقافية يمينية” تهدد الدستور الألماني.

وثيقة إستراتيجية لمكافحة الإرهاب

أعلن الحزب البافاري ـ المسيحي الاجتماعي CSU برنامج مكون من سبع نقاط بوصفه  وثيقة إستراتيجية لمكافحة الإرهاب يوم 08 نوفمبر 2020، وذلك على خلفية الهجمات الإرهابية التي شهدتها أوروبا مؤخراً. وبحسب الوثيقة، يعول الحزب البافاري على “نظام رقابة واسع النطاق لمن يمثلون خطراً على الأمن وكذلك على توسيع نطاق المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب وعلى وضع بيان أوروبي شامل مناهض للإرهاب”. 

وتعتزم المجموعة البرلمانية للحزب البافاري أيضاً توسيع نطاق صلاحيات التحقيق الخاصة بالأجهزة الأمنية- من بينها الهيئة الاتحادية لمكافحة الدستور (الاستخبارات الداخلية بألمانيا)، وأوضحت المجموعة أنه “يجب أن تمتلك هذه الهيئة إمكانية مراقبة مصادر الاتصالات كي يتسن لها فك تشفير رسائل المسنجر وتحديد هوية شبكات إرهابية بشكل سريع وخال من الثغرات”.

ما ينبغي العمل عليه

ـ توسيع صلاحيات الاستخبارات الألمانية اكثر من اجل رصد ومراقبة ومتابعة، الخطاب المتطرف بكل أطيافه، يمني، إسلاموي أو يساري وربما حتى الليبرالي، من خلال تعزيز مراقبة محركات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

ـ سن تشريعات، أكثر فاعلية، تحدد ماهية الخطاب المتطرف وصناعة الكراهية واعتماد سياسات أكثر تشددا، في حذف الخطاب المتطرف وحظر المنظمات والجمعيات أو المنتديات التي تدعو إلى التطرف.

ربما يعجبك أيضا