محاربة التطرف في فرنسا.. معضلة الخطاب السياسي

جاسم محمد
الشرطة الفرنسية

رؤية ـ جاسم محمد

تبقى فرنسا تشهد عمليات إرهابية، ربما أكثر من غيرها من الدول الأوروبية، ومن المحتمل أن تبقى فرنسا، في مقدمة دول أوروبا، على مؤشر الإرهاب للعام الحالي، وهذا مرتبط في سياسة فرنسا الداخلية والخارجية، إضافة إلى العوامل “الديموغرافية، الواجب معالجتها باعتماد سياسات مكافحة التطرف مجتمعيا، أكثر من فرض سياسات صلبة ونشر القوات على الأرض. تبقى فرنسا تعاني كثيرًا من خطابها السياسي، الذي  يمكن أن يكون هو الآخر مشكلة تحتاج المراجعة في سياسة محاربة التطرف.

أعلنت الشرطة الفرنسية  يوم 16 أكتوبر 2020 أنها قتلت بالرصاص رجلا كان قد ذبح قبل ذلك بدقائق معلما بإحدى المدارس الإعدادية في شارع بإحدى ضواحي العاصمة باريس. وقال مصدر بالشرطة إن هذا المدرس كان قد عرض على تلاميذه رسوما كاريكاتورية للنبي محمد. وقال متحدث باسم الشرطة إن الشرطة أطلقت النار على المشتبه به فأردته قتيلا بحسب ما أوردت قناة (بي إف إم تي في”.

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الثاني من أكتوبر 2020 أن على فرنسا “التصدي إلى الانعزالية الإسلامية” الساعية إلى “إقامة نظام موازٍ” و”إنكار الجمهورية”. خطاب الرئيس ماكرون الذي ألقاه في ليه موروه خلال شهر أكتوبر الحالي 2020،في أحد الأحياء الحساسة في ضاحية باريسقال فيه: “ثمة في تلك النزعة “الإسلامية الراديكالية” (…) عزم معلن على إحلال هيكلية منهجية للالتفاف على قوانين الجمهورية وإقامة نظام موازٍ يقوم على قيم مغايرة، وتطوير تنظيم مختلف للمجتمع” معتبرا أن الإسلام “ديانة تعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم”.

وفي أعقاب حادثة ذبح أستاذ مادة التاريخ يوم 16 اكتوبر 2020، قرر مجلس الدفاع الفرنسي الذي اجتمع برئاسة إيمانويل ماكرون تعزيز الأمن في المنشآت المدرسية في الدخول المدرسي بعد انقضاء إجازة الخريف، واتخاذ إجراءات وتدابير “ملموسة” وسريعة ضد كل من تسول له نفسه، مؤسسات وأفرادًا، الترويج لخطاب الكراهية أو دعمه وكذلك مراقبة الدعاية الإسلاميّة المتطرّفة على الإنترنت، وذلك بعد الحادثة .

فرنسا تقرر طرد العناصر المتطرفة الموجودين على أراضيها

الحكومة الفرنسية أعلنت أنها تعمل الآن على طرد 231 شخصًا من المصنفين خطرا على الأمن العام ولديهم ملفات “s” بتهم الإرهاب، وهو ما أكدته إذاعة “أوروبا 1” ووسائل إعلام أخرى. وعلى قائمة أصحاب المفات “s” يوجد حاليا 180 شخصا في السجن، و51 شخصا حرا لكن السلطات ستعتقلهم قريبا كما قال مصدر في الشرطة. كما طلب وزير الداخلية من الهيئات المختصة أن تمعن النظر بحرص أكبر في طلبات اللجوء المقدمة لفرنسا. 

اتخذت وزارة الداخلية الفرنسية إجراءات قضائية ضدّ جميع مَن دعموا الاعتداء على شبكات التواصل الاجتماعي. وقال الإليزيه إنّه “منذ يوم 16 أكتوبر، حادثة ذبح أستاذ مادة التاريخ ، حدّدت من خلال منصّة فاروس (للإبلاغ عن الحوادث) 80 رسالة تدعم ما قام به المهاجم”، على أن تُتّخذ سريعا إجراءات تنفّذها الشرطة أو الدرك، مثل الاستدعاءات أو عمليّات دهم منازل. وبحسب الإليزيه، فإن أصحاب الثمانين رسالة التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي لدعم القاتل سيسآلون. 

فرض رقابة مشددة ضد عدة جمعيات في فرنسا  

ومن المقرر أن تفرض الحكومة الفرنسية رقابة مشددة ضد عدة جمعيات في فرنسا من بينها “التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا” مؤكداً أن “51 كياناً مجتمعياً سيشهد على مدى الأسبوع عدداً من الزيارات لأجهزة الدولة والعديد من بينها سيتمّ حلها في مجلس الوزراء.

المصادر الحكومية أوضحت أن التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا “متورط علناً” وهناك “عدد معين من العناصر يسمح لنا بالتفكير أنه عدو للجمهورية”، مضيفاً أن الجمعية “تتلقى مساعدات من الدولة وتخفيضات ضريبية وتندد برهاب الإسلام في الدولة”.  وأن دارمانان أيضاً سيشملها تلك الإجراءات منظمة “بركة سيتي” مدينة البركة  غير الحكومية التي أسسها مسلمون ذوو نزعة سلفية. وقد وُضع رئيسها إدريس يمو الخميس تحت المراقبة القانونية في إطار تحقيق في قضية تحرّش على مواقع التواصل الاجتماعي. ومن المقرر أن تتخذ الحكومة الفرنسية إجراءات جديدة أكثر صرامة ضد عدد من الجمعيّات بعد التدقيق فيها، في انتظار مشروع قانون ضدّ “الإسلام الراديكالي” من شأنه أن يوسّع نطاق أسباب حلّ الجمعيّات. وفي هذا السياق نفذت الشرطة الفرنسية عمليات ضد “عشرات الأفراد” المرتبطين بالتيار الإسلامي في فرنسا.

النتائج

ـ ما تعمل عليه فرنسا منذ سنوات وتحديدا منذ عام 2015 ولحد الآن هو مساعيها إلى الحد من  سيطرة الجماعات المتطرفة داخل فرنسا على الجاليات وتورط هذه الجماعات في نشر التطرف وتقديم الدعم اللوجستي إلى تنظيم داعش والقاعدة وتنفيذ عمليات إرهابية.

ـ  تعمل فرنسا إلى جانب دول أوروبا، بالحد من حجم الدعاية المتطرفة للجماعات ، خاصة عبر الإنترنت وكذلك المنابر، باتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة في تتبع الأشخاص المتورطين بالترويج للتطرف عبر الإنترنت أو المنابر في المساجد والجمعيات والمراكز الدينية والثقافية.

ـ أدركت فرنسا، أن محابة الإرهاب محليا، هو الأهم وبات ضروريا، لذلك اتجهت فرنسا كثيرا مقارنة مع باقي دول أوروبا، على تنفيذ سياسات أكثر شدة وصرامة ضد المراكز الدينية والمساجد والمدارس التي تدعو إلى التطرف.

ـ إن فرنسا، يمكن وصفها من بين الدول الأكثر استهدافا من قبل الجماعات المتطرفة وذلك يعود إلى ما يلي : إن سياسات فرنسا الخارجية، خاصة في دول الساحل الأفريقي وشمال أفريقيا وتواجدها العسكري، يدفع بعض المتطرفين لتنفيذ عمليات انتقامية.

إن سياسات فرنسا الداخلية ، يمكن وصفها من أكثر الدول الأوروبية، التي تكون ردود أفعال لعمليات إرهابي ينفذها عناصر ذات ارتباطات بتنظيمات مطرفة، أو عناصر راديكالية، إسلاموية، تنفذ عمليا إرهابية على غرار الذئاب المنفردة.

ـ تبقى فرنسا تتصدر مؤشر الإرهاب في العام الحالي، بعد تعرضها لحد الآن لأكثر من سبع عمليات إرهابية، مقارنة بالعام الماضي 2019 والتي كانت أيضا سبع عمليات.

ـ تعاني فرنسا من مشكلة “نقص” الخطاب السياسي، وهذا ما تمثل في خطاب ماكرون قبل أيام الذي استخدم عبارات مثل “الإسلام الراديكالي” أو “الإرهاب الإسلامي” وكان الأجدر أن يكون فصل ما بين الجماعات المتطرفة الراديكالية وبين الإسلام. استخدم التوصيفا والعبارات ممكن أن تدفع بعض الشباب داخل فرنسا بالنزوح نحو التطرف وربنا تنفيذ عمليات إرهابية.

ـ تعتمد فرنسا على “ترسانة” من الأجهزة الامنية والسياسات الصلبة وفرض القوات على الأرض، أكثر من اعتماد سياسات ناعمة، لمعالجة التطرف والوقاية منه مجتعيا، وهذا ما بات مطلوبا أكثر.

بات مرجحا، أن تشهد فرنسا عمليات إرهابية على غرار الذئاب المنفردة، ربما أكثر من بقية دول أوروبا، رغم ما تقوم به من إجراءات أمنية سريعة ومشددة ضد التطرف والإرهاب.

ربما يعجبك أيضا