محمد صديق المنشاوي.. «صوت رنان» في الذاكرة والوجدان

محمود طلعت

عُرف الشيخ محمد صديق المنشاوي بجمال صوته وتلاوته، واشتهر بأنه "الصوت الباكي"، وبرز كأكثر المنشاوية إتقانًا لمقامات التلاوة.


بإخلاصه وصوته الخاشع البكّاء، استطاع الشيخ محمد صديق المنشاوي أن يأسر قلوب مستمعيه ومريديه قبل أن يمتلك آذانهم، ليبقى أثر صوته الرنان باقيًا في الذاكرة والوجدان حتى يومنا هذا.

سجَل الشيخ المنشاوي أكثر من 150 تسجيلًا بالإذاعة المصرية والإذاعات الأخرى، منها المصحف المرتل كاملًا برواية حفص عن عاصم الذي يذاع بصفة دورية بإذاعة القرآن الكريم بالقاهرة، فضلًا عن المصحف المعلم وبعض الابتهالات النادرة.

المولد والنشأة في صعيد مصر

ولد الشيخ المنشاوي بقرية المنشاة التابعة لمحافظة سوهاج المصرية عام 1920م، وأنبته الله نباتًا حسنًا حتى أتم حفظ القرآن الكريم وهو في الثامنة من عمره.

ونشأ في أسرة قرآنية عريقة، فوالده الشيخ صديق المنشاوي، وشقيقه الشيخ محمود صديق المنشاوي، علمان من أعلام التلاوة العريقة.

أول مقرئ تنتقل إليه الإذاعة

كان صيت الشيخ المنشاوي وشهرته وحسن قراءته وتلاوته حديث الناس في مصر ولما علم المسؤولون بالإذاعة بتلك الموهبة أرسلوا إليه يطلبون منه أن يتقدم بطلب للإذاعة ليعقد له اختبار فإن اجتازه يعتمد مقرئًا بها، فرفض الشيخ هذا المطلب وقال: “لا أريد القراءة بالإذاعة فلست في حاجة إلى شهرتها ولا أقبل أن يعقد لي هذا الامتحان أبدًا”.

فما كان من مدير الإذاعة وقتها إلا أن أمر بانتقال الإذاعة إلى حيث يقرأ الشيخ محمد صديق المنشاوي وبالفعل فوجئ الشيخ، وهو يحيي حفلًا رمضانيًّا في قرية إسنا بأن الإذاعة أرسلت مندوبها لتسجل قراءته وتلاوته، وكانت تلك أول حادثة في تاريخ الإذاعة أن تنتقل بمعداتها والعاملين بها ومهندسيها للتسجيل لأحد المقرئين.

وبعد ذلك الحين جرى اعتماد الشيخ المنشاوي قارئًا بالإذاعة المصرية عام 1954، وكانت أول سورة سجلها الشيخ للإذاعة هي سورة “لقمان”، وكان من العجيب أيًضً أن تكون سورة لقمان هي آخر تسجيلات الشيخ الخارجية بمسجد الحسين أيضًا.

قراءة القرآن في المسجد الأقصى

درس المنشاوي أحكام التلاوة على يد الشيخ محمد أبوالعلا، وتعلم القراءات في الـ12 من عمره، ونال إجازة في القراءات العشر على يد الشيخ محمد سعودي.

ومزج، رحمه الله، بين إجادة المقامات الموسيقية وربطها بالآيات القرآنية وموضوعاتها، وقد قرأ القرآن في المسجد الأقصى والكويت وسوريا وليبيا والأردن وباكستان وإندونيسيا، وغيرها من الدول العربية والأجنبية.

عشقه لأصوات القراء العظماء

كان الشيخ محمد صديق المنشاوي يعشق صوت الشيخين محمد رفعت وطه الفشني وتأثر بهما كثيرًا، وكان يستمع إلى أبناء جيله من القراء العظماء مثل الشيخ عبدالباسط عبدالصمد والشيخ البنا والشيخ كامل يوسف البهتيمي، فكان يبحث دومًا في موجات الإذاعة عن أي محطة تذيع القرآن ليستمع إليهم.

تمسكه بقراءة القرآن حتى الوفاة

في عام 1966 أصيب المنشاوي بمرض دوالي المريء  وعالجه، الأطباء بالمسكنات، ونصحوه بعدم الإجهاد وخاصة الحنجرة، إلا أنه رغم مرضه ظل يقرأ القرآن بصوت مرتفع، ما دفع محبيه إلى الجلوس في المسجد أسفل منزله للاستماع له دون علمه.

اشتد مرضه ونُقل إلى مستشفى المعادي، وأمر الرئيس جمال عبدالناصر بسفره إلى لندن للعلاج على نفقة الدولة إلا أنه توفي في 20 يونيو 1969 قبل سفره.

ربما يعجبك أيضا