محمد عبد الله دراز.. مؤسس علم الأخلاق القرآني

محمود سعيد

رد دراز في مؤلفاته على شبهات المستشرقين والمبشرين حول الوحي والإسلام، كما تناول الاعجاز البياني والبلاغي والتشريعي.


الشيخ محمد عبد الله دراز، هو أحد أعلام المجددين البارزين في العالم الإسلامي بالقرن العشرين، وأحد كبار المفكرين ومؤسس “علم الأخلاق القرآني”.

وسلط الضوء على الشواهد العلمية التي حدثت في القرن العشرين، كالحقائق العلمية الخاصة بالأجنة في بطون أمهاتها ودوران الأفلاك في مساراتها وتعاقب الليل والنهار وكروية الأرض وانفصال المياه العذبة عن المياه المالحة في الملتقى الواحد، وغير ذلك الكثير.

حياة محمد عبد الله دراز ونشأته

وُلِد الشيخ محمد عبد الله دراز في قرية “محلة دياي” بمركز دسوق، التّابع لمحافظة كفر الشيخ، عام 1894م، وأتم حفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالدراسة في الأزهر وحصل على شهادة العالمية عام 1916م، بعدها عمل مدرسًا ﺑمعهد الإسكندرية الأزهري حتى عام  1928م.

وقد حاضر الشيخ في كلية أصول الدين، وكانت وقتها من الكليات الأزهرية الناشئة عام 1930م، فكان محبوبًا من تلامذته وزملائه على حدٍّ سواء، لأخلاقه الكريمة وتواضعه الجم مع سعة علمه. ووالده هو الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن حسنين دِراز، وكان فقيهًا ولغويًّا واسع العلم، وضع شروحًا معتبرة لكتاب “الموافقات” للإمام الشاطبي.

رحلة دراز إلى فرنسا

حج بيت الله الحرام سنة 1355هـ/1936م، وبعدها أرسله الأزهر إلى فرنسا في العام نفسه، فدرس محمد عبد الله دراز فلسفة الأديان في “جامعة السوربون” ونال منها شهادتي الليسانس والدكتوراه، بعد أن مكث في فرنسا 12 عشرة سنة، من مايو 1936 – مارس 1948م، يدرس ويتعلم ويطلع على الحياة الغربية، فلم يزده ذلك إلا اعتزازًا بثقافته العربية والإسلامية.

العودة إلى مصر

عاد دراز إلى مصر في شهر مارس 1948م وحصل على عضوية هيئة كبار العلماء في مصر سنة 1949م، وأمضى 10 أعوام أخرى في مصر، وصل فيها إلى أعلى مراتب العلم، فقد كان يلقي المحاضرات في علم تاريخ الأديان بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ومحاضرات في فلسفة الأخلاق، بقسم التخصص بالجامعة الأزهرية.

وعمل باللجنة العليا السياسية للتعليم، والمجلس الأعلى للإذاعة، بالإضافة إلى عمله في اللجنة الاستشارية للثقافة بالأزهر، وكان ممثلًا في المؤتمرات الدولية والعلمية لمصر والأزهر الشريف. وعرض على فضيلته أن يتولى مشيخة الأزهر سنة 53 فرفضها بسبب القيود التي كان يتضمنها العرض، اعتزازًا بدين الله وإخلاصًا له.

مؤلفات دراز

للشيخ محمد عبد الله دراز مؤلفات عظيمة الأثر، منها “دستور الأخلاق في القرآن”، وهو رسالته للدكتوراه، كتبه باللغة الفرنسية، وترجمه إلى العربية د.عبد الصبور شاهين. وكتاب “مدخل إلى القرآن الكريم.. عرض تاريخي وتحليل مقارن”، وهذه الدراسة مع “دستور الأخلاق” حصل بهما على درجة الدكتوراه، ونُوقشا في السوربون، 15 ديسمبر 1947م. وله كذلك كتاب “النبأ العظيم .. نظرات جديدة في القرآن”.

ومن مؤلفاته أيضًا كتاب “الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان” الذي نشره عام 1371هـ/1952م، و”المختار من كنوز السنة”، و”الميزان بين السنة والبدعة”، و”نظرات في الإسلام”. ومن بحوثه بالعربية والفرنسية “مبادئ القانون الدولي العام في الإسلام” و”الربا في نظر القانون الإسلامي” و”الأزهر ـ الجامعة القديمة الحديثة”، ورد في مؤلفاته على شبهات المستشرقين والمبشرين حول الوحي والإسلام.

وفاة الشيخ محمد  دراز

سافر في يناير سنة 1958م إلى باكستان لحضور المؤتمر الإسلامي في مدينة لاهور، وألقى فيه بحثًا بعنوان “موقف الإسلام من الأديان الأخرى وعلاقته بها”، فتوفي في لاهور في أثناء انعقاد المؤتمر في 6 يناير 1958م، 14 جمادى الآخرة 1377هـ، رحمه الله. وكان الشيخ يقرأ كل يوم 5 أجزاء من القرآن الكريم، وما ترك هذه العادة يومًا واحدًا في أثناء الحرب العالمية، واحتلال ألمانيا لفرنسا التي كان يعيش بها.

ودفع كتابه “دستور الأخلاق في القرآن”، بعض الباحثين إلى الاهتمام بعلم الأخلاق القرآني، فألف داوود رهبر كتابه “رب العدالة”، وألف توشيهيكو إيزوتسو كتابه “المفهومات الأخلاقية الدينية في القرآن”، وغيرهما. وسبب تأليفه أن دراز لاحظ “فراغًا هائلًا” في علم الأخلاق العام يتمثل في إغفالٍ متعمّدٍ لعلم الأخلاق القرآني لدى الباحثين الغربيين، رغم “أن الإضافة القرآنية في هذا الباب ذات قيمة لا تقدر”.

ربما يعجبك أيضا