محمود سامي البارودي.. «فارس السيف والقلم»

محمود سعيد

كان البارودي أحد أبطال ثورة عام 1881 ضد الخديوي توفيق بالاشتراك مع الزعيم أحمد عرابي


يعد محمود سامي البارودي أحد عظماء السياسة والعسكرية في تاريخ مصر، بفضل ما قدمه من بطولات وتضحيات ومواقف نبيلة دفاعًا عن شعبه ووطنه وأمته.

السياسي البارز والفارس النبيل والشاعر المتمكن من لغته وكلماته، سجل بطولات عسكرية وسياسية حفظها التاريخ المصري في صفحات من نور، وحتى في منفاه في جزيرة سرنديب في شمال المحيط الهندي جنوب غرب خليج البنغال في قارة آسيا كان إيجابيًا ينشر العلم والمعرفة بين سكانها.

نشأة البارودي وحياته

ولد محمود سامي بن حسن حسين بن عبد الله البارودي في 6 أكتوبر 1839 ميلاديًا في مصر لأبوين من الجراكسة، وتلقى العلم على يد أساتذة في منزله فتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ النحو والصرف، ودرس الفقه والتاريخ والحساب، ثم التحق بالمدرسة الحربية عام 1850.

وتخرج البارودي في عهد الخديوي سعيد برتبة ملازم ثان عام 1854، بعدها سافر إلى إسطنبول، والتحق بوزارة الخارجية العثمانية، وتمكن في أثناء إقامته من إتقان التركية والفارسية ومطالعة آدابهما، ولما سافر الخديوي إسماعيل إلى الأستانة بعد توليه العرش ليقدم الشكر للخليفة ألحق البارودي بحاشيته، فعاد إلى مصر.

عودة البارودي وتدرجه في المناصب

مع عودته رقي إلى رتبة قائم مقام “عقيد” بالآلاي الثالث من السواري عام 1864، ثم رقي إلى رتبة أميرالاي “عميد” وعهد إليه قيادة الآلاي الرابع من عسكر الحرس الخديوي، وعين مديرًا للشرقية عام 1879، ثم محافظًا للقاهرة عام 1880 ميلاديًا.

بعد عودته إلى مصر في فبراير عام 1863 عينه الخديوي إسماعيل في إدارة المكاتبات بين مصر والأستانة، لكنه ضاق ذرعًا بالعمل المكتبي، فانتقل في يوليو عام 1863 إلى الجيش وعمل برتبة “البكباشي” وأُلحقَ بآلاي الحرس الخديوي وعين قائدًا لكتيبتين من فرسانه.

البارودي أديبًا وشاعرًا

البارودي لم يتفوق في المجال العسكري فقط، لكنه كان شاعرًا بارزًا، وتجلت موهبته الشعرية في سن مبكرة بعد أن استوعب التراث العربي وقرأ روائع الشعر العربي والفارسي والتركي، فكان ذلك من عوامل التجديد في شعره الأصيل، حتى أصبح رائد مدرسة البعث والإحياء في الشعر العربي الحديث، وأحد المجددين في القصيدة العربية شكلًا ومضمونًا، ولقب بـ”فارس السيف والقلم”.

جهوده العسكرية

اشترك في إخماد ثورة جزيرة كريت على الدولة العثمانية عام 1865 وكان أحد أبطال ثورة عام 1881 ضد الخديوي توفيق بالاشتراك مع الزعيم أحمد عرابي، وأسندت إليه بعدها رئاسة الوزارة في فبراير عام 1882، وتولى مهام منصب ناظر المعارف والأوقاف في وزارة شريف باشا الثانية 5 يوليو 1879 حتى 18 أغسطس 1879، ثم ناظرًا للأوقاف في عهد نظارة محمد توفيق الثانية عام 1879.

وعين البارودي وزيرًا لنفس الوزارة في وزارة رياض الأولى في 1879، وتولى رئاسة النظارة إلى جانب نظارة الداخلية في 4 فبراير 1882، وكان أول رئيس وزراء في تاريخ مصر لم يعينه الخديوي بل ينتخبه مجلس النواب، ليطلق على وزارته اسم “وزارة الثورة” أو الوزارة الوطنية، وبعد مقاومة الاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882 قرر الاحتلال البريطاني نفيه مع زعماء الثورة العرابية إلى جزيرة سرنديب.

المنفى وأنشودة العودة

ظل البارودي في المنفى أكثر من 17 عامًا يعاني الوحدة والمرض، فسجّل كل ما جال في خاطره في سنوات غربته عن مصر في أشعاره.

وعند بلوغه سن الـ60 اشتد عليه المرض وضعف بصره فتقرر عودته إلى مصر للعلاج، فعاد عام 1899 وكانت فرحته غامرة بعودته، وأنشد “أنشودة العودة ” التي قال فيها:

أَبَابِلُ رَأْيَ العَيْنِ أَمْ هَذِهِ مِصْـرُ       فَإِنِّي أَرَى فِيهَا عُيُونَاً هِيَ السِّحْـرُ

نَوَاعِسَ أَيْقَظْنَ الهَـوْى بِلَوَاحِـظٍ       تَدِينُ لَهَا بِالفَتْكَةِ البِيضُ وَالسُّمْـرُ

فَلَيْسَ لِعَقْلٍ دُونَ سُلْطَانِـهَا حِمَىً       وَلاَ لِفُؤَادٍ دُونَ غِشْيَانِـهَا سِتْـرُ

فَإِنْ يَكُ مُوسَى أَبْطَلَ السِّحْرَ مَرَّةً       فَذَلِكَ عَصْرُ المُعْجِزَاتِ ، وَذَا عَصْرُ

فَأَيُّ فُـؤَادٍ لاَ   يَذُوبُ   صَبَابَـةً       وَمُزْنَةِ عَيْنٍ لاَ يَصُوبُ لَهَـا قَطْـرُ؟

بِنَفْسِي – وَإِنْ عَزَّتْ عَلَيَّ – رَبِيبَـةٌ       مِنَ العِينِ فِي أَجْفَانِ مُقْلَتِهَا فَتْـرُ

فَتَاةٌ يَرِفُّ   البَدْرُ تَحْتَ   قِنَاعِـهَا       وَيَخْطِرُ فِي أَبْرَادِهَا الغُصُنُ النَّضْـرُ

وفاته

توفي البارودي في 15 ديسمبر عام 1904 بعد سنوات من الكفاح والنضال من أجل حرية مصر والعالم الإسلامي وعزته.

ربما يعجبك أيضا