مخاطر مستقبلية.. هل نشهد حروبًا على المياه؟

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي 

في الماضي، ربما كانت الحروب على المياه دربًا من الخيال، فكيف لكوكب تبلغ نسبة المياه به حوالي 71 % من مساحته الإجمالية؛ أي أكثر من ثلثي المساحة، بينما لا تتعدى اليابسة حاجز الـ 30%، ورغم ذلك يعاني غالبية قاطنيه من الشح المائي، الأمر الذي تعداه لتزايد احتمالية وقوع حروب من أجل الحصول على ذلك المصدر ونزوح الملايين من البشر بسبب ندرة الموارد المائية.

وبحسب تقرير الأمم المتحدة، يعيش ما يزيد عن مليار شخص دون مياه مأمونة – خدمة مياه الشرب التي تدار بأمان وهي المياه المُوصلة إلى المباني ويمكن الحصول عليها مباشرة عند الحاجة بدون الخوف من احتمال تلوثها  في منازلهم – وهناك احتمال نزوح 700 مليون شخص في العالم بسبب ندرة المياه الشديدة مع حلول عام 2030.

في عام 2015، تبنت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة، والتي تتضمن حتمية “ضمان توافر المياه والصرف الصحي وإدارتها بشكل مستدام للجميع”. ومع ذلك، فقد تدهورت الأمور بشكل كبير في السنوات الأربع الماضية.

تحظى مخاطر التلوث البيئي بالكثير من الاهتمام في الوقت الحاضر، لا سيما في العالم النامي وذلك لعدة أسباب أبرزها؛ تدني مؤشرات جودة الهواء حيث تواجه الهند على وجه الخصوص حالة طوارئ حادة للصحة العامة. ولكن على الرغم من خطورة مشكلة التلوث، هناك مصدر محتمل للنزاع في المستقبل، ألا وهي عدم الحصول على المياه النظيفة، كذلك ما تعيشه دولحوض النيل، لاسيما مصر التي تواجه تعنتًا أثيوبيًا تجاه سنوات ملء خزان سد النهضة الخاص بها، ما يؤثر بشدة على نسبة مصر من المياه.

ندرة المياه العذبة

نعيش على “كوكب أزرق”، بينما لا ينتفع الأفراد أكثر من 3 % من نسبة المياه على كوكب الأرض، وبداية من عام  1960، انخفضت كمية المياه العذبة المتاحة للفرد بأكثر من النصف، تاركة أكثر من 40 ٪ من سكان العالم في مواجهة الشح المائي. بحلول عام 2030، سيتجاوز الطلب على المياه العذبة نسبة 40٪ من الكمية المتاحة.

مع ما يقرب من ثلثي المياه العذبة التي تأتي من الأنهار والبحيرات التي تعبر الحدود الوطنية، فإن الشح المائي المتزايد يغذي دائرة مفرغة، تتنافس فيها البلدان على المنابع، مما يؤدي إلى زيادة الضغط و المنافسة الدولية، الأمر الذي أدى لتعرض العديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمياة للنقد والاعتراض من ناحية، والانسحاب والتجاوز من ناحية  أخرى.

نزاع حول المياه

تخوض الصين والهند وبنغلادش نزاعًا حول براهمابوترا، أحد أكبر الأنهار في آسيا، حيث تقوم الصين والهند ببناء السدود التي أثارت مخاوف من تسريب المياه. استخدمت الحكومة الهندية تحويل تدفق المياه لمعاقبة باكستان على الهجمات الإرهابية. أثارت أعمال بناء السدود على النيل من قبل إثيوبيا غضب مصر المصب.

ناهيك عن الصراعات العابرة للحدود، هناك توترات متزايدة تتعلق بالمياه داخل البلدان أيضًا، بين المجتمعات الريفية والحضرية، وبين المستهلكين في المجالات الزراعية والصناعية والأسر المعيشية. في العام الماضي، غذت ندرة المياه الصراعات في أجزاء من شرق إفريقيا، مثل كينيا، التي لديها تاريخ من الاشتباكات القبلية حول الحصول على المياه.

في الواقع، هناك تاريخ طويل من الصراع على مياه العديد من الأنهار الرئيسية، بما في ذلك نهر النيل والأمازون وميكونغ والدانوب. ولكن من المقرر أن تزداد شدة وتواتر هذه النزاعات، حيث يغير تغير المناخ أنماط هطول الأمطار، مما يؤدي إلى حدوث فيضانات وجفاف أكثر تواتراً وشدة وطويلة.

ومما زاد الوضع أكثر خطورة، تلوث احتياطيات المياه المتناقصة بشكل متزايد من الملوثات الصناعية والبلاستيك وغيرها من النفايات، والمخلفات البشرية. في البلدان متوسطة الدخل، تتم معالجة أقل من ثلث مياه الصرف الصحي؛ في البلدان المنخفضة الدخل، تقل حصة المعالجة عن الثلث. وتجدر الإشارة إلى أن حوالي 1.8 مليار شخص يحصلوا على مياه الشرب من مصادر ملوثة. ناهيك عن أن استنزاف طبقات المياه الجوفية وعدم كفاية الاستثمار في البنية التحتية للمياه يزيدان من حدة هذه المشاكل.
 
تغير المناخ وندرة المياه

كما هو الحال بالنسبة لتغير المناخ ، فإن أخطر عواقب الشح المائي تؤثر بشكل كبير على القاطنين في المناطق شديدة الفقر- لا سيما أفريقيا وجنوب ووسط آسيا – الذين سيتأثرون بشكل كبير من التغير المناخي وتأثيره على تغير نسبة وفصول الأمطار. على سبيل المثال، تمشي النساء والفتيات لمسافة تصل إلى 25 كيلومترًا (15.5 ميلًا) يوميًا لجمع مياه الشرب في ريف ف ماهاراشترا بالهند، وفي قرى أخرى، حيث تجف الآبار المحلية ، اضطرت الأسر إلى تعيين فرد ليكون متفرغًا لجمع المياه، وقد تدفع الأسر الأكثر ثراءً شخصًا آخر للقيام بهذه المهمة.

ربما يعجبك أيضا