مدفع الحاجة فاطمة على موائد زمن الفن الجميل

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

جبت‏ ‏لنا‏ ‏معاك‏ ‏الخير‏ ‏كله

م‏ ‏الصبح‏ ‏نقوم‏ ‏ونحضرله

بالقمر‏ ‏الدين‏ ‏وبلح‏ ‏على‏ ‏تين

م‏ ‏المغرب‏ ‏للمدفع‏ ‏واقفين

أهو‏ ‏جه‏ ‏يا ولاد

لا‏ ‏تخلو‏ ‏مائدة‏ ‏صائم‏ ‏رمضان‏ ‏لحظة‏ ‏ضرب‏ ‏مدفع‏ ‏الإفطار‏ ‏من‏ ‏الياميش‏ ‏والمكسرات‏ ‏حتى‏ ‏أصبح‏ ‏عادة‏ ‏عند المصريين ويرجع تاريخ ‏تناول‏ ‏المكسرات‏ ‏والياميش‏ ‏إلى‏ ‏عصر‏ ‏القدماء المصريين، حيث كان القدماء يصنعون الحلوى‏ ‏على‏ ‏شكل‏ ‏الإله‏ “‏بس‏” ‏إله‏ ‏الضحك‏ ‏واللعب‏ ‏عن‏ ‏الأطفال، ولكنها ازدهرت مع العصر الفاطمي حيث ‏أعاد‏ ‏المصريون‏ ‏القدماء‏ ‏إحياء تناول المكسرات لتكون “عين الجمل – القراصيا – التين المجفف – قمر الدين”.

مدفع الحاجة فاطمة

اعتاد المسلمون في معظم أرجاء المعمورة على بدء إفطارهم في رمضان على طلقات المدفع والتوقف عن تناول الطعام أيضاً عن طريق طلقات مدفع رمضان، ورغم كثرة مساجد القاهرة ومآذنها فقد عرفت هذه المدينة مدفع الإفطار في العصر المملوكي عام 859 هجرية، وكانت القاهرة أول مدينة إسلامية تستخدم هذه الوسيلة عند الغروب، إيذاناً بالإفطار في شهر رمضان.

وجاء الأمر بمحض الصدفة في أول يوم رمضان عام 859 هجرية كان والي مصر في هذه الفترة الوالي المملوكي “حوشقدم” قد تلقى مدفعاً هدية من صاحب مصنع ألماني فأمر بتجربته، وتصادف ذلك الوقت مع غروب الشمس فظن سكان القاهرة أن ذلك إيذانا لهم بالإفطار، وفي اليوم التالي توجه شيوخ الحارات والطوائف إلى بيت الوالي لشكره على هديته لسكان القاهرة، فلما عرف الوالي الحكاية أعجب بذلك، وأمر بإطلاق المدفع عند غروب الشمس في كل يوم من أيام رمضان.

عندما توقف المدفع الذي أطلقه “حوشقدم” على سبيل التجربة عن الإطلاق ذهب العلماء والأعيان لمقابلة السلطان لطلب استمرار عمل المدفع لكنهم لم يجدوه والتقوا زوجة السلطان التي كانت تدعى الحاجة فاطمة ونقلت طلبهم للسلطان فوافق عليه، فأطلق الأهالي اسم الحاجة فاطمة على المدفع واستمر هذا حتى الآن.

الأسمطة في شوارع القاهرة

فكرة موائد الرحمن، جاءت إلينا عبر الزمن، فكان الفاطميون يقيمونها في الشوارع، وأمام قصر الخلافة الفاطمية، وكانوا يسمونها “الأسمطة”، فكانوا يجهزونها في اليوم الأول من رمضان عقب استطلاع الهلال، ويشرف عليها الخليفة بنفسه، فكان أشهر الأسمطة في ذلك الوقت، هو “سماط شهر رمضان” والذي كان يقيمه خلفاء الفاطميين، وكانت تقام المآدب الرسمية لشهر رمضان فى “قاعة الذهب” حيث يوجد عرش الخليفة الفاطمي، المصنوع من الذهب الخالص والمطعم بالجواهر.

وكان “سماط رمضان” يقام في اليوم الأول من الشهر الكريم، وحتى نهايته، ويتم دعوة الضيوف إلى هذه المآدب الرسمية باستدعاء رسمي من قصر الخلافة كقاضي القضاة والأمراء، وذلك في كل ليلة يأتي نفر منهم بالترتيب حتى لا يحرمونهم من الإفطار مع أسرهم وأولادهم.

وكان سماط الخليفة يعمل طوال الليل حتى وقت السحور، وما كان يتبقى منه يتم توزيعه، حتى أن تكلفة السماط الرمضاني للخليفة كانت تصل إلى ثلاثة آلاف دينار.

عقب انتهاء الخليفة من الإفطار، يتوجه إلى غرفة العرش، ويظل بها إلى وقت السحور وحوله المقرئون يقرأون القرآن، وكذلك الوعاظ يذكرون فضائل رمضان وينشدون مدائح الخليفة، وعند انصرافهم كان الخليفة يأمر لهم بالإكراميات والمنح والعطايا.

فطار بين نجوم الزمن الجميل

لم يكن نجوم الزمن الجميل في عزلة عن طقوس المجتمع المصري بل هم حريصون على مواكبة الأحداث ومسايرة العادات المصرية فلم يبتعدوا كثيرا عن هذه التقاليد، فقد حرص الكثير منهم على إقامة العزومات وموائد الإفطار والتجمع فيها خلال هذا الشهر الكريم.

فريد الأطرش الأشهر

على الرغم من أن الفنان السوري فريد الأطرش لم يكن مصري الجنسية إلا أنه كان من أشهر نجوم الزمن الجميل حرصا على إقامة العزومات الرمضانية بل كان يصر على أن تضم سفرته أشهر الأنواع المصرية الشهيرة وقد كان يأتي بـ “طباخ ” مصري مشهور بمهاراته في الأصناف المصرية أيضا، كما كان حريصا على تعريف زملائه المصريين بأشهر الأطعمة السورية فكان يحرص على أن تحتوي سفرته على تلك الأنواع.

كان زملاؤه يحرصون بعلى حضور تلك العزومة سنويا ومن بينهم الفنان محمد فوزي وزوجته آنذاك الفنانة مديحة يسري، وهدى سلطان، ومحمود ذو الفقار وزوجته مريم فخر الدين، والفنانة شادية، وكمال الشناوي.

جورج سيدهم كل عام

كان الفنان جورج سيدهم حريصا على إقامة العزومات في كل عام بمنزله.. فلم تمنعه اختلاف الديانة من دوام الحرص على تلك العادة الروحانية الإسلامية الجميلة فقد كان زملاؤه من نجوم الزمن الجميل يحرصون على تلبية دعوته سنويا من بينهم الفنانة المعتزلة نسرين، إبراهيم نصر، صلاح ذو الفقار، أسامة عباس، حسن عبد السلام، بدر نوفل، نيللي.

زينب صدقي الديكتاتورية

من أشهر عزومات الوسط الفني هي عزومة الفنانة الكبيرة زينب صدقي تلك الفنانة التي اشتهرت بالوسط بعطائها الكبير فقد كان منزلها قبلة لكل الفنانيين، فكل فنان يشعر أنه في منزله فهي ترفع شعار “الكل يخدم نفسه” ، فلا تكلفة أو كلفة في جميع أركان المنزل الكل يتحرك بحرية ويقوم بتجهيز ما يريده.

كانت تمتاز أيضا بأنها ديكتاتورية في عزومتها فلا تسمح لأحد أن يقوم من على المائدة إلا عندما تتأكد من أنه قد تناول كل الأصناف ولا يستطيع أحد أن يفلت من قبضتها فيضطر الضيف للرضوخ لتلك الأوامر.

ماجدة الصباحي تعزم الخدم

كانت الفنانة “ماجدة” لها فكر وأسلوب خاص وإيمانا راسخا بالمقولة التي تقول “خادم القوم سيدهم” فكانت تقوم بعزومة كل الخدم الذين يعملون في منزلها من “سفرجي – جنانيني – سائق – مربية” حيث تحرص كل عام ومع قدوم شهر رمضان الكريم على الطهي بنفسها وتقوم بالإشراف على إعداد الطعام وتجهيزه على المائدة بل وتشرف أيضا على توزيعه على كل أفراد الخدم.

ربما يعجبك أيضا