مدنٌ خاويةُ على عروشها.. «الديون الخفية» تهدد مستقبل النمو الصيني

كيف تهدد «الديون الخفية» مستقبل النمو في الصين؟

محمد النحاس

في عام 2019، كانت الأجواء تدعو للتفائل في مدينة ليوتشو الصينية، فالتنمية الاقتصادية في أوجها، وجرى الشروع في بناء منطقة صناعية جديدة ونظام قطار خفيف مرتفع، لكن خلف هذا النمو السريع كانت هناك ديون خفيّة تهدد بانهيار اقتصادي.

خلال السنوات الماضية، جمعت ليوتشو ومدن صينية أخرى تريليونات الدولارات من الديون خارج الدفاتر الرسمية لتمويل مشاريع التنمية الاقتصادية، لكن الثمن قد يكون باهظًا، ليس فقط على الحكومات المحلية في الصين بل كذلك على بكين ذاتها.

عامل سحري

كان هذا التمويل هو العامل السحري الذي ساعد الصين على تحقيق النمو الاقتصادي الهائل الذي أثار إعجاب العالم، وفق ما نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية  في تقرير لها في 14 يوليو 2024.

واليوم، تتواجد مواقع البناء المهجورة، والطرق السريعة قليلة الاستخدام، والمعالم الفارغة، ما يجعل هذا النمو المبني على الديون يبدو وهميًا ويشير إلى أن مستقبل الصين الاقتصادي غير مضمون. لجمع هذه الأموال.

اعتمدت المدن الصينية على كيانات تُعرف باسم “وحدات تمويل الحكومات المحلية” “LGFV” تقوم هذه الكيانات بجمع الأموال من خلال إصدار سندات، وتُستخدم العائدات لتمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية، ونظرًا لأن هذه الديون لا تظهر في الميزانية العامة للحكومات المحلية، يمكن للمدن تجاوز القيود المفروضة على الاقتراض، يعتقد المستثمرون أن الحكومات المحلية ستدعم سداد هذه الديون، مما يجعلها تبدو كاستثمار آمن.

كيف يبدو المشهد؟

في ليوتشو، جمعت وحدة تمويل محلية مليارات الدولارات لبناء بنية تحتية لمنطقة صناعية جديدة، بما في ذلك فنادق ومتنزهات ومع ذلك، تبقى العديد من الأراضي المكتسبة خالية، والشوارع المحيطة فارغة، الطيور تحلق بين مبانٍ غير مكتملة، على حد وصف التقرير.

قال أحد السكان المحليين: “الحكومة (المحلية) مفلسة”، مشيرًا إلى الفشل في إنجاز المشروع.

تدهور سوق العقارات

مع تدهور سوق العقارات في الصين خلال السنوات الثلاث الماضية، لم تعد الحكومات المحلية تعتمد على مبيعات الأراضي كمصدر رئيس للإيرادات.

ويقدر الاقتصاديون أن حجم هذه الديون الخفية يتراوح بين 7 و11 تريليون دولار، وهو ما يعادل ضعف ديون الحكومة المركزية الصينية،  ويعتقد بعض الاقتصاديين أن حوالي 800 مليار دولار من هذه الديون يواجه خطر التخلف عن السداد.

خيارات بكين الصعبة

تواجه بكين خيارات صعبة، إما أن تدفع لإنقاذ هذه الكيانات، ما قد يؤدي إلى زيادة الديون، أو أن تسمح بانهيارها، ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في البنوك الصينية وربما أزمة ائتمانية تزيد من تباطؤ النمو الاقتصادي.

توقعات وكالات التصنيف الائتماني مثل موديز وفيتش حول الصين أصبحت سلبية بسبب الشكوك حول قدرة الحكومات المحلية على خدمة ديونها بشكل صحيح.

إجمالاً تعكس تجربة ليوتشو وغيرها من المدن الصينية كيف أن النمو الاقتصادي المدعوم بالديون يمكن أن يؤدي إلى مشاكل مالية كبيرة، فمع تراكم الديون وتراجع الإيرادات، أصبحت الحكومات المحلية تواجه تحديات كبيرة في تحقيق الاستدامة المالية والتنموية، ما يعكس أن  النمو السريع والمدعوم بالديون ليس دائمًا مستدامًا، وأن الشفافية المالية وأنظمة التمويل المستدامة هي الأساس لنمو اقتصادي حقيقي.

ربما يعجبك أيضا