مراسم تنصيب “روحاني”.. رسائل شفوية وعقبات مستقبلية

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي  

حظيت مراسم تنصيب الرئيس الإيراني “حسن روحاني” بزخم عالمي وحضور نسبي للقادة العرب، ألقي خلالها رسائل شفوية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن الاتفاق النووي بعد تهديدات “ترامب” الأخيرة بإلغائها، ورسائل ضمنية لعدد من قضايا المنطقة بحضور ممثلي بعض الدول التي انخرطت في الأزمات، وتأكيدات بتطوير إيران علاقاتها مع دول الجوار رغم العقبات والتحديات التي تثبت عكس ذلك.

مراسم التنصيب

أدى الرئيس الإيراني “حسن روحاني”، اليمين الدستورية لولاية رئاسية ثانية بمجلس الشورى بالعاصمة الإيرانية طهران في الخامس من أغسطس الجاري، في مراسم حضرها عشرات من ممثلي الدول .

جاء تنصيب “روحاني” بعد صعوده في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 19 مايو الماضي، وحصل فيها على 23 مليونًا و549 ألفًا و616 صوتًا بنسبة 57%.

من جانبها، دعت طهران للحضور، مسؤولين من 100 دولة، بينهم 8 رؤساء دول و19 رئيس برلمان و9 مساعدين لرؤساء جمهوريات وبرلمانات و11 وزير خارجية و35 مبعوثًا خاصًا، وهو ما يتجاوز ضعف الوفود التي حضرت عام 2013.

رسائل عديدة تسعى القيادة الإيرانية لاستغلالها عبر وجود الوفود الإقليمية والدولية، للإشارة إلى أن سياستها خلال الأعوام الماضية أسهمت في تحسين علاقاتها مع الخارج، مستندة في ذلك للاتفاق النووي ورفع العقوبات الدولية.

رسائل عالمية وعربية

على المستوى العربي ، كان لافتًا قلة الحضور العربي، فلم تكن هناك مشاركات فعلية رسمية للمسؤولين العرب، إلا بحضور مستويات رفيعة ممثلة عن كل من الكويت وقطر والعراق ولبنان وسوريا ووفد ممثل لحركة حماس.

في العراق، اعتذر رئيس الحكومة حيدر العبادي ورئيس البرلمان سليم الجبوري، لتكون المرة الأولى التي يقدم فيها رئيسا الحكومة والبرلمان اعتذارهما عن تلبية دعوة رسمية من الجانب الإيراني، بينما شارك الرئيس فؤاد معصوم لتأكيد أواصر العلاقات بين العراق وإيران.

في لبنان كان لافتًا غياب رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، بالتوازي مع مشاركة رئيس البرلمان نبيه بري ونائب أمين عام حزب الله نعيم قاسم، ليثيرا الجدل بشأن دور حزب الله ومشاركته في الصراع السوري.

وفي سوريا، حضر رئيس الوزراء السوري عماد خميس، ممثلا عن الرئيس السوري بشار الأسد، في تأكيد للعلاقات الإستراتيجية بين البلدين على مختلف المستويات.

وكان حاضرًا بقوة وفد من حركة حماس الفلسطينية، حيث ترأس الوفد عزت الرّشق، وضم كلا من الإخوة صالح العاروري، وزاهر جبارين، وأسامة حمدان، رغم إثارتهما الجدل بشأن كيفية انتقالهم من قطر.

وفي الكويت، ترأس المستشار بالديوان الأميري الدكتور يوسف حمد، والتي جاءت تأكيدًا على حرصها لوضع  حد لمستوى التوتر في علاقاتها مع طهران، عقب هروب “خلية العبدلي” المتورطة فيها إيران.

وعن قطر، حضر وزير الاقتصاد والتجارة، أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني، ممثلا عن الأمير تميم بن حمد، تأكيدًا على التواصل والانسجاب القطري الإيراني.

على المستوى الدولي، كان لافتًا حضور ممثلين من عدة دول غربية حاولت طهران استغلالها لتأكيد جهودها في تحسين العلاقات وكان أبرزها مشاركة ممثلة الاتحاد الأوروبي فيدريكا موجيرني.

من جهتها، سعت طهران لإبداء اهتمامها بمشاركة “موجيرني” تأكيدًا على أن علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي تتطور بشكل مستمر رغم الضغوط الأمريكية، بل تعمدت التمسك بموقفها من برنامج الصواريخ وبإمكانية انسحابها من الاتفاق النووي حال اتخذت واشنطن هذا القرار.

وكان حاضرًا عن الجانب الروسي في مراسم التنصيب، نائب رئيس الوزراء، دميتري روجوزين، بينما مثل الجانب البريطاني وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط، أليستر بيرت، فيما حضر مبعوثان عن الهند والصين وكوريا الشمالية ودول أوروبية أخرى.

كما دعت طهران ممثلين لدول انخرطت في أزمات متعددة مع المجتمع الدولي، على غرار كوريا الشمالية وكوبا وزيمبابوي، وذلك على نهج الرئيس السابق أحمدي نجاد الذي أقام علاقاته مع خصوم واشنطن لتأسيس سياسته الخارجية.

رسائل مضادة من الحاضرين والغائبين كلها تعني أن جهود حكومة روحاني لتوسيع نطاق علاقاتها مع القوى الدولية وتقليص حدة التوتر مع دول المنطقة ستواجه عقبات لا تبدو هينة خلال الأعوام الأربعة القادمة.

عقبات وتحديات

مساع إيران لتوسيع نطاق علاقاتها قد لا تتسق مع المعطيات الموجودة على الأرض ، وذلك لأن بعض الدول الغربية بدأت في تبني سياسة مختلفة تقترب نسبيًا من الموقف الأمريكي حيال إيران لاسيما فيما يتعلق بالتعامل مع برنامج إيران للصواريخ الباليستية المثير للجدل.

وقد ظهرت بوادر هذا التقارب النسبي، في الرسالة التي وجهتها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى مجلس الأمن في 2 أغسطس الجاري، مفادها أن “إيران اتخذت خطوة تهديدية واستفزازية من خلال تجربة صاروخ قادر على حمل أقمار صناعية”.

يضاف إلى ذلك توتر العلاقات بين إيران والعديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط خلال فترة ولاية روحاني الأولى، وعلى إثرها قطعت بعض الدول علاقاتها مع طهران، فيما قررت دول أخرى “مثل الكويت” تخفيض مستوى تمثيلها الدبلوماسي لتدخل إيران في شؤونها الداخلية وتهديد أمنها القومي.

وهو ما ظهر جليًا في ثبوت تورط إيران في دعم  وهروب” خلية العبدلي” بالكويت، فضلًا عن دعمها لميليشيات الحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان وسوريا.

وهناك أيضًا إصرار طهران على مواصلة دعم قطر في أزمتها مع دول المقاطعة، وهو ما انعكس خلال تلك المراسم، حيث تعمدت الدوحة وأنقرة اختيار وزير الاقتصاد في الدولتين بهدف التنسيق مع طهران وتأسيس لجنة ثلاثية لتدشين ممر لنقل الصادرات التركية إلى قطر عبر إيران.

وبخلاف العقبات السابقة، هناك تحديات سوف تواجه حكومة روحاني والمتمثلة في:

ــ الأوضاع الاقتصادية، وتردي أحوال المعيشة وانتشار البطالة وقضايا تنموية تقع على عاتق روحاني منذ توليه السلطة في 2013 .

ــ رفع سقف الحريات ومناهضة التيارات المتشددة للحريات العامة، فضلًا عن رفع الإقامة الجبرية عن زعماء التيار الإصلاحي.

– الانفتاح في السياسة الخارجية، وهي طموحات تصطدم بقيود مؤسسات مهيمنة على السلطة كالحرس الثوري الإيراني والولي الفقيه، وتسببت في فشل الوساطه لرأب الصدع بين إيران ومحيطه العربي.

ــ رفع العقوبات والحفاظ على الاتفاق النووي، حيث يعد التحدي الأكبر أمام روحاني الذى يعتبرها أهم إنجازاته، ومن ثم فالحفاظ على مثل هذه الاتفاقية في ظل وجود إدارة أمريكية تُهدد بين الحين والأخر بإلغائها سيكون صعب المنال .

– الاستمرار على نهج الاعتدال، وهو ما سيتطلب بذل المزيد من الجهود لفتح قنوات اتصال مع هرم السلطة، وتدشين مصالحة وطنية دعا لها الزعيم محمد خاتمي فبراير الماضي، لرأب الصدع وسد فجوة العلاقات بين المرشد الأعلى والمعسكر الإصلاحي.

ومن ثم فإن ما قاله “روحاني” عن مساعي بلاده لبناء علاقات أفضل مع دول الجوار وقدرته على مواجهة التحديات التي تواجهها بلاده،  تتناقض مع سياسات بلاده الفعلية، التي أدت لتدني مستوى العلاقات خلال فترة رئاسته الأولى وربما تستمر أو تزداد تفاقمًا لاسيما في ظل هيمنة الحرس الثوري الإيراني على قرارات السلطة، فضلًا عن تورط إيران في دعم الإرهاب وتدخلها في شؤون الدول الأخرى .

ربما يعجبك أيضا