تحديات الصعود الصيني في الأطلنطي وعصر الروبوت القاتل.. جولة بمراكز بحثية

رنا أسامة

الإدارة الأمريكية الحالية تتبنّى نهجًا عدائيًا واسع النطاق تجاه بكين في جميع مجالات السياسة.


يُمثّل الصعود الصيني أحد أكبر التحديات التي تواجه العلاقات عبر الأطلنطي، وتثير مخاوف أوروبية وأمريكية.

وتوجد عقبات تعيق مواجهة تحركات بكين في مجالات التجارة والاستثمار والتكنولوجيا الرقمية وتغير المناخ. ووفق معهد تشاتام هاوس، أمس السبت 18 يونيو 2022، فإن أمريكا تحت إدارة بايدن ترى أنها في “منافسة استراتيجية” مع الصين.

نهج عدائي

بحسب الورقة التي أعدّها الباحثون بيبين برجسن، وأنتوني فروجات، وفيرل نوينز ورافايلو بانتوتشي، فإن إدارة أمريكا الحالية برئاسة جو بايدن، تتبنّى نهجًا عدائيًّا واسعًا تجاه بكين في جميع مجالات السياسة، وتركز أكبر على العمل مع الحلفاء أكثر من سابقتها، تزامنًا مع تدهور العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين.

ومن الأمثلة على تردّي العلاقات الصينية الأوروبية، كما تُشير الورقة، الإخفاق في التصديق على ما تُسمى الاتفاقية الشاملة بشأن الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين، والتي أبرمها الجانبان في أواخر عام 2020، وعدّها الاتحاد حينها ازدراءً تجاه الإدارة الأمريكية المقبلة.

المنافسة الأوروبية الأمريكية

خلُصت الورقة البحثية إلى أن المنافسة الأوروبية الأمريكية تعيق تعاونًا أعمق عبر الأطلنطي، فعلى سبيل المثال، المباحثات التي تُعقد في أوروبا حول تحقيق الحكم الذاتي الاستراتيجي، تركز على أمريكا فقط وتتجاهل الصين.

وتصدّع عملية صنع السياسة الداخلية في هياكل الحكم، بكل من بروكسل وواشنطن لا يزال عقبة، مع اعتماد شركات تكنولوجيا أمريكية وسيارات ألمانية على مقاولين ومورّدين صينيين. ولكن على جانبي المحيط الأطلنطي، يوجد ميل لاتباع نهج أكثر اعتدالًا تجاه الصين.

الصين والعلاقات عبر الأطلسي

الصين جزء رئيس من النظام العالمي

قالت الورقة إن الافتقار الحالي إلى الثقة داخل النظام الدولي يُصعّب المشاركة بحسن نية، لمواجهة الصعود الصيني، ولكن من الضروري إشراك الصين في المحادثات العالمية، لأنها “جزء رئيس من النظام العالمي” ومن غير المرجح أن يتغير هذا الأمر على المدى المتوسط.

واختتمت “سواء تعلّق الأمر بوضع قواعد بشأن معايير التكنولوجيا الدولية، أو التخفيف من حدة وباء آت، أو إدارة مشاعات عالمية، سيكون ضروريًّا وجود مستوى معين من المشاركة مع الصين، في ما يتعلق بتغير المناخ على وجه الخصوص، لا يوجد حل شامل ممكن بدون بكين.

الصين وروسيا.. شريكان استراتيجيان

وسّعت الصين علاقاتها التجارية والدفاعية مع روسيا على مدى العقد الماضي، لكنهما ليسا حليفين رسميين، ما يعني أن أيًّا منهما غير مُلزم بالدفاع عن الآخر، ويُسمِّي كل منهما الآخر شريكًا استراتيجيًّا، كما قالت الكاتبة الأمريكية ليندسي ميزلاند في مقال نشره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

وفيما يشترك البلدان في رغبتهما في كبح جماح قوة أمريكا وتحدي هيمنتها، سواء بالقوة التي تبنّتها موسكو أو التنافس الذي انتهجته واشنطن، يقول خبراء، بحسب ميزلاند، إن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت حدود العلاقات الصينية الروسية، فلم تدافع بكين عن موسكو في ساحة المعركة، رغم رفض مسؤولين صينيين إدانة الحرب.

شراكة ملائمة

يرى خبراء أن شراكة الصين ورسيا ملائمة على الأغلب، مدفوعة بتصور مشترك بأن أمريكا تهدد مصالحهما. وقالت سوزان أ. ثورنتون، من كلية الحقوق بجامعة ييل الأمريكية: “لا أظن أن تحالف الصين وروسيا طبيعي، لكن تدهور العلاقات مع أمريكا يُسهل تعاونهما معًا”.

ووفق المقال، يوجد تشابه بين نظامي الصين وروسيا، فكلاهما نظام استبدادي تتركز فيه القوة في يد زعيم واحد طويل الأمد. والصين دولة ذات حزب واحد يقودها الحزب الشيوعي الصيني، وروسيا نظام متعدد الأحزاب لكن يهيمن عليه حزب روسيا الموحدة بزعامة بوتين. وقمعت الحكومتان المعارضة الداخلية على نحو متزايد.

شي جين بينج وبوتين

تحديات رئيسة بين بكين وموسكو

أشارت الكاتية الأمريكية ميزلاند في مقالها، إلى أنه توجد تحديات رئيسة في علاقات الصين وروسيا، بما في ذلك انعدام الثقة التي زادتها جائحة فيروس كورونا، ورغم صداقة شي وبوتين، فإن زعماء البلدين ليسوا قريبين تاريخيًّا، فضلًا عن أن التبادل السياحي والأكاديمي محدود.

وأحرجت الحرب الروسية الأوكرانية الصين أيضًا، ففضّل مسؤولون صينيون عدم إدانة بوتين وألقوا بدلًا من ذلك باللوم على أمريكا والناتو. وفي ما يتعلق بالعلاقات مع الهند، حافظت روسيا على علاقة ودية معها منذ الحرب الباردة، لكنها لا تزال حذرة لخلافات طويلة حول حدودهما المشتركة، أدت إلى حرب قصيرة عام 1962 وأخرى عام 2020.

عصر الروبوتات القاتلة

عرج تايسون ويتزل، العقيد في سلاح الجو الأمريكي والخبير الأمني بالمجلس الأطلنطي، إلى حروب المستقبل، متوقعا حسمها بأنظمة الأسلحة الفتاكة المستقلة، المعروفة بالعاميّة بـ”الروبوتات القاتلة”، المعتمدة على خوارزميات ذكاء اصطناعي وتعلّم آلي لتحديد وتدمير أي هدف.

وفيما تُجري أمريكا وحلفاؤها ومنافسوها الاستراتيجيون أبحاثًا لتطوير أنظمة جوية ومُسيّرات ومركبات أرضية وأخرى تحت الماء، أشار ويتزل إلى أن “عصر الروبوت القاتل قد بزغ بالفعل، بما يستوجب على الولايات المتحدة اتخاذ قرارات صعبة”، تتعلق باستخدام أسلحة فتّاكة ميدانية.

الروبوتات القاتلة

جاذبية وعنصر أخلاقي

لمنظومة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل جاذبية واضحة، بحسب ويتزل، مع إمكانية دعمها لوجيستيًّا بسهولة، وتقليلها المخاطر على القوات، وقدرتها على تحديد هدف واتخاذ قرار تنفيذ شبه فوري دون الحاجة إلى موافقة بشرية، وتتسم كذلك بالهدوء وعدم التحيّز في اتخاذ القرارات.

وتساءل ويتزل في هذا الصدد: “هل صناع القرار الوطنيون وقادة العمليات مُستعدون للسماح لمركبة مستقلة بإنهاء حياة، ربما أرواح كثيرة؟ هل نحن، كمجتمع، مرتاحون لتمكين الروبوتات القاتلة من أداء أوامر جيشنا؟”، مُضيفًا أن “الحرب عمل فوضوي، لذا ستقع أنظمة الأسلحة الفتاكة في أخطاء ستودي حتمًا بحياة مدنيين أبرياء.

روبوتات قاتلة 1

الوقت حان لتقنين الأسلحة الفتّاكة ذاتية التشغيل

قال ويتزل “حان وقت تقنين استخدام منظومات الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل قبل النزاع، لا في خِضم المعركة”. أضاف: “على المستوى المؤسسي، يجب على وزارة الدفاع الأمريكية، ونظرائها في الدول الحليفة لأمريكا، صياغة إطار عمل تشغيلي لتلك الأنظمة، وتقييم توجيه استراتيجي لضمان تطبيقها بأخلاقية مُستقبلًا”.

وتابع: “يجب اختبار أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل على نطاق واسع، في سيناريوهات التدريب والتمرين الممكنة الأكثر تطلبًا”، مُشيرًا إلى أن “الشفافية أمر حاسم لبناء ثقة الجمهور في قدرات أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، من خلال اختبارات وتحليلات صارمة وشاملة.

ربما يعجبك أيضا