كيف تفكر أمريكا لتحقيق «الاستقلال في الطاقة»؟ مراكز بحثية تجيب

آية سيد

تستمر محاولات البحث عن بدائل للطاقة الروسية وتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، فماذا يمكن للولايات المتحدة أن تفعل؟


في ضوء استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، تحاول الدول الأوروبية الاستغناء عن إمدادات الطاقة الروسية وتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة.

وبعد حظر الولايات المتحدة لواردات النفط الروسية، ظهرت تساؤلات حول إمكان الاتجاه إلى آسيا، وتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، ودعم واشنطن لحلفائها الأوروبيين، فضلًا عن إمكان استخدام الطاقة كسلاح في الحرب الروسية الأوكرانية.. وهذا ما تجيب عنه مراكز بحثية متخصصة.

كيف تدعم أمريكا حلفاءها الأوروبيين؟

أورد مركز التقدم الأمريكي، تقريرًا في 22 مارس 2022، يفيد بأنه يتعين على البيت الأبيض والكونجرس التحرك لدعم الحلفاء الأوروبيين وبناء استقلال طويل الأمد في مجال الطاقة مع إعفاء الأسر الأمريكية من التكاليف المرتفعة التي فرضتها صناعة الوقود الأحفوري التي تتربح من الحرب الروسية الأوكرانية، مقترحًا بعض الأفكار التي قد تساعد الكونجرس في تحقيق استقلال الطاقة.

وأضاف المركز: “بعد حظر الولايات المتحدة لواردات النفط الروسي يمكنها أن تقود تنسيق العقوبات متعددة الجنسيات لمنع تدفق الأموال إلى القطاعات الروسية الأخرى التي تساعد جهود الحرب، وكبح تربح شركات النفط عن طريق فرض ضريبة الربح المفاجئ على الأرباح الزائدة التي تتحقق نتيجة ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية وإعادة الأموال إلى المستهلكين، وتحفيز الشركات على زيادة الإنتاج لخفض الأسعار”.

سياسات حازمة لمنع استغلال الأراضي العامة

طالب مركز التقدم الأمريكي في تقريره بـ”تقديم الدعم المباشر للأسر التي تكافح لدفع فواتيرها عبر تفعيل خصومات لمساعدتها على شراء الطاقة النظيفة وتحسين كفاءة منازلهم وسياراتهم، وسن سياسات حازمة لعقود الإيجار وتراخيص استخدام الأراضي العامة”.

وبين التقرير أن شركات النفط والغاز تسيطر على 25 مليون فدان من الأراضي العامة نصفها غير مُستخدم، وأنها تمتلك أكثر من 9 آلاف ترخيص بالحفر غير مُستخدم، ولذلك يجب سن تشريعات لاستخدامها أو إعادتها للدولة.

استثمارات الطاقة النظيفة ودعم الحلفاء

تضمنت مقترحات المركز الأمريكي “تحقيق الاستقرار في عائدات الولايات والمجتمعات الريفية التي تنتج النفط والغاز وتتعرض لصدمات الأسعار في أسواق النفط والغاز، وبناء مستقبل أفضل في مجال الطاقة عن طريق تمرير استثمارات الطاقة النظيفة في الخطة الاقتصادية للرئيس الأمريكي، جو بايدن”.

وشملت أيضًا “دعم حلفاء الولايات المتحدة والانضمام إلى التحول للطاقة النظيفة عن طريق مساعدة الدول الأوروبية في جهودها للاستقلال عن الطاقة الروسية، وتحفيز وتسريع الصادرات الأمريكية المتعلقة بتكنولوجيات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، وزيادة تصنيع المضخات الحرارية، والعمل على تأمين سلاسل إمداد المعادن الضرورية مع الحلفاء الأوروبيين”.

إعادة النظر في سلاح الطاقة

نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، تحليلًا في 18 مارس 2022، للباحث المتخصص في الطاقة والجيوسياسية، نيكوس تسافوس، رأى فيه أن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت أن مصطلح “سلاح الطاقة” يُساء فهمه واستخدامه ويحتاج إلى إعادة النظر فيه.

وأردف تسافوس: “صناع السياسة الأمريكيين كثيرًا ما اتهموا روسيا بتسليح الطاقة، لكن بعد مرور أسابيع على الصراع، أول ملاحظة ظهرت هي أن روسيا لم تقطع الغاز الطبيعي عن أوروبا، سواء في بداية الحرب أو ردًا على العقوبات الغربية، وأن صادرات الغاز من روسيا ارتفعت منذ بدء الصراع”، منوهًا بأن “روسيا تعلم أن أوروبا ستعتبر قطع الغاز عملًا من أعمال الحرب ما سيحشد الأوروبيين ويُقرّبهم أكثر من أوكرانيا”.

رد أوروبي غير متوقع

ذكر تسافوس في تحليله أن “رد أوروبا على الحرب الروسية الأوكرانية كان فاعلًا وجريئًا على نحو مفاجئ لأن أوروبا لم ترد بهذا الحزم من قبل على تهديد خارجي، بالإضافة إلى أن رد الجهات الفاعلة الخاصة غير متوقع”، مكملًا: “قطعت الشركات علاقاتها مع روسيا، وأعلنت خطط لمغادرة الدولة، ورفضت شراء الطاقة الروسية، و هذا يُعد بُعدًا غير متوقع لتسليح الطاقة لأنه مدفوع بالرأي العام وليس الحكومات”.

وأوضح المحلل، أن التداخل بين عائدات الصادرات والحرب مُعقد، فعائدات صادرات النفط والغاز دعمت الاقتصاد الروسي وسمحت له بالاستثمار في القوات العسكرية، وبالمثل ضربت العقوبات الغربية الاقتصاد الروسي بقوة وفرضت تكاليف أعلى مما توقعت القيادة الروسية، مستطردًا: “لكن ليس من الواضح كيف ستفيد العقوبات المفروضة على الطاقة في الفوز بالحرب”.

هل تستطيع أمريكا تحويل الطاقة إلى سلاح؟

وفقًا لتسافوس، أحد الافتراضات الأخرى التي لم تثبت صحتها في أثناء الحرب هي فكرة أن الولايات المتحدة تستطيع مواجهة روسيا بنفس سلاحها، كونها مستقلة في مجال الطاقة ومُصدِّرة صافية للطاقة. لكن هذا لم يعزل الولايات المتحدة عن صدمات سوق النفط العالمية.

وأضاف المحلل: “الشيء نفسه صحيح بالنسبة إلى الغاز، فرغم أن الولايات المتحدة كانت لشهور الموّرد الأكبر للغاز الطبيعي المُسال إلى أوروبا، فإن ما يهم الآن هو القدرة الاحتياطية وليس الحجم، فالولايات المتحدة لا تملكها، وهذا يجعلها مجرد جزء من الحل لأمن الطاقة الأوروبي”.

“محور آسيا” لا يزال استراتيجية صحيحة

في تحليل نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، في 21 مارس 2022، رأى الباحث المتخصص في العلاقات الأمريكية-الصينية، ديفيد ساكس، أن الحرب الروسية الأوكرانية لا ينبغي أن تحوّل انتباه أمريكا بعيدًا عن آسيا، بل إنها تقدم فرصة أفضل للمضي قدمًا في محور آسيا والتركيز على التحدي الأكبر الذي تفرضه الصين، مبينًا أن الفشل في فعل هذا يشجع الصين ويمنحها فرصة لزيادة نفوذها بما يضر بأمن وازدهار واشنطن.

وتابع ساكس: “بينما العالم منشغل بالحرب الروسية الأوكرانية، زادت الصين ميزانيتها العسكرية 7% هذا العام، وتواصل الاستثمار في توسع ترسانتها النووية بسرعة، وفي القدرات المُصممة لمنع أمريكا من التدخل لصالح حلفائها”، مشيرًا إلى أنه من المنتظر نمو الاقتصاد الصيني 5.5% هذا العام، لأن الصين تجذب المزيد من الاقتصادات إليها بتفعيل الشراكة الإقليمية الشاملة واستثمارات مبادرة الحزام والطريق.

ربما يعجبك أيضا