كيف يستعد الغرب للمرحلة التالية من الحرب الروسية؟

آية سيد

ما علاقة أزمة أوكرانيا بتغير المناخ؟ وكيف يمكن أن تؤدي منطقة الحظر الجوي إلى تصعيد كارثي في الصراع؟ وكيف يمكن الاستعداد للمرحلة التالية من الحرب الروسية؟


في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا، تواصل المراكز البحثية تحليل آخر المستجدات والتداعيات وطرح رؤى حول ما يمكن أن يؤول إليه هذا الصراع.

وفي جولة سريعة في أهم المراكز البحثية نتعرف ما علاقة أزمة أوكرانيا بتغير المناخ، وكيف يمكن أن تؤدي منطقة الحظر الجوي إلى تصعيد كارثي في الصراع؟ وكيف يمكن الاستعداد للمرحلة التالية من الحرب الروسية؟

منطقة الحظر الجوي قد تؤدي إلى تصعيد كارثي

نشر موقع ذا استراتيجيست، التابع لمعهد السياسات الاستراتيجية الأسترالي، تقريرًا في 17 مارس 2022 يحذر من أن فرض الناتو لمنطقة حظر جوي فوق أوكرانيا قد يؤدي إلى تصعيد كارثي في الحرب.

وذكر التقرير أن رفض الناتو لدعوات الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنيسكي، بفرض حظر جوي فوق بلاده كان مرتكزًا على القلق المشروع من أن الحرب بين الولايات المتحدة والناتو من جهة وروسيا من جهة أخرى ستكون أسوأ بكثير من الحرب بين أوكرانيا وروسيا.

بوتين يعطي إشارة صريحة باستخدام النووي

لفت التقرير إلى أن الولايات المتحدة وروسيا مدركتان تمامًا لمخاطر التصعيد. وأشار إلى أن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوضع قوات الردع النووي “في حالة تأهب قتالي خاص” كان أول إشارة صريحة باستخدام القوات النووية كجهاز إنذار في هذه الأزمة.

وردًا على ذلك، حلّقت قاذفات بي-52 الأمريكية فوق أوروبا الشرقية في بداية هذا الشهر، وأقام البنتاجون خطًا ساخنًا عسكريًّا مع وزارة الدفاع الروسية لمنع “الحسابات الخاطئة والحوادث العسكرية والتصعيد” في أوكرانيا.

الانتباه إلى مخاطر التصعيد

حذر التقرير من أهمية الانتباه إلى الإجراءات المتخذة ودراستها جيدًا خشية أن تتجاوز حدًّا معينًا في ذهن بوتين وقادة الجيش الروسي وتؤدي إلى تصعيد غير مرغوب. وذكر التقرير أيضًا أنه ينبغي القلق من التصعيد العرضي الذي قد يحدث نتيجة لحادثة أو خطأ. وبحسب التقرير، تزداد الضبابية بمجرد التفكير في آليات منطقة الحظر الجوي بالتفصيل.

وطرح التقرير تساؤلات حول الأهداف التي سيضربها الناتو وكيفية تحديدها وكيف سترد روسيا على استهداف طائراتها؟ وقال، إن من يطالبون باللجوء إلى هذا الخيار في الغرب يجب أن يعالجوا هذه المخاوف أولًا. ولفت إلى أنه من المستبعد أن يتغير موقف إدارة بايدن الواضح من هذا الخيار بسبب المخاطر الشديدة التي ينطوي عليها.

ما علاقة أزمة أوكرانيا بتغير المناخ؟

في تحليل على موقع المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية البريطاني، بتاريخ 15 مارس 2022، رأت الباحثة والمحللة، شيلوه فيتسيك، أن أزمة أوكرانيا طغت على آخر تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ حول الآثار والتكيف وقابلية التأثر، لكن التغييرات في سياسة الطاقة ردًا على أزمة أوكرانيا قد تغير السياق، وتمنح سببًا للتفاؤل بأنه يمكن تجنب تغيرات لمناخ وآثارها في البيئة الأمنية.

ووفقًا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن تداعيات تغير المناخ على الأمن في بيئة جيواستراتيجية وأمنية سريعة التطور كبيرة. ولفت إلى أن التغييرات التي يُسببها تغير المناخ سوف تعيد تشكيل البيئة المادية وتغير ديناميكيات الموارد والطاقة، ويمكن أن تؤثر في محركات الاضطراب والصراع.

استقلال الغرب عن الطاقة الروسية

ذكرت الكاتبة أنه في إطار الردود العالمية على الغزو الروسي لأوكرانيا، ربما تحتاج أوروبا في المدى القصير لإيجاد مصادر أخرى للوقود الأحفوري وتأجيل خطط وقف تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، لكن ربما تُسرِّع أزمة أوكرانيا التحول إلى مصادر طاقة غير الوقود الأحفوري.

وقالت الكاتبة، إن الدول الأوروبية وحلفاءها أصبحوا يدركون الفوائد الاستراتيجية لنزع الكربون من اقتصاداتهم، وظهر التشابك بين مخاوف الأمن القومي وأمن الطاقة في إعلان المفوضية الأوروبية بأنها ستُسرِّع خطط تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، بدءًا بالغاز الروسي، وظهر ذلك بعد اجتماع فرساي في 11 مارس الحالي على “الإنهاء التدريجي لاعتمادهم على واردات النفط والغاز والفحم الروسية في أسرع وقت ممكن”.

أمن الطاقة وتحول الطاقة في المجال الدفاعي

لفتت الكاتبة إلى أن القرارات التي ستتخذها أوروبا ستظهر تداعياتها على أفق التخطيط الاستراتيجي طويل المدى، وستتفاعل مع المشهد المتغير لآثار تغير المناخ الموضحة في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. ومن المرجح أن يظل التخلص من الكربون على أجندة الجيوش حول العالم لأسباب استراتيجية ومتعلقة بتخفيف آثار تغير المناخ.

وذكرت أن التعاون الدفاعي الوثيق في سياق تقليل الاعتماد على الدول البترولية قد يُسرِّع التحول الأخضر للناتو والجيوش الأوروبية، إلا أن غزو أوكرانيا يُظهر أن القدرات التقليدية لا تزال مهمة، وأن الجيوش ستحتاج لاستخدام الوقود الأحفوري لمواجهة العقبات؛ لأن التكنولوجيات البديلة “الخضراء” لا تزال تحتاج للتطوير.

صراع أوكرانيا في مفترق طرق

ذكر تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية بتاريخ 16 مارس 2022 للباحث والضابط السابق الأمريكي، بنجامين جينسين، أن الصراع الحالي في أوكرانيا في مفترق طرق، هذا لأن محادثات السلام إيجابية، لكن روسيا تواصل مهاجمة المدن الأوكرانية وتنظم عمليات قتالية واسعة النطاق على عدة جبهات.

ونتيجة لهذا، من المرجح أن تدخل الحرب مرحلة جديدة، أشبه بـ”الصراعات المجمدة” التي استخدمتها روسيا لزعزعة استقرار جيرانها منذ سقوط الاتحاد السوفيتي. ولفت الكاتب إلى أن الغرب يجب أن يبدأ في الاستعداد الآن لتلك المرحلة والحد من أفضلية روسيا في المنافسة القادمة.

مصادر النفوذ الروسي

أشار جينسين إلى أن أكبر مصادر للنفوذ الروسي على أوكرانيا وأوروبا تظل موقعها المحوري في أسواق الموارد العالمية، وكذلك أيضًا نفوذها الاستراتيجي ومخزونها النووي، مضيفًا أن قدرة موسكو على إطلاق عدد ضخم من صواريخ كروز والصواريخ الباليستية تمثل تحديًا في أوكرانيا.

ولفت جينسين إلى أن العقوبات الاقتصادية لم تؤثر بفاعلية في دور روسيا المحوري في أسواق الموارد العالمية أو المؤسسات المالية التي يستخدمها بوتين لمواصلة حربه في أوكرانيا، وأن الجزء الوحيد من الحملة العسكرية الروسية الذي أثبت فاعليته هو استخدام الضربات بعيدة المدى لإبقاء المدن الأوكرانية رهينة أثناء المفاوضات.

الاستعداد للمرحلة التالية من الحرب

رأى جينسين أن اتفاقية وقف إطلاق النار المتوقعة سوف تمنح فرصة للبدء في الحد من المزايا القسرية الروسية وردع العدوان المستقبلي. وذكر أن الولايات المتحدة ستحتاج أولًا للعمل مع أوروبا لزيادة استثمارات البنية التحتية المرتبطة بمبادرة الردع الأوروبية لتوسيع احتياطيات الموارد الاستراتيجية والاستخدام المزدوج للبنية التحتية ما يعزز القوات العسكرية ويقلل اعتماد أوروبا روسيا.

وثانيًا، ستحتاج الولايات المتحدة لتغيير نفقاتها الدفاعية لموازنة قدرات القصف الروسية التي أثبتت فاعليتها في أوكرانيا، وهذا يشمل شبكات الاستشعار والعمل مع الشركاء والحلفاء على دفاع جوي وصاروخي متكامل.

ربما يعجبك أيضا