مركز فاروس: سياقات وأهداف زيارة أبي أحمد إلي الإمارات

يوسف بنده

رؤية

في زيارة هي الأولي من نوعها منذ تفجر القتال بين قوات جبهة تحرير التيجراي والميليشيات المتحالفة معها وبين الجيش الإثيوبي والميليشيات الأمهرية المتحالفة معه في أكتوبر /نوفمبر 2021، حطت طائرة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد رحالها في مدينة أبوظبي في زيارة رسمية له إلي دولة الإمارات العربية المتحدة.

تأتي زيارة «أبي أحمد» إلي الإمارات في ظل سياقات محلية وإقليمية ملبدة بالغيوم فداخليا لاتزال الحرب الأهلية تدور رحاها وإن كانت بشكل أقل عما كانت علية في نوفمبر الماضي، وإقليميا تتشابك إثيوبيا مع مصالح كل من مصر والسودان، فلاتزال أزمة الوصول إلي اتفاق ملزم يُرشد عملية ملئ خزان سد النهضة هي نقطة الخلاف بين جميع الأطراف، كما لاتزال الأزمة الحدودية بين السودان وإثيوبيا حول إقليم الفشقة مستمرة إلي اليوم وفي الفترة الأخيرة تجددت العديد من المناوشات بين الجيش السوداني والميليشيات الإثيوبية التي تبغي السيطرة على الإقليم السوداني.

سياقات مختلفة

أتت الزيارة في ظل انسداد أفق المفاوضات السياسية بين كل من إثيوبيا من جانب ومصر والسودان من جانب أخر فيما يتعلق بأزمة الوصول إلي اتفاق ملزم خاص بسد النهضة، فعلى مدار السنون الماضية لجأ الجانب الإثيوبي إلي تسويف المفاوضات وإخراجها من مضمونها بتعنتها الشديد والمضي قدما في إجراءات بناء السد وتحقيق الملء الأول والثانى لبحيرة سد النهضة دون النظر لمسألة الأضرار التي قد تقع على دولتي المصب مصر والسودان.

كما أتت الزيارة في ظل توتر الأوضاع الحدودية بين إثيوبيا والسودان واستمرار الاعتدءات الأمهرية على إقليم الفشقة السوداني، فخلال السنة الماضية تجددت المناوشات بين الجيش السوداني وميليشيا الشفتا الإثيوبية التي تمارس اعتداءات متكررة بحق المزارعيين السودانيين وتسعي إلي تمكين قومية الأمهرا من الأراضي السودانية.

كما تأتي الزيارة في ظل الحرب الأهلية الدائرة في البلاد بين قوات جبهة تحرير التيجراي ومناصريها وبين قوات الجيش الإثيوبي المدعومة من ميليشيات الأمهرا، إذ تسعي جماعة الأمهرا إلي استعادة إرثها التاريخي في حكم البلاد وإزاحة جماعة التيجراي من جميع مفاصل الدولة بعدما كانت مسيطرة عليها إبان حكمي الراحل ميليس زيناوي والسابق ديسالين، وجديرا بالذكر أن الحرب التيجرانية عملت على تعرية النظام الإثيوبي بقيادة أبي أحمد أمام المجتمع الدولي إذ أصبح النظام في حالة عزلة دولية، كما بات أبي أحمد شخصية سياسية دولية غير مرغوب فيها، فبعد أن توسم المجتمع الدولة به خيرا في صيف 2018 حينما وضع حدا للحرب مع إريتريا وإقرار السلام بين الدولتين مما أهله وقتها إلي نول جائزة نوبل للسلام.

لكن يبدو أن التقييم الدولي لشخصية أبي أحمد كان متعجلا للغاية فهو فعلا أقر السلام مع إريتريا ليس لتحقيق غاية الأمن والسلم ولكن من أجل إغلاق جبهة قتالية وفتح جبهة أخري داخلية ضد خصومه من جماعتي التيجراي والأورومو، الأمر الذي وضع العديد من المؤسسات الدولية والقوى الدولية في حرج شديد خاصة بعد تلقيه جائزة نوبل للسلام.

ونقطة أخيرة ينبغي الإشارة إليها هي أن الزيارة أتت في ظل متغير إقليمي جديد متمثل في  هجمات الحوثي الأخيرة على مطار أبوظبي الدولي في 17 يناير 2022، وهو ما يعني زيادة الحرص الإماراتي على أمن منطقة خليج عدن والقرن الأفريقي، ويبدو أن أبي أحمد تلقف هذا المتغير الجديد لأجل طرح إثيوبيا من جديد كحامية (شرطي المنطقة) للقرن الأفريقي وخليج عدن وتسويق نفسه أمام المجتمع الدولي والإمارات بأن قادر على تقديم العون والمساعدة في ضبط أمن وسلامة منطقة خليج عدن.

وأخيرا.. يمكن القول أن “أبي أحمد” يحاول الخروج من أزمته الداخلية، ويسعى من وراء هذه الزيارة إلى استعادة شيئا ما من الدور الإقليمي لبلاده الذي تأثر في الفترة السابقة نتيجة حرب التيجراي، كما أنها جاءت في وقت حساس في ظل رغبة الإمارات في استعادة أمن منطقة خليج عدن خاصة بعد الهجمات الصاروخية التي أطلقتها جماعة الحوثي مؤخرا على مطار أبوظبي وهو ما يعني دور ملموس لأديس أبابا في تحقيق تلك الغاية، وقد تحاول أديس أبابا إلي جر أبوظبي لمسألة الوساطة في مسألة سد النهضة واكتساب مزيد من الوقت، لكن تلك المكاسب تظل رهينة تطور الأوضاع الداخلية في البلاد فالنظام الإثيوبي لم يحسم حتي الآن الحرب الدائرة في بلاده ومنذ أشهر قليلة كانت قوى جبهة تحرير التيجراي على وشك اجتياح أديس أبابا وخلع أبي أحمد الذي يظل حتي الآن رهانا غير رابحا في تحقيق السلم والأمن في منطقة القرن الأفريقي وخليج عدن وحوض نهر النيل، كما سيتطلب الأمر الحفاظ على المطالب المصرية السودانية في حقوقهم من مياه النيل وعدم الإضرار بها .. وستسهظر الأشهر القادمة مدى جدية الموقف الإثيوبي، وما إن كان آبي أحمد سيستجيب للوساطات والمفوضات أم سيتمر في تعنته وتصدير أزماته الداخلية والهروب منها بتصعيد مشكلة أزمة السد.

للاطلاع على التقرير الأصلي، اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا