مروجًا لقانون جديد.. ماكرون يتعهد بمحاربة “الانعزالية الإسلامية” ويثير الجدل

ولاء عدلان
كتبت – ولاء عدلان

في خطاب مثير للجدل تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الجمعة، بالتصدي لما أسماه “الانعزالية الإسلامية” الساعية إلى إقامة نظام موازِ له قيم أخرى تختلف عن قيم الجمهورية الفرنسية، معلنا عن مشروع قانون جديد سيرفع إلى البرلمان مطلع العام المقبل، يتضمن إجراءات لمواجهة ظاهرة الانفصال الشعوري ومواجهة التطرف الديني.

خطاب ماكرون يأتي في وقت حساس للغاية، فمن ناحين فرنسا تعاني من تداعيات فيروس كورونا اقتصاديا واجتماعيا، ومن ناحية أخرى الهجوم الذي استهدف مقر مجلة شارلي إيبدو الساخرة الأسبوع الماضي في باريس وحملت الحكومة مسؤوليته لما أسمته “الإرهاب الإسلامي”، ما جعل البعض يفسر الخطاب على أنه محاولة للتغطية على الفشل “الماكروني” في إدارة أزمة كورونا أو محاولة لصب الزيت على النار بإثارة الكراهية ضد الجالية المسلمة بفرنسا التي يبلغ تعدادها نحو 6 ملايين نسمة وهي الأكبر في أوروبا.

تفاصيل خطة ماكرون لمحاربة “الانفصالية”
ماكرون تخلى عن المشاركة في اليوم الثاني من القمة الأوروبية ببروكسيل وأناب عنه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، من أجل زيارة ضاحية لي ميرو في باريس وإطلاق العنان لخطته لمحاربة “الانعزالية الإسلامية”.

قال ماكرون في خطابه أمس: ما نحتاج لمحاربته هو الانفصالية الإسلامية، المشكلة اليوم هي وجود أيديولوجية تدعي أن قوانينها يجب أن تعلو على قوانين الجمهورية، فالإسلام الراديكالي يشكل خطراً على فرنسا لأنه يطبق قوانينه الخاصة ويؤدي في كثير من الأحيان إلى خلق مجتمع مضاد.

وأضاف: هذا الشكل من الطائفية غالباً ما يُترجم إلى إبعاد الأطفال عن المدارس، واستخدام الأنشطة الرياضية والثقافية وغيرها من الأنشطة المجتمعية كذريعة لتعليم مبادئ لا تتوافق مع قوانين الجمهورية، وهذا لا نراه في بلدنا فقط، فالإسلام دين يمر اليوم بأزمة في جميع أنحاء العالم، معتبرا أنها أزمة عميقة مرتبطة بالتوترات بين الأصوليين والمشاريع الدينية السياسية.

وحمل ماكرون الحكومة قسما من المسؤولية في تطور ظاهرة ” الانعزالية الإسلامية” وقال: قمنا بتجميع السكان بموجب أصولهم، لم نعمد إلى إحلال ما يكفي من الاختلاط، ولا ما يكفي من تمكينهم من التدرج الاقتصادي والاجتماعي، مضيفا أن الإسلاميين بنوا مشروعهم على تراجعنا وتخاذلنا.

وأعلن عن مشروع قانون سيعرض على البرلمان بحلول 2021 بهدف محاربة هذه الانعزالية والدفاع عن القيم العلمانية للجمهورية الفرنسية وحماية جيل من مسلمي فرنسا من هيمنة الانعزالية والانفصالية عليهم، وقال إنه في النهاية لا يجب الخلط بين الإسلام والتطرف الإسلامي وإنه يريد ترسيخ “إسلام مستنير” في فرنسا.

القانون الذي كشف الرئيس الفرنسي عن بعض ملامحه أمس، سيجدد التأكيد على ضرورة فصل الكنيسة عن الدولة الذي يمثل عماد العلمانية الفرنسية، كما سينص على تطبيق مجموعة من التدابير مثل:

-فرض رقابة أكثر صرامة على الجمعيات الإسلامية والمساجد الخاضعة للتدخل الخارجي.

-إلزام أي جمعية تطلب مساعدة من الدولة على التوقيع على ميثاق للعلمانية.

-منع الممارسات التي تهدد المساواة بين الجنسين.

– فرض إشراف مشدد على المدارس الخاصة الدينية والحد بشكل صارم من التعليم الدراسي المنزلي، ويندرج تحت ذلك أن يكون للدولة سلطة التدخل إذا قدمت السلطات المحلية تنازلات غير مقبولة للإسلاميين – بحسب تعبير ماكرون- كالسماح بإعداد “قوائم دينية” في مقاصف المدرسة أو دخول النساء بشكل منفصل لحمامات السباحة.

– إنهاء نظام استقبال أئمة من الخارج.

– توسيع الحظر المفروض حاليا على الشعارات والرموز الدينية، بما في ذلك الحجاب، ليشمل موظفي القطاع الخاص الذين يقدمون خدمات عامة، ويجب الإشارة هنا إلى أن فرنسا سبق وأن حظرت ارتداء الحجاب بالنسبة لموظفات القطاع العام.

انتقادات ومخاوف من زيادة الكراهية
خطاب ماكرون جدد مخاوف الجالية المسلمة في فرنسا من أن يأخذ التعاطي من أزمة التطرف منعطفا يفضي إلى معاملة غير عادلة وتمييزية تطال مكوناتها بالأساس، الناشط الفرنسي في مجال حقوق الإنسان ياسر اللواتي قال عبر حسابه على “توتير”: قمع المسلمين كان تهديداً، والآن أصبح وعدا.. في خطاب لمدة ساعة، دفن ماكرون العلمانية، وشجع اليمين المتطرف واليساريين المعادين للمسلمين، وهدد حياة الطلاب المسلمين من خلال الدعوة إلى فرض قيود صارمة على التعليم في المنزل على الرغم من الوباء العالمي.

وبحسب “بي بي سي” عبرت الهيئات والجمعيات الممثلة للمسلمين في فرنسا عن تخوفها من أن تسهم تصريحات ماكرون وخطته لمحاربة الانعزالية في انتشار خطاب الكراهية ودفع البعض إلى الخلط بين الدين الإسلامي وتصرفات المتطرفين.

ونقلت “دويتشة فيلة” عن رئيس مسجد ليون كامل كبتان قوله: إن مفهوم الانفصالية الإسلامية يزعجني كثيرا، لأن من يريد الانفصال ليس المسلمين، فهم يريدون الاندماج فقط.

ونظرا لأن القانون سيعرض على البرلمان الفرنسي قبل انتخابات الرئاسة 2022، اعتبره البعض محاولة لمغازلة اليمين المتطرف وخطب وده لا أكثر، وأنه على العكس ما يروج ماكرون هو يناقض مبدأ العلمانية الذي ينص على عدم تدخل الدولة في تنظيم الحياة الدينية للمواطنين.

في حين اعتبره البعض محاولة للهروب من إخفاقات متتالية لإدارة ماكرون سواء على صعيد أزمة كورونا، حيث سجلت فرنسا حتى اللحظة أكثر من 500 ألف إصابة وخلال الأسبوع الماضي سجلت معدلات إصابة يومية تجاوزت الـ10 آلاف حالة، أو على الصعيد السياسي والاجتماعي ولا دليل على ذلك أكثر من تجدد احتجاجات السترات الصفراء رغم الجائحة.

رئيس حزب “فرنسا الأبية” المعارض اليساري جون لوك ميلونشون كتب عبر حسابه على “تويتر”: ماكرون يغيب عن القمة الأوروبية لأنه مشغول بإلقاء خطاب ضد المسلمين!، أيها الهارب تعهد لميركل بمهمة تمثيل فرنسا في مناقشات مهمة تتعلق بالعلاقات مع الصين والسياسات الصناعية والسوق الموحدة.

صحيفة “ليبراسيون” اليومية تناولت خطاب ماكرون بالتحليل، وقالت: إن قانون النزعات الانفصالية الجديد قد يتحول إلى كابوس، فالقضية ليست بسيطة فهي تنطوي في المقام الأول على خطر الاعتداء على الحريات العامة من خلال الوصول إلى نطاق أوسع من الهدف – المعلن إلى حد ما- وهو محاربة الأصولية الإسلامية.

ورغم هذه الانتقادات إلا أن قانون ماكرون الجديد لمحاربة الانعزالية الإسلامية يحظى بإعجاب غالبية الشارع الفرنسي، وبحسب استطلاع للرأي أجرته “أودوكسا- دينتوس” الشهر الجاري وأطلعت على نتائجه “دويتشة فيلة” وافق نحو 70% من الفرنسيين المشاركين في الاستطلاع على وضع تشريعات خاصة لمكافحة الانفصالية، على الرغم من أن نصفهم تقريباً قلقون من أن ذلك قد يعمق الانقسامات داخل البلاد.

يقول مؤيدو القانون أنه سيسهم في مواجهة النزاعات الانعزالية المخفية تحت ستار الدين، وفي تعزيز سلطة القانون والدولة في مواجهة الإرهابيين.

المشكلة في التشريع الماكروني الجديد هو أنه يصم المسلمين بالإرهاب ويخلط بين التطرف والإسلام، ويتجاهل أن الإرهاب والتطرف لا دين له وأن الجالية المسلمة كانت خلال السنوات الأخيرة ضحية أيضا للتطرف فبحسب المرصد الفرنسي لمكافحة الإسلاموفوبيا شهد العام الماضي 154 واقعة اعتداء على مسلمي فرنسا مقابل 100 اعتداء في 2018، في حين قدرت جهات أخرى في فرنسا زيادة معدل العنف ضد المسلمين خلال العامين الماضيين بنحو 77%.

ربما يعجبك أيضا