مساوئ النيوليبرالية..كيف دفع التغير المناخي الأحزاب اليسارية للنهوض؟

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي 

في مقابل صعود القومية والشعبوية على مستوى العالم في ظل سياقات اجتماعية واقتصادية تبعث على الانكفاء على الأزمات الداخلية، وفتحت المجال للتيارات المتطرفة في الظهور على السطح في مواجهة التيارات التقليدية التي فشلت في حل أزماتها، تسعى أزمة التغير المناخي التي تنذر بكارثة بيئية على المستوى القريب لإعادة التوازن للأحزاب اليسارية للأخذ بزمام القيادة لحلحلة الأزمة.

وتثير حالة الطوارئ المناخية سياسة راديكالية في جميع أنحاء العالم حيث تعمل روح جديدة من التطرف البيئي على تنشيط السياسات اليسارية، والتزمت الأجنحة اليسارية لكل من الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة وحزب العمل في المملكة المتحدة ببرامج تعرف باسم “الصفقة الخضراء الجديدة”، إذ إن أحزاب الخضر باتت تنافس الشعبويين اليمينيين في طاقتهم السياسية.

دعوات اليسار

تدعو أحزاب اليسار لاستثمار عام واسع النطاق في الاقتصاد الأخضر، وحظر الصناعات عالية الكربون، وتأميم مصالح الطاقة الخاصة، كما يعد اليسار مدفوع بإلحاح الاحتجاج المناهض للرأسمالية في أعقاب الأزمة المالية وحركة الاحتجاج ضد سياسات التقشف.

في عام 2013، بدافع من الإحباط على سياسة إدارة تغير المناخ التي تنتهجها إدارة أوباما، بدأت حملة المناخ في توجيه نيرانها ضد الرأسمالية الأحفورية، ونتج عن عن مظاهرات المناخ في نيويورك 2014 خطابًا يساريًا شعبيًا يناشد جمهورًا متحدًا ضد العاصمة الأحفورية.

عدم المساواة قضية بيئية

يؤكد اليسار الأخضر الجديد الحقيقة المزعجة المتمثلة في أنه ليست البشرية هي المسؤولة عن أزمة المناخ، ولكنها الرأسمالية التي تحركها الأرباح وتحفزها الأموال، وتركز عائدات الاستهلاك على جزء صغير من الأفراد في جميع أنحاء العالم بما تغذي الكثير من الآلات العملاقة التي تنتج هذا الكم الهائل من الانبعاثات الحرارية.

وبالتالي فإن عدم المساواة وتعاظم شركات النفط في عصرنا هو قضية بيئية، إذ إن إكسون موبيل وشركاءها في صناعات الوقود الأحفوري من تآمروا للتلاعب بالمخاطر الأساسية  لعوادم منتجات شركاتهم على النظام البيئي.

لم يكن التغير المناخي غريبا عن الأوساط العلمية منذ 30 عامًا، ومع ذلك استمرت الانبعاثات في الارتفاع، ولذا لم يكن التحرك الراديكالي خيارًا ضروريًا بحيث لم تتعقد المشكلة المناخية بعد. بات العالم الآن يحتاج إلى تغير دراماتيكي في التعامل مع التغير المناخي.

يدفع اليسار بحملة واسعة لإزالة مصادر الكربون، كما لم تتضمن تلك الحملة تسعير الكربون فقط ولكن حظر استخدامه، وإعادة توجيه قطاع الطاقة بشكل أساسي والحد من الاستهلاك المفرط لمصادر الانبعاث الحراري.

لا يقتصر الأمر على أن الأثرياء هم الذين يقودون الأزمة، ولكن عندما تبدأ تأثيرات تغير المناخ في الشعور بأنفسهم، سيكون التأثير أشد في أسفل الركيزة الاجتماعية. هذا أيضًا هو برنامج تشغيل لليسار الأخضر الجديد. بعد عقود من الإهمال، يكمن التحدي في إعادة اختراع دولة الرفاهية.

ثمة حاجة الآن لمعارَضة لا تكتفي بمجابَهة العولمة على خلفية آثارها المدمرة على البيئة فحسب. حصلت مواجهة من هذا القبيل قبل عقدين تقريباً من الزمن، ولم تفض إلى الكثير، وأحياناً سببت نزع التسييس عن الصراع لمصلحة أطر لم تستمر كثيرًا، وإن أحدثت قدرًا من التراكم. في المقابل، حصلت ردّة فعل داخل اليسار قادت إلى تغليب الصراع الطبقي على ما عداه. لكنها اصطدمت هي الأخرى بالتحولات التي تطرأ على عمل الرأسمالية كل فترة، والتي تجعل منها خصمًا يصعب إن لم يكن “يستحيل هزيمته”. 

آخر هذه التحولات هو الحمائية التي يقودها ترامب والتي تدفع سياسة التراكم إلى ذروة جديدة، ولكنها في الوقت ذاته تضع اليسار في موقع متغير، لكونها تسمح له، سواء كان في دول المركز الرأسمالي أو خارجها، باختبار قدرته على تطوير أدواته في مواجهتها. الاقتراح الذي قدمته نعومي كلاين في كتابها، إحدى هذه الأدوات، وهو على الأرجح يوفر مخرجاً لليسار من أزماته العديدة، ويضعه أمام تحد فعلي لمعاودة النهوض و”اكتساب الشرعية”.
 

ربما يعجبك أيضا