مساومات وتنازلات.. لماذا عادت صفقة «إف 16» التركية للواجهة؟

إسراء عبدالمطلب
هل تبيع الولايات المتحدة طائرات الـ إف 16 لـ تركيا

إعادة طرح ملف بيع الأسلحة الأمريكية لتركيا مجددًا، يؤشر على طبيعة التغيرات التي حدثت في مسار العلاقات الأمريكية التركية.


يرغب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بإتمام صفقة بيع طائرات إف 16 لتركيا، لكن نواب الكونجرس يعارضون هذه الصفقة، ما لم تقدم أنقرة تنازلات في عدة ملفات.

وأبلغ البيت الأبيض الكونجرس بالمضي قدمًا في الصفقة المقترحة بالتزامن مع صفقة أخرى لصالح اليونان، حسب ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز، يوم السبت 14 يناير 2023، ما أثار على الفور اعتراض أحد كبار النواب، الذي أبدى معارضة للصفقة منذ فترة طويلة.

هل تبيع الولايات المتحدة طائرات الـ إف 16 لـ تركيا

هل تبيع الولايات المتحدة طائرات إف 16 لتركيا؟

معارضة صفقة «إف 16»

أعرب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السيناتور الجمهوري، بوب مينينديز، عن معارضته الشديدة لصفقة بيع مقاتلات إف 16 إلى تركيا. وفي رسالة إلى بايدن ووزير خارجيته، أنتوني بلينكن، 25 أكتوبر 2022، أبدى 11 عضوًا بمجلس النواب قلقهم الكبير، من إتمام الصفقة.

وتشمل صفقة الأسلحة، البالغة 20 مليار دولار، 40 طائرة مقاتلة جديدة من طراز إف 16، إضافة إلى صيانة وتحديث 79 مقاتلة من أسطولها الحالي من نفس الطراز. في حين تطلب اليونان شراء ما لا يقل عن 30 طائرة مقاتلة من طراز إف 35، وهي أحدث الطائرات في الترسانة الجوية الأمريكية.

تفضيل اليونان على تركيا

من المرجح الموافقة على الطلب اليوناني بشأن الأسلحة، لكن على العكس يعارض مشرّعون أمريكيون عدة الصفقة التركية، وأبرزهم السناتور الديمقراطي، كريس فان هولن، وزميله بوب مينينديز، الذي قال في بيان: “أنا أعارض بشدة اقتراح بيع طائرات جديدة من طراز إف 16 إلى تركيا”.

ورحب السيناتور مينينديز بالبيع لليونان، مشيرًا إلى أن أثينا حليف موثوق لدى الناتو، وأن عملية البيع تعزز قدرات الولايات المتحدة واليونان على الدفاع عن المبادئ المشتركة، بما في ذلك الدفاع الجماعي، وكذلك الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.

هزيمة بايدن

رغم أن تركيا حليف في الناتو، منذ أكثر من 70 عامًا، لكن هذه الحزمة تواجه شكوكًا من أعضاء الكونجرس، الغاضبين من سياسات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذين يصفونه بـ”الاستبدادي”، لانتهاكه للحريات المدنية، ورفضه الموافقة على عضوية الناتو للسويد وفنلندا.

ويعتقد الخبراء، وفق تقرير نيويورك تايمز، أن أردوغان، الذين يصفونه بالمقرب من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لن يوافق على زيادة أعضاء الناتو، الذي يراه بايدن هزيمة استراتيجية كبرى لبوتين، ما لم يكن واثقًا من أن الطائرات الجديدة والمحدثة في متناول اليد.

هل تبيع الولايات المتحدة طائرات الـ إف 16 لـ تركيا

هل تبيع الولايات المتحدة طائرات إف 16 لتركيا؟

هدم لآمال بايدن

تقول تركيا إن السويد وفنلندا متعاطفتان للغاية مع حزب العمال الكردستاني، وهي حركة قومية كردية تصنفها تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية.

ويصر المسؤولون الأتراك على أن تسلم السويد العديد من أعضاء حزب العمال الكردستاني، الذين يعيشون  على أراضيها، ما ترفضه حكومة استوكهولم. ومع ذلك تعتقد واشنطن الأمريكيون والناتو إن تركيا ستوافق في النهاية على زيادة أعضاء الحلف.

دور الكونجرس

يجب أن يوافق الكونجرس على صفقات الأسلحة الأمريكية للحلفاء الأجانب، في معظم الحالات، وسيؤدي رفض الكونجرس إلى هدم اقتراح الرئيس جو بايدن.

وتدعم إدارة بايدن صفقة البيع لتركيا، وكذلك فإنها على اتصال منذ أشهر بالكونجرس، على نحو غير رسمي للحصول على موافقته، إلا أنها فشلت حتى الآن في تأمين الضوء الأخضر للمضي قدمًا في الصفقة.

حليف غير موثوق به

قال السيناتور مينينديز إن الرئيس أردوغان يواصل تقويض القانون الدولي، متجاهلًا حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية، والانخراط في سلوك مقلق ومزعزع للاستقرار في تركيا، وكذلك لحلفاء الناتو المجاورين.

وشدد السناتور الديمقراطي على أنه لن يوافق على بيع الأسلحة لأردوغان “حتى يكف عن تهديداته”، ويحسّن سجله في مجال حقوق الإنسان في الداخل، وبما في ذلك إطلاق سراح الصحفيين والمعارضيين السياسيين، وأن يتصرف كحليف موثوق به.

عملية عسكرية في اليونان

رفض أردوغان الانتقادات السابقة لمينينديز، في حديثه إلى وسائل الإعلام التركية، أكتوبر الماضي، قائلًا إن اعتراض مينينديز وحده لا يمكن أن يوقف هذه الصفقة.

ومع ذلك، اعترف أردوغان بأن شراء الطائرات سيكون “أسهل بكثير”، إذا فاز الجمهوريون بأغلبية في مجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، التي عقدت في نوفمبر الماضي، وهو ما لم يحدث.

الأزمة بين اليونان وتركيا 

دخلت تركيا واليونان في نزاع كبير على حدودهما البحرية، في السنوات الماضية، وتفاقم التوتر بعدما أشار أردوغان إلى إمكانية شن عمل عسكري ضد اليونان، زميلته العضو في الناتو.

لكن لا يتوقع الخبراء والمتابعون للشأن التركي أن ينفذ أردوغان مثل هذا التهديد، الذي ربطوه بالدعاية الانتخابية الداخلية، ويبدو أن إدارة بايدن تشير إلى أنها لا تحابي تركيا على حساب اليونان، وفق التقرير السابق.

تركيا تعيق توسع الناتو

لم تطلب إدارة بايدن رسميًّا من الكونجرس الموافقة على الصفقة، لكنها أخطرت الكونجرس، في الفترة الأخيرة، بأنها مستعدة لمناقشة الطلبات، التي قدمتها أنقرة وأثينا على نحو منفصل قبل عدة أشهر، وتتطلب تصويتًا في الكونجرس بالموافقة عليها.

وقال الباحث في العلاقات الدولية، سمير رمزي، في تصريح لشبكة رؤية الإخبارية، إنه من الصعب الجزم بأن واشنطن تنوي بيع الطائرات لتركيا، في ظل وقوف الأخيرة حائلًا أمام انضمام السويد وفنلندا للناتو.

وفي رأيه، فإن إعلان إدارة بايدن عزمها إرسال طلب للكونجرس لتمرير الصفقة، يمكن قراءته في ضوء سعي واشنطن لدفع تركيا نحو التراجع عن مطالبها من السويد وفنلندا، الخاصة بدعم الأكراد.

هل تبيع الولايات المتحدة طائرات الـ إف 16 لـ تركيا

هل تبيع الولايات المتحدة طائرات إف 16 لتركيا؟

خياران أمام أردوغان

أضاف المحلل المصري أن إعلان واشنطن بحث تصدير طائرات إف 35 لأثينا، جاء كمحاولة للضغط على تركيا، التي يجمعها تنافس كبير مع اليونان.

ولفت رمزي إلى أن هذه التحركات تضع الرئيس التركي بين خيارين، الأول هو القبول بالطلبات الأمريكية، ما قد يضر وضعه التنافسي مع اليونان، إذا ما صدرت واشنطن للأخيرة الطائرات إف 35، أما الخيار الثاني والأرجح هو عدم قبول أردوغان بهذه المطالب.

تغير العلاقات الأمريكية التركية

قال الباحث في العلوم السياسية، مصطفى صلاح، في تصريح لـ”رؤية”، إن إعادة طرح ملف بيع الأسلحة الأمريكية لتركيا مجددًا، منذ 2021، يؤشر على طبيعة التغيرات التي حدثت في مسار العلاقات الأمريكية التركية.

وأضاف أنه بعد أن كانت واشنطن ترفض تسليم 40 طائرة إف 16 لتركيا، بسبب امتلاكها أنظمة الدفاع الصاروخية الروسية إس 400، إلا أن ذلك تغير بعد تمكن تركيا من إدارة توقيت المطالبة بها، في ظل احتياج واشنطن لموافقة تركيا على انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، واستمالة أنقرة بعيدًا عن روسيا.

معطيات الصفقة

ولفت المحلل المصري إلى أن الجديد هو معطيات الصفقة، التي تبدلت مع تغير الظروف الأولى للمطالبة بها، ما يمكن أن يفرز أيضًا مجموعة من المتغيرات الجديدة، أبرزها الملحقات الخاصة بإتمام الصفقة وشروطها.

وشدد صلاح على وجود رغبة من جانب الكونجرس بأن يكون امتلاك هذه الأسلحة محدد بمجموعة من الشروط، أهمها عدم استخدام الطائرات في استهداف قوات سوريا الديمقراطية، حليف واشنطن الرئيس في سوريا.

تنازلات تركية

تابع صلاح أنه من ضمن الشروط أيضًا عدم تهديد اليونان، والموافقة على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، مضيفًا أن هذه الشروط ستفرض على تركيا تنازلات في طبيعة علاقاتها مع روسيا، خاصة أن واشنطن تريد عزل أنقرة عن موسكو.

واختتم صلاح أن واشنطن تريد ضمان استمرار أنقرة في دائرة المصالح الغربية، ومن ثم ستظل هذه الصفقة مرهونة بحجم المساومات المتبادلة بين الجانبين، ما يمكن أن تفرزه من فرص وقيود بشأن طبيعة علاقات تركيا الخارجية سواء مع الولايات المتحدة أو روسيا.

ربما يعجبك أيضا