مستقبل السياسة الإيرانية.. بين الردع والصبر الاستراتيجي

إيران وإسرائيل.. أمام معضلة استعادة الردع

يوسف بنده

يستلزم على إيران الآن استعادة نظرية الردع، مثلما تسعى إسرائيل إلى استعادة النظرية نفسها التي فقدتها منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023م.


تعرض حزب الله اللبناني، أحد أهم حلفاء طهران لضربات نوعية من جانب الجيش الإسرائيلي، ما أثار تساؤلات حول مستقبل التعامل الإيراني مع إسرائيل، خاصة أن قوة حزب الله اللبناني تمثل حاجزًا دفاعيًا وخط أول للمواجهة بين إيران وإسرائيل.

لكن التزام إيران المقررات الدولية باللجوء إلى مجلس الأمن والتنديد بانتهاكات إسرائيل ضدها وضد الفلسطينيين واللبنانيين، ومطالبتها بمحاكمة قادة إسرائيل والعمل على إيقاف هذه الحرب، يشير إلى أن طهران تلتزم مسارين في سياسة الصبر الاستراتيجي التي تنتهجها.

أبرز 10 قادة بحماس تعرضوا للاغتيال

عتبة الصبر الاستراتيجي

تمارس إيران سياسة الصبر الاستراتيجي أمام الاستفزازات الإسرائيلية لأمنها ومصالحها الإقليمية، وقد اكتفت طوال فترة ما بعد عملية طوفان الأقصى، منذ السابع من أكتوبر 2023، بانتهاج سياسة مقاربة لما التزمت به قبلها، حيث تجنبت التورط في حرب مباشرة مع إسرائيل، ومارست سياسة اعتماد البدائل للضغط على إسرائيل بدلًا من المواجهة المباشرة.

فقد أعلنت استراتيجية وحدة الساحات من خلال تفعيل جبهات الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان والفصائل الموالية في سوريا والعراق ضد الأراضي الإسرائيلية بدلًا من التورط في إسناد مباشر لجبهة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة.

ثم جاءت تصريحات وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، خلال تواجده على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتثير تساؤلات حول عتبة الصبر الاستراتيجي على إسرائيل بالنسبة لإيران، فقد قال ردًا على اغتيال قائد فيلق القدس في لبنان، عباس نيلفروشان: “لن يبقى بلا رد أبدًا، وأن الدبلوماسية الإيرانية ستستخدم جميع القدرات السياسية والقانونية والدولية لملاحقة المجرمين وداعميهم”.

كل شيء ممكن

وقال حول إن كانت إيران ستقوم بدعم حزب الله بعد مقتل زعيمه حسن نصرالله: “حزب الله قادر تمامًا على الدفاع عن نفسه”. لكنه قال أيضًا: “كل شيء ممكن في الشرق الأوسط، بما في ذلك الحرب”.

ما يضع تساؤلات حول إن كانت عتبة الصبر الاستراتيجي مرهونة بمصالح إيرانية وتحقيقها، أم إن تركيز طهران على عدم التدخل المباشر ضد إسرائيل يشير إلى محدودية خياراتها العسكرية لاستعادة الردع أمامها.

محطات فاصلة لحزب الله

استعادة الردع

بعد العمليات النوعية التي وجهتها إسرائيل لحلفاء إيران في المنطقة، بدأت إيران تشعر من أن شهية تل أبيب المنفتحة يمكن أن تصل إلى حدود إيران ومهاجمتها للمنشآت النووية الإيرانية والمراكز والقواعد العسكرية، على غرار ما فعلته إسرائيل عام 1967 في المنطقة العربية.

وهو ما يستلزم على طهران الآن استعادة نظرية الردع، مثلما تسعى إسرائيل إلى استعادة النظرية نفسها التي فقدتها منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023، وذلك ما يفسر وحشية ضرباتها على غزة ولبنان وسوريا واليمن، إذ تسعى الدولة العبرية إلى استعادة ما فقدته، لأن امتلاكها السلاح النووي لم يمنع المليشيات والفصائل المسلحة من مهاجمتها.

الدفاع عن لبنان

والرسالة التي وجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تضع النظام الإيراني في مسؤولية استعادة الردع، فقد وجه رسالة إلى الشعب الإيراني، الاثنين 30 سبتمبر، قائلًا: “كل يوم ترون نظاماً يهيمن عليكم ويطلق خطباً نارية حول الدفاع عن لبنان وغزة، لكنه في الواقع يدفع منطقتنا نحو المزيد من الظلام والحرب. كل يوم يتم تدمير وكلاء هذا النظام، اسألوا محمد ضيف، اسألوا نصر الله. لا يوجد مكان في الشرق الأوسط لا تستطيع إسرائيل الوصول إليه”.

وفي إشارة إلى نقل المعركة إلى داخل إيران، قال نتنياهو: “تحرير إيران” مسألة وقت، وقال: “عندما تتحرر إيران – وهذا اليوم سيأتي قريبًا أكثر مما يتوقعه الناس – سيختلف كل شيء. ستعيش أمتانا القديمة، الشعب اليهودي والشعب الإيراني، في سلام أخيراً. ستعيش دولتا إسرائيل وإيران في سلام. وعندما يأتي ذلك اليوم، سينهار ويفلس نظام الإرهاب الذي بناه النظام الإيراني في خمس قارات، وستزدهر إيران بشكل غير مسبوق”.

حزب الله حي لافتة في طهران

“حزب الله حي” – لافتة في طهران

بين مسارين

عندما توصلت إيران إلى اتفاق نووي مع الغرب عام 2015، كانت السياسة التي ينتهجها النظام الإيراني بين مسارين، الأول رؤية الإصلاحيين التي تطالب بالحوار مع الغرب والتركيز على المسألة الاقتصادية أولًا. والثاني رؤية التيار المتشدد الذي ذهب إلى الحرب في سوريا من أجل الحفاظ على نفوذ إيران ومحورها في المنطقة. وهذان المساران يتكرران اليوم أيضًا في ظل احتمالية اتساع الحرب في المنطقة والدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل.

فقد كتبت صحيفة كيهان التي تمثل المعسكر المتشدد في إيران، في عدد الاثنين 30 سبتمبر، إن قواعد اللعبة قد تغيرت منذ أن تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء. وهاجمت الصحيفة السياسةَ التي يطالب به الإصلاحيون، بتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، حيث ركزت الصحف الإصلاحية على أن ما يقوم به رئيس الوزراء الإسرائيلي هو فخ لجر قدم إيران الحرب. وأن الحل يجب أن يأتي في إطار النظام الدولي لمنع إسرائيل من الوقوع في مغامرة مع إيران.

مخاطبة المؤسسات الدولية

وربما هذا يفسر لماذا تلتزم طهران في ظل حكومة بزشكيان مخاطبة المؤسسات الدولية ومنها الأمم المتحدة لإيقاف الحرب في المنطقة.

لكن التيار المتشدد في إيران يعتبر أن ذلك لن يجدي مع إسرائيل ولن يردعها عن مهاجمة إيران ونظامها، لكن التيار الإصلاحي يلوذ بالمرشد الأعلى في عدم السقوط في رؤية المتشددين، فكتب السياسي الإصلاحي، سيد محمد علي أبطحي: “إن أفضل سبيل لمواجهة آراء وخيالات المتشددين، هو الالتزام بتعليمات المرشد الأعلى الذي أظهر أنه زعيم ثوري وذكي، يحافظ على مصالح الشعبي الإيراني”.

إيران وإسرائيل1

إيران وإسرائيل

رؤية جديدة

تحتاج إيران في المرحلة المقبلة إلى ما يحقق لها استعادة الردع في وجه إسرائيل، دون التورط معها في حرب مباشرة، وهذا قد يدفعها إلى عقد صفقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، تضمن بها تحييد إسرائيل عن مهاجمة داخلها، لأن إسرائيل لن تقدم على خطوة كهذه دون التنسيق مع الجانب الأمريكي.

ولذلك هناك رؤية جديدة في إيران تطالب بالابتعاد عن الخطاب الثوري والبحث عن دبلوماسية إقليمية جديدة لإيران تضمن بها تحقيق حلفاء إقليميين جدد بعيدًا عن خطابها التقليدي.

يقول الكاتب السياسي، سيد أحمد الحسيني، في منصة الدبلوماسية الإيرانية: “إن اختزال الصراع الحالي في المنطقة إلى نزاع بين إسرائيل وفلسطين هو خطأ استراتيجي، لأن القضية هي صراع على مستقبل المنطقة ونظام جديد من المفترض أن يتأسس.

ربما يعجبك أيضا