مستقبل محفوف بالمخاطر.. بنجلادش تضع بيضها في سلة اقتصادية واحدة

عبدالمقصود علي

رفعت صادرات الملابس بنجلاديش إلى آفاق جديدة، لكن الاعتماد المفرط على هذه الصناعة ساعد أيضًا في إسقاط رئيسة الوزراء الشيخة حسينة.


منذ وقت ليس ببعيد، كانت بنجلاديش موضع ترحيب باعتبارها معجزة اقتصادية، بعد أن أدى تركيزها المنفرد على تصدير المنسوجات والملابس إلى تحقيق نمو سريع، وانتشال الملايين من براثن الفقر وكسب الشهرة والإعجاب برئيسة وزراء البلاد الشيخة حسينة.

لكن خروج حسينة المفاجئ من السلطة هذا الأسبوع كشف عن عيوب هذه الاستراتيجية، إذ تعاني بنجلاديش من التضخم الحاد والبطالة التي يقول الاقتصاديون إنها إلى حد كبير نتيجة لقرارات سياسية سيئة لرئيسة الوزراء السابقة، بعد أن أدى حكمها الاستبدادي المتزايد والفساد المستشري في البلاد إلى تفاقم الإحباط الذي أطاح بها في النهاية، والآن يتعين على بنجلاديش أن تقرر مستقبلها.

مهمة شاقة

اختار الطلاب المتظاهرون الذين طالبوا باستقالة حسينة، محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل ورائد التمويلات الصغيرة، للإشراف على الحكومة المؤقتة، لكن يونس يواجه مهمة شاقة، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.

والأهم من ذلك، يجب على البلاد استعادة النظام وتحقيق الاستقرار في اقتصادها، وعلى المدى الطويل، سيتعين على بنجلاديش مواجهة الضغوط الاقتصادية الأوسع التي دفعت المتظاهرين إلى الشوارع. كل هذا يجب أن يحدث بالإضافة إلى المطالب العاجلة لمعالجة الانتهاكات واسعة النطاق خلال فترة ولاية حسينة القمعية، حسب الصحيفة.

حريق في متجر للملابس خلال احتجاجات في دكا

حريق في متجر للملابس خلال احتجاجات في دكا

ومن غير الواضح إلى متى ستبقى الحكومة المؤقتة وما مدى نطاق التفويض الذي ستحصل عليه. لكن سعد حمادي، زميل في كلية بالسيلي للشؤون الدولية بكندا، قال إن هذه الحكومة ويونس لديهما “تطلعات الكثيرين التي أوكلت إليهما السلطة لتحقيق العدالة، وإنشاء اقتصاد وديمقراطية فعالة، وتأسيس سيادة القانون وحكومة شفافة خاضعة للمساءلة”.

إصلاحات اقتصادية

أضاف: هذه التحديات قد تكون أكثر من اللازم بالنسبة لحكومة مؤقتة هدفها الرئيس ضمان انتخاب القادة الجدد من خلال عملية حرة ونزيهة، مشيرًا إلى أنه “ستكون هناك حاجة إلى إصلاحات مؤسسية مطلوبة في جميع المجالات”.

وخضعت بنجلاديش لإصلاحات اقتصادية ابتداء من السبعينيات، وكانت صناعة الملابس مركزية للاقتصاد لعقود من الزمن. لكن حسينة، التي وصلت للسلطة عام 2009، ركزت على هذا القطاع المنفرد حيث توسعت في أسواق عالمية جديدة، وهو ما أدى إلى نمو كبير في بنجلاديش.

مصنع للملابس في ضواحي دكا،

مصنع للملابس في ضواحي دكا،

الملابس رخيصة الصنع كانت موضع جذب لتجار التجزئة العالميين، وخاصة العلامات التجارية المشهورة مثل Zara وH&M، وفي الوقت نفسه، أدى هذا الطلب إلى توفير سبل العيش للملايين، خاصة النساء، وأحدث تحولًا في مستويات المعيشة، بعد أن أنفقت حسينة مبالغ طائلة على البنية التحتية، ما طمأن الشركات الدولية إلى أنها تستطيع الاعتماد على البلاد لتلبية احتياجاتها.

غرس الثقة

يقول توماس كين، مستشار شؤون بنجلاديش في مجموعة الأزمات الدولية: “ما فعلته حسينة هو مستوى من الاستقرار، وهو ما كان جذابا للمستثمرين الأجانب، موضحًا أنه من غير المرجح أن يرسل مشترو الملابس أعمالهم إلى بنجلاديش إذا كانت هناك إضرابات عمالية، أو انقطاع للتيار الكهربائي، أو عوامل أخرى تجعلها غير موثوقة.

رئيسة الوزراء السابقة غرست الثقة في الداخل، يضيف كين، حتى عندما وضعت القوات المسلحة والسلطة القضائية تحت سيطرتها، وسحقت المعارضة وتحولت إلى حكم استبدادي على نحو متزايد، فقد كان هناك “اتفاق” تقريبًا بين البنجلاديشيين وحكومتها.

ويبين: “كان هناك اعتقاد بأنها ورابطة عوامي هما الحزب الذي سيحقق النمو الاقتصادي والتنمية”، في إشارة إلى الحزب السياسي الذي قادته حسينة منذ عام 1981. وعلى مدار أكثر من عقد من الزمان في عهد حسينة، نما الاقتصاد بوتيرة سريعة، تجاوزت في بعض السنوات 7 %، وحققت صادرات الملابس أكثر من 80% من عائدات البلاد.

نتائج عكسية

لكن هذا الاعتماد كان أيضًا سببًا في تراجع حسينة، فقد أدى الوباء إلى انخفاض الطلب العالمي على المنسوجات والملابس. وفي الوقت نفسه، أدى تعطل سلسلة التوريد والحرب الروسية على أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود المستورد بشكل حاد. ومع قلة التنويع في اقتصادها، لم تتمكن بنجلاديش من جني إيرادات كافية من الصناعات الأخرى للمساعدة في دفع الفواتير.

ومع ارتفاع التضخم، جاءت جهود حكومة حسينة للسيطرة عليه بنتائج عكسية. وبينما كانت تحاول بنجلاديش دعم قيمة عملتها الضعيفة، أنفقت احتياطياتها من النقد الأجنبي، التي انخفضت إلى مستوى كبير للغاية لدرجة أنها اضطرت إلى طلب قرض من صندوق النقد الدولي عام 2022.

مربع

جدارية لرئيسة الوزراء المخلوعة تم تخريبها من قبل المتظاهرين وبحلول الوقت الذي انتعشت فيه صادرات الملابس بعد وباء كورونا، كانت بنجلاديش غارقة في مشاكلها قصيرة المدى ــ وهو الوضع الذي سلط الضوء أيضًا على المشاكل الأساسية، خاصة أن بنجلاديش لا تجمع سوى القليل جدًا من الضرائب، ويرجع ذلك جزئيًا إلى البيروقراطية المتراخية وعدم رغبة العديد من المواطنين في الدفع.

فساد صارخ

لا تزال بنجلاديش تتمتع بمعدل نمو مرتفع، لكن الاقتصاديين وغيرهم يقولون إن النمو كان متفاوتًا، وأن التفاوت في الدخل مرتفع، ووفقًا لافتخار زمان، المدير التنفيذي لمنظمة الشفافية الدولية في بنجلاديش، الشعور بأن قصة النمو على الورق لا تتطابق مع الواقع الذي شاهده الناس على الأرض أدى إلى عدم الثقة في الحكومة.

ويؤكد زمان أن الفساد الصارخ، بما في ذلك الاحتيال على القروض والتقارير عن غسيل الأموال من قبل الكثيرين في مجتمع الأعمال الذين كان يُنظر إليهم على أنهم مقربون من رئيسة الوزراء، أثار المزيد من السخط، وربما كانت أكبر مشكلة طويلة الأمد بالنسبة لحسينة هي عدم قدرة حكومتها على خلق فرص عمل جديدة بسبب تركيزها الضيق على تجارة الملابس.

والشهر المنصرم، وجد هذا الإحباط المتراكم متنفسًا له عندما بدأ الطلاب يطالبون بإنهاء نظام الحصص التفضيلية في الوظائف الحكومية، والذي يوفر الاستقرار الذي لا يوفره القطاع الخاص في بنجلاديش غالبًا. وبمجرد أن أرسلت حسينة القوات المسلحة لقمع الاحتجاجات، تفاقم الإحباط الناجم عن النظام الذي فشل في تحقيق ذلك، وتحول إلى غضب شديد ضدها.

مواطنون يشاهدون على شاشة التلفزيون أداء اليمين الدستورية لمحمد يونس في صالون حلاقة

مواطنون يشاهدون على شاشة التلفزيون أداء اليمين الدستورية لمحمد يونس في صالون حلاقة

والخميس الماضي، أدت الحكومة المؤقتة الجديدة في بنجلاديش، برئاسة يونس، البالغ من العمر 84 عامًا، اليمين الدستورية، حيث دعا إلى الهدوء وناشد الأمة استعادة النظام ونبذ العنف.

ورغم أنه من غير الواضح كم من الوقت سيبقى في منصبه، فمن المتوقع أن يقوم يونس – رجل الأعمال الاجتماعي الذي ربط الربح بالتنمية من خلال عملية القروض الصغيرة التي كان رائدا فيها من خلال بنك جرامين – بإجراء إصلاحات ملائمة للسوق.

ربما يعجبك أيضا