مسجد شنقيط.. هوية الموريتانيين الصامدة وسط الصحراء

شيرين صبحي

تعرف على مسجد شنقيط الذي يعبر عن الهوية الموريتانية وسط الصحراء بتفاصيل معمارية خاصة.


اختلفت أقاويل المؤرخين على سنة بناء مسجد شنقيط بموريتانيا، ويتفق بعضهم على أن المسجد بني مع تأسيس مدينة شنقيط نفسها.

وشنقيط هو الاسم الذي بات ينسب لموريتانيا، وأصبح أبناؤها يسمون الشناقطة، وتعني “عيون الخيل”، إذ كانت تضم عيونًا من الماء ترتادها الخيول، وقد أُسِّسَت شنقيط القديمة في القرن الثاني الهجري، وعاشت لقرون حياة مزدهرة قبل أن تندثر لتنهض على أنقاضها شنقيط الحالية التي أُنشئت حسب الروايات التاريخية عام 660 هجرية.

طقوس المساجد القديمة

9

مسجد شنقيط

تقول إحدى الروايات إن المسجد بني عام ٦٦٠ هجرية، ورواية أخرى تقول إنه بني في القرن ٨ هجرية‍، أما الرواية الأقرب للحقيقة فهي أن المسجد عمرة نحو ٨ قرون تقريبًا. تأسس المسجد على يد الجدين الجامعين لقبيلتي الإقلال محمد قلي ويحيى جد إدو علي، ورجلين آخرين هما أعمر وإديجر، وهو المسجد الوحيد الذي بقي على حالة حتى الآن.

المسجد الذي صنف كتراث بشري عالمي على لائحة “اليونسكو”، يعد الواجهة التراثية التاريخية لموريتانيا، والذي صمد بناؤه في منطقة صحراوية تكاد فيها الرمال تجرف كل ما تصادفه.

نقوش تعكس وعي السكان

يتكون المسجد من صحن مفتوح، يأخذ شكل المستطيل، ويضم بيت صلاة للرجال والنساء، ومئذنة لم يتغير بها شيء، ولم يحدث بها أي نوع من الترميم منذ نشأتها من قرون. ولا يزال يحتفظ بطقوس المساجد القديمة، فهو غير مفروش للصلاة، ويؤدي المصلون صلواتهم على الرمال الناعمة، ولا تزال الناس تؤدي صلاتها في المسجد حتى الآن.

ينفرد المسجد بوجود نقوش تعكس ملامح وعي لدى سكانه، ويتضمن شواهد قبور منصوبة شمالي صحن المسجد، ولكنها لا تعني وجود قبور فعلية هناك، بل هي لتذكير المصلين بالدعاء لأموات تحمل النقوش المنصوبة أسماءهم.

سقف من جذوع النخيل

يعبر المسجد عن معمار صحراوي ينطق بالبساطة. يعتلي منبره بواسطة 3 درجات خشبية، وكانت جذوع النخيل مادة السقف الأصلية، وحين رمم دخلت في تصميمه جذوع نخيل وأشجار.

يشار إلى أن محمد بن عبدالله بن الحسن في مطلع القرن 12 الهجري، وهب داره لتوسعة المسجد من ناحية الشمال، فهو المسجد الوحيد من بين مساجد المدن المحيطة الذي تحده منازل بصورة مباشرة من دون فاصل من الجهة الشمالية.

مئذنة المسجد

يعد المؤرخون المئذنة الجزء الوحيد المتبقي من المسجد الأصلي بافتراض عدم تغيرها بأي عمليات ترميم جذرية خلال القرون، واستخدم في تشييدها صنفان من الحجارة، فالجزء السفلي مرتبط ببناء بيت الصلاة المبني من حجارة محلية من شنقيط داكنة اللون، والجزء العلوي من حجارة فاتحة جلبت على نفقة تاجر قوافل يدعى ولد أخليفة من المدن المجاورة.

ولم تخل المئذنة من الزخارف، فزواياها الأربعة مزينة ببيض النعام وهو عنصر زخرفة صحراوي، أما قمتها فتبدو على هيئة عمامة مربعة الشكل.

منارة المسجد

fd6d58f9 1bde 4787 9468 447a17cefe94

مسجد شنقيط

بنيت منارة المسجد على فترتين، إذ بنيت قاعدتها أولاً بالتزامن مع بناء المسجد، وبعد مرور 200 سنة بني الجزء العلوي من المنارة لتأخذ صورتها النهائية الحالية.

وينظر الموريتانيون إلى هذه المنارة على أنها جزء مهم من هويتهم، لقيمتها الرمزية والمعنوية والتاريخية، ولارتباطها بالمؤسسين. لذلك تكاد تصبح ثابتة في اللوحة التشكيلة الموريتانية المعاصرة، كرمز متعدد التعبيرات.

سفر طويل لوصول المسجد

يتطلب الوصول إلى المسجد السفر من العاصمة نواكشوط نحو 540 كيلومترًا إلى الشمال الشرقي وعبر مسالك وعرة، ومع هذا تحرص أغلب الشخصيات الثقافية العربية والأجنبية التي تزور موريتانيا على تحمل مشاق السفر وصعوبة المناخ لزيارة المسجد نظرًا لدوره التاريخي في الحركة العلمية التي عرفتها البلاد.

ربما يعجبك أيضا