الحزام والطريق.. بنية تحتية أم نفوذ سياسي عالمي؟

الحزام والطريق.. جسور التجارة ونفوذ السياسة الصينية

أحمد عبد الحفيظ
مبادرة الحزام والطريق

مبادرة “الحزام والطريق”، التي أطلقتها الصين في عام 2013، تعد واحدة من أكبر المشاريع التنموية والاقتصادية في العالم، وتتجاوز هذه المبادرة الجوانب الاقتصادية إلى تحقيق أهداف سياسية واستراتيجية تسعى الصين من خلالها إلى تعزيز نفوذها على المستوى الدولي.

تهدف المبادرة إلى بناء شبكة من البنية التحتية والمواصلات تربط آسيا، أوروبا، وإفريقيا، عبر مشاريع ضخمة تشمل السكك الحديدية، الطرق، الموانئ، والمرافق اللوجستية. لكن خلف هذه الطموحات التنموية، تقف أهداف سياسية مهمة تسعى الصين لتحقيقها.

تعزيز النفوذ الصيني على الصعيد العالمي

بحسب تقرير صادر عن صحيفة ” ساوث اتيشنا مورنينج بوست” يوم الخميس 10 أكتوبر 2024، فإن أحد الأغراض السياسية الرئيسية لمبادرة “الحزام والطريق” هو تعزيز نفوذ الصين العالمي. من خلال استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتنمية الاقتصادية في عشرات الدول، تكتسب الصين نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا على تلك الدول. تقوم الصين بتمويل العديد من هذه المشاريع عبر قروض طويلة الأجل للدول المشاركة. هذا النوع من الاستثمارات يجعل الدول المدينة تعتمد بشكل أكبر على الصين، ما يمنحها نفوذاً على القرارات السياسية لتلك الدول.

على سبيل المثال، دول صغيرة مثل باكستان وسريلانكا أصبحت تعتمد بشكل كبير على التمويل الصيني لتنفيذ مشاريعها التنموية، هذا الاعتماد يمنح الصين فرصة للتدخل في شؤونها السياسية أو التأثير على قراراتها الاستراتيجية على الساحة الدولية، مثل دعم السياسات الصينية في المنظمات الدولية أو تأييد مواقفها في النزاعات الإقليمية.

توسيع نطاق الأسواق الصينية

من الأغراض الأخرى لمبادرة “الحزام والطريق” هو توسيع نطاق الأسواق الصينية. الصين هي أكبر مصدر للسلع في العالم، ولكن مع تزايد الضغوط التجارية والعقوبات من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، تبحث الصين عن أسواق جديدة لتصريف منتجاتها. المبادرة تتيح للصين فرصاً لتوسيع نطاق صادراتها إلى آسيا الوسطى، إفريقيا، وأوروبا الشرقية، حيث يمكنها الوصول إلى أسواق جديدة غير مشبعة.

إضافة إلى ذلك، تسمح مشاريع البنية التحتية التي تمولها الصين بفتح ممرات تجارية جديدة تسهل حركة البضائع بين الدول، ما يجعل التجارة أكثر سلاسة وسرعة، وبالتالي يعزز تنافسية المنتجات الصينية على المستوى العالمي. هذه الاستراتيجية تساهم في تعزيز مكانة الصين كقوة اقتصادية عالمية وتمنحها أدوات إضافية لتعزيز تأثيرها على التجارة العالمية.

مواجهة النفوذ الأمريكي والغربي

من بين الأهداف السياسية المهمة لمبادرة “الحزام والطريق” هي تقليل تأثير الولايات المتحدة والدول الغربية في النظام الدولي. تعتبر الصين المبادرة وسيلة لتعزيز نظام عالمي متعدد الأقطاب، حيث لا تهيمن فيه الولايات المتحدة وحدها على القرارات الدولية. من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول المشاركة في المبادرة، تأمل الصين في بناء تحالفات جديدة تدعم مواقفها في القضايا العالمية.

على سبيل المثال، قد تستخدم الصين نفوذها الاقتصادي للتأثير على تصويت الدول في الأمم المتحدة أو للترويج لمبادئ السيادة وعدم التدخل في شؤون الدول الداخلية، وهي قيم تتماشى مع السياسة الخارجية الصينية. كما يمكن للصين مواجهة نفوذ الولايات المتحدة في مناطق مثل المحيط الهندي والمحيط الهادئ من خلال تعزيز حضورها العسكري والاقتصادي عبر المبادرة.

استقرار المناطق الحدودية وتحقيق الأمن القومي

من الناحية الأمنية، تهدف مبادرة “الحزام والطريق” إلى تحقيق استقرار في المناطق الحدودية للصين، خاصة في إقليم شينجيانغ الحساس.

من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية في تلك المناطق ودعم دول الجوار مثل كازاخستان وقيرغيزستان، تسعى الصين إلى تقليل التوترات والنزاعات التي قد تؤثر على أمنها الداخلي. تعتبر الصين أن التنمية الاقتصادية هي وسيلة لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني، وبالتالي تأمل أن يؤدي التعاون الاقتصادي عبر المبادرة إلى تقليل المخاطر الأمنية.

تعزيز النفوذ

يمكن القول إن مبادرة “الحزام والطريق” ليست مجرد مشروع اقتصادي ضخم، بل هي أداة سياسية تستخدمها الصين لتعزيز نفوذها على الساحة الدولية. تجمع المبادرة بين المصالح الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، حيث تسعى الصين إلى توسيع أسواقها، مواجهة النفوذ الأمريكي، وتحقيق استقرار داخلي وخارجي.

بهذا الشكل، تؤكد المبادرة أن القوة الاقتصادية والسياسية لا تنفصلان في عالم يتجه نحو مزيد من التداخل بين الاقتصاد والسياسة.

ربما يعجبك أيضا