مصر والصين.. توافق في الرؤى وشراكة استراتيجية شاملة

سهام عيد

كتبت – سهام عيد

يشارك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي “فوكاك” التي تُعقد في العاصمة الصينية بكين، يومي ٣ و٤ سبتمبر، تحت شعار “الصين وإفريقيا: نحو مجتمع أقوى يتمتع بمستقبل مشترك من خلال التعاون المربح للجانبين”.

يشارك السيسي في القمة إلى جانب ٥٢ من القادة الأفارقة، ومن المقرر أن تشهد فعاليات القمة ترتيب لقاء على مائدة مستديرة، للقادة، والرئيس الصيني شي جين بينج، وأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، لبحث مستقبل التنمية في القارة السمراء، وسبل إعادة الاستقرار لمناطق النزاعات، وفرض الاستقرار والسلام.

الاستثمارات الصينية تتدفق بشكل متزايد على اقتصاد القاهرة

ذكرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، في تقرير لها، أن العلاقات الصينية المصرية نمت بشكل كبير في عهد السيسي، الذي وصفته بأنه “يحافظ على سياسة معتدلة مع جميع دول العالم من الولايات المتحدة إلى روسيا إلى الغرب والخليج”.

وأوضحت المجلة أن تدفق الاستثمارات الصينية بشكل متزايد على الاقتصاد المصري يشير إلى أن “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” المتفق عليها بين الدولتين، منذ عام ٢٠١٤، يمكن أن تتطور بعد الزيارة المقبلة إلى شراكة أكثر قوة، وأن الصين كدولة تفوق أهميتها الاقتصادية الولايات المتحدة الآن، وهي تطور علاقات مع مصر بشكل متزايد، وهو ما يؤكد أن مصر تسير باتجاه نمو اقتصادي كبير، لأن بكين أكبر شريك تجاري للقاهرة منذ عام ٢٠١٢، وأن نصيب الصين من واردات مصر العام الماضي فقط بلغ ١٣٪، أي ما يعادل تقريبًا ضعف واردات مصر من ألمانيا، التي تأتي ثانية بعد الصين.

وأشارت المجلة إلى أن إدارة السيسي نجحت في استغلال الموقع الاستراتيجي لمصر كحافز رئيسي للعلاقات الصينية، وقال جون تشن، الخبير في العلاقات الصينية الشرق أوسطية، في جامعة كولومبيا: “إن قناة السويس من أهم العناصر التي تجعل مصر دولة استثنائية، حيث يقع الممر المائي في قلب طريق الحرير البحري، وهو دعامة مبادرة الحزام والطريق التي يدعمها شي جين بينج بشكل متزايد”.

وحسب مسؤول حكومي مطلع، فإن الصين هي أكبر مستثمر حالي في قناة السويس، في حين تقوم مجموعة “تيدا” الصينية بتطوير منطقة اقتصادية خاصة في المنطقة.

وبدأت الصين ضخ العملة الأجنبية في الاقتصاد المصري في عام ٢٠١٦، وصنفت الدولة المصرية الصين باعتبارها المصدر الثالث، والأكثر أهمية في الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد منذ عام ١٩٧٠، وتغذي الأموال الصينية الآن مجموعة كبيرة من المشروعات الضخمة التي تقودها الدولة في مصر.

ومن بين هذه المبادرات، العاصمة الإدارية الجديدة، وهي خطة طموحة وضعها السيسي لنقل المركز السياسي للبلاد إلى شرق القاهرة، وقد واجه مشروع البناء الهائل اهتمامًا متواضعًا من المستثمرين الأجانب، بعد إعلانه في عام ٢٠١٥، لكن الصين بادرت للاستثمار في المشروع.

وخصصت الصين مليارات الدولارات للاستثمار في مشروعات خارج العاصمة الجديدة، بما في ذلك تجديد صناعة النسيج، وبناء نظام سكك حديدية سريعة وحديثة للقاهرة.

وأضافت فورين بوليسي، أن العلاقات الأمنية والعسكرية تقع ضمن أهم الملفات المشتركة بين مصر والصين، حيث بدأ البلدان في إجراء تدريبات بحرية وعسكرية مشتركة في يونيو ٢٠١٥.

تعاون مثمر
وتدخل العلاقات بين الصين ومصر في مرحلة غير مسبوقة في تاريخهما المشترك، حيث إن التعاون بين مصر والصين “مثمر” وحظى بتأييد قوي بعد الزيارة التاريخية للرئيس الصيني شي جين بينج إلى القاهرة في يناير ٢٠١٦، وهي الزيارة التي رفعت العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.

وتعد مصر ثالث أكبر شريك تجاري إفريقي مع الصين، حيث بلغ حجم التجارة بين الجانبين ١٠.٨٧ مليار دولار عام ٢٠١٧، وفقا لوزارة التجارة والصناعة المصرية.

بحسب وسائل الإعلام المصرية، سيتم خلال الزيارة بحث توطيد العلاقات المصرية الصينية بشكل عام، والعلاقات الاقتصادية بشكل خاص، من خلال مناقشة خطط الصين ومشروعاتها لمبادرة الحزام والطريق، التي تسعى لإعادة الروح لطريق الحرير التجارى، أحد أشهر الطرق التاريخية للتجارة بين قارات العالم القديم، إلى جانب توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية بين البلدين، ثم يُنهى السيسي زيارته إلى الصين ليتوجه إلى أوزبكستان في أول زيارة له، لإحدى الجمهوريات السوفيتية، يلتقي فيها نظيره الرئيس شوكت ميرزييف، في زيارة رسمية تهدف لتوطيد التعاون الثنائي بين البلدين.

ويهدف المنتدى إلى تعزيز التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، والتواصل بين الدول، وتحقيق السلام، ومكافحة الإرهاب، ومن المقرر أن ينتج عن القمة إعلان خارطة طريق للتعاون بين الصين، ومصر، والدول الإفريقية، للسنوات الثلاث المقبلة.

الزيارة الخامسة

وبحسب قناة “سي جي تي إن”، فإن انتخاب السيسي رئيسًا لمصر كان علامة فارقة في تطوير العلاقات مع الصين، التي كانت من أوائل الدول التي زارها عندما تولى مهام منصبه في عام ٢٠١٤، وتعد تلك الزيارة هي الخامسة له، حيث زار السيسي الصين في سبتمبر ٢٠١٧ لحضور قمة بريكس، وقد تمت دعوة السيسي أيضًا لقمة بريكس ٢٠١٨، في أواخر الشهر الماضي، ولكنه أناب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في المشاركة ورئاسة وفد مصر.

وزار الرئيس الصين أيضًا في ٢٢ ديسمبر ٢٠١٤، بعد دعوة من الرئيس الصيني شي جين بينج، وذلك لتوطيد العلاقات مع مصر بعد فوز السيسي في الانتخابات الرئاسية من العام نفسه، والزيارة الأخرى كانت بعد ٩ أشهر فقط من الأولى في سبتمبر ٢٠١٥، لحضور العرض العسكري الصيني الذي دعا له بينج قادة العالم، وزيارة أخرى كانت في سبتمبر ٢٠١٦، وذلك بدعوة شخصية من الرئيس الصيني، لتكون مصر ضيفة الشرف في قمة العشرين في ذلك العام، وتخللت هذه الزيارات، زيارة للرئيس الصيني إلى القاهرة في يناير ٢٠١٦.
 

توافق في الرؤى
من جهتها، أكدت وكالة “شينخوا” الصينية، في تقرير لها، أن السيسي يتبع النهج الصيني لحل العديد من مشكلات مصر، فعلى سبيل المثال، نفذت الصين مشروعات البنية التحتية الضخمة لتدشين انطلاقتها، وهو الأمر نفسه الذي تفعله مصر الآن، من خلال بناء شبكات طرق عملاقة، تربط بين جميع مناطقها، وتخلق فرص عمل، ومناطق عمرانية جديدة.

وقالت الوكالة في تقرير لها، إن السيسي يحترم سياسة الصين الخارجية، التي تتخذ من عدم الانحياز منهجًا لها، ترسم به حدود تدخلها في السياسة الدولية، واحترامها لسيادة الدول، مضيفة أن الصين تؤمن بالتعايش السلمي وتعمل على الحفاظ على السلام العالمي، لأن الشعب الصيني، بطبيعته، يكره الحروب والصراعات، والصين، بثقافتها وسعيها للسلام يمكن أن تؤثر على الآخرين، ولذلك هناك توافق كبير بين الصين، ومصر، والدول العربية، في ملفات الصراع في سوريا، واليمن، وليبيا، والقضية الفلسطينية.

 

ربما يعجبك أيضا