“معركة طابا”.. 8 سنوات من الحرب بين مصر وإسرائيل لاسترداد ألف متر

إبراهيم جابر

رؤية – إبراهيم جابر

القاهرة – تحتفل مصر في 29 سبتمبر من كل عام بذكرى انتصارها الدبلوماسي على الكيان الصهيوني، واستردادها آخر جزء احتلته إسرائيل، بعد صدور حكم هيئة التحكيم الدولية بأحقية القاهرة في طابا، بعد معركة دبلوماسية وقانونية بعيد عن لغة “البارود” استمرت حوالي 8 سنوات.

“لماذا طابا”

رغم صغر مساحة أرض طابا والتي تتجاوز ألف متر بقليل، إلا أنها تتميز بموقعها الاستيراتيجي المتميز، حيث تبعد حوال 7 كيلو مترات من ميناء “إيلات” بالأراضي الفلسطينية المحتلة، إضافة إلى أنها تقع على رأس خليج العقبة بين سلسلة جبال وهضاب طابا الشرقية من جهة، ومياه خليج العقبة من جهة أخرى.

وتقع طابا في مواجهة الحدود السعودية المصرية في اتجاه مباشر لقاعدة تبوك، فضلا عن تميزها بكونها تضم في بطن أرضها آبارًا عدة تحوي مخزنًا ضخمًا من المياه العذبة.

“إشكالية طابا”

عقب حرب أكتوبر عقدت مصر وإسرائيل في ‏1979 اتفاقية السلام (كامب ديفيد)، والتي بموجبها بدأ الكيان الصهيوني انسحابه، إلا أنه في أواخر عام 1981 الذي كان يتم خلاله تنفيذ المرحلة الأخيرة من الانسحاب، لكن إسرائيل سعت لافتعال أزمة، وتمثل ذلك بإثارة مشكلات حول وضع‏ 14‏ علامة حدودية أهمها العلامة ‏(91)‏ في طابا.

وأعلن رئيس الجانب العسكري المصري في اللجنة العسكرية المشتركة -المشكلة لإتمام الانسحاب الإسرائيلي من سيناء – رسميا في مارس عام 1982، أن هناك خلافا بين مصر وإسرائيل حول بعض النقاط الحدودية وخاصة العلامة 91، واتفق الجانبان على تأجيل الانسحاب من طابا، وحل النزاع عن طريق المفاوضات، أو اللجوء لقواعد القانون الدولي وبنود اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وفقا لاتفاقية “كامب ديفيد”.

وتنص المادة السابعة من معاهدة السلام المبرمة بين البلدين، على “حل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير المعاهدة عن طريق المفاوضات، وأنه إذا لم يتيسر حل هذه الخلافات بالمفاوضات فتحل عن طريق التوفيق أو تحال إلى التحكيم”، ونص الاتفاق على عدم إقامة إسرائيل لأي إنشاءات وحظر ممارسة مظاهر السيادة، وأن الفصل النهائي في مسائل وضع علامات الحدود المختلف عليها يجب أن يتم وفقاً لأحكام المادة السابقة.

“الخيانة المعهودة”

رغم الاتفاق الذي تم بين الجانبين، إلا أن الكيان الصهيوني مارس هوايته في “نقض العهود”، فبعد 3 أشهر من الاتفاق الذي تم في 25 أبريل 1982، افتتحت إسرائيل فندق سونستا وقرية سياحية وأدخلت قوات حرس الحدود‏، لترد الحكومة المصرية عن طريق تشكيل اللجنة القومية للدفاع عن طابا أو اللجنة القومية العليا لطابا، وتشكلت بالخارجية المصرية لجنة لإعداد مشارطة التحكيم.

وعقب قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي بالموافقة على التحكيم، تم توقيع الاتفاقية بمشاركة شمعون بيريز في 11 سبتمبر 1986، والتي قبلتها إسرائيل بضغط من الولايات المتحدة، وحصرت مهمة هيئة التحكيم في تثبيت مواقع العلامات الـ14 المتنازع عليها.

“انتصار الدبلوماسية”

حاول الجانب الإسرائيلي الاعتماد على تزييف الحقائق خلال سيطرتهم على المنطقة، منذ عام 1967 إلى عام 1982، فعمدوا إلى تغيير ملامح طابا الجغرافية لإزالة علامات الحدود المصرية قبل حرب يونيو، وقاموا بإزالة أنف الجبل الذي كان يصل إلى مياه خليج العقبة، وحفر بدلا منه طريق يربط بين مدينة إيلات الإسرائيلية ومدينة طابا المصرية.

وكان على المصريين أن يبحثوا عن هذه العلامات، وبذل المصريون حينها جهودا كبيرة لإثبات أحقيتها في طابا، فقد نصت مشارطة التحكيم على تقرير مواضع علامات الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، أي في الفترة ما بين عامي 1922 و1948، وبالرغم من ذلك فإن اللجنة المصرية بدأت البحث في الوثائق بدءا من ثلاثينيات القرن التاسع عشر والوثائق في الفترة اللاحقة على عام 1948 حتى حرب يونيو ونتائجها.

وكان الخلاف على مواقع العلامات وعلى 5 أمتار، ثم بات على 13 علامة دولية بالادعاء أنها في غير أماكنها، وكانت إسرائيل تأمل في أن يغير هذا خط الحدود بالكامل لتحقيق فوائد طبوغرافية لصالح إسرائيل بحصولهم علي “تل” أو هضبة أو طريق، وذلك ترجمة لطموح وأطماع “أرئيل شارون”، الذي كان يريد طريقاً مباشرا يسهل له الدخول بدباباته خلال 48 ساعة إلى قناة السويس.

وفي 29 سبتمبر 1988 تم الإعلان عن حكم هيئة التحكيم في جنيف بسويسرا في النزاع حول طابا، وجاء الحكم في صالح مصر مؤكداً أن طابا مصرية، وتم إثبات 10 علامات حدودية لصالح مصر من مجموع 14 علامة بأغلبية 4 أصوات ضد صوت واحد، واثبات 4 علامات لصالح مصر بإجماع الأصوات الخمسة.

“استمرار الغدر”

وفور النطق بالحكم، استمر الكيان الصهيوني في مماطلته، محاولا عدم تنفيذ القرار، إلا أن الدبلوماسية المصرية سعت إلى ممارسة الضغط وإجبارها على المثول للقرار، وبعد مفاوضات ومحاولات مصرية قابلتها إسرائيل بتعنت شديد، وجاءت جولة مفاوضات أخرى بين الوفد المصري والإسرائيلي، لتحديد قيمة فندق سونستا الذي بنته إسرائيل في طابا.

وأخيرا، تسلمت مصر طابا في 15 مارس 1989، ورفرف العلم المصري عليها 19 مارس من نفس العام، لتستعيد مصر طابا بلا حرب ليكتمل نصر أكتوبر العظيم، باسترداد كل جزء من رمال أرض سيناء.

ربما يعجبك أيضا