مقتل قاسم سليماني.. تغيير في قواعد الاشتباك أم حرب مفتوحة؟

جاسم محمد

كتب – جاسم محمد

أثار مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني -قائد فيلق القدس التابع “للحرس الثوري الإيراني”- وأبومهدي المهندس، جمال جعفر آل إبراهيم، يوم أمس 3 يناير 2020، بصواريخ أطلقت من طائرة مسيرة على رتل حول مطار بغداد الدولي  الكثير من الجدل، ومهما كانت التقديرات، فإنها، ضربة محدودة، وليس من المرجح أن تكون “مؤشرًا” لحرب واسعة، لكنها تغيير في قواعد الاشتباك بين الولايات المتحدة وإيران، من الاحتكاك إلى المواجهة المحدودة حتى الآن.

تداعيات العملية مرتبطة في مكان تنفيذ العملية العراق؛ البلد الحليف للولايات المتحدة بالتوازي مع تواجد إيراني واسع في العراق، يشمل كل جوانب الحياة السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، ليتحول العراق من بلد “احتكاك” إلى مواجهة بين واشنطن وطهران.

إن اغتيال قاسم سليماني وأبومهدي المهندس، ربما كان مطلوبًا قبل هذا الوقت، لكن تنفيذ هذه العملية، أثار الكثير من التساؤلات، حول مصداقية واشنطن بمساندة حليفاتها، وهي تُعرّض مياه الخليج الإقليمية للقرصنة الإيرانية لاعتداءات مسلحة، ولم تردّ واشنطن كذلك على أصابع الاتهام وجهت إلى طهران في ضرب مواقع “أرامكو “داخل أراضي المملكة العربية السعودية، ولم ترد، فلماذا جاء توقيت العملية الآن؟

إن الهجوم على السفارة الأمريكية من قبل ميليشيات عراقية، “حزب الله العراقي”، قبل يومين من العملية كان يمثل ضربة لأمريكا، ومن وجهة نظرها يمثل انتقاصًا لــ”هيبتها دوليًّا”، فالرد الأمريكي بتنفيذ العملية محاولة من ترامب لأسباب دعائية والتعبئة الداخلية ممكن أن تعزز شعبيته، وهذا يضع مصداقية أمريكا والتزاماتها الأمنية والعسكرية مع حليفاتها خاصة الدول الخليجية، على المحكّ.

لذا جاءت ردود أفعال حلفاء أمريكا في المنطقة وأوروبا، متزنة ومتحفظة جدًّا، والتي مثلت صدمة لإدارة ترامب، عندما قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو،  يوم 3 يناير 2020: إن حلفاء واشنطن الأوروبيين لم يكونوا “مؤيدين” كما كان يأمل لقتل الولايات المتحدة القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في العراق.

تداعيات تلك العملية

يمكن أن تصب في صالح إيران حتى هذه اللحظة وللأسباب التالية

ـ يرتبط العراق والولايات المتحدة، باتفاقية، تمنحه وجودًا عسكريًّا على مستوى القواعد العسكرية والمستشارين، لكن في أعقاب تنفيذ هذه العملية، من المرجح جدًّا أن تخسر أمريكا هذه الاتفاقية، ويطلب العراق إخراج قواتها، وهذا يعني خسارة لواشنطن، التي تعتبر العراق نقطة ارتكاز تجاه إيران.

– خلط الأوراق: إن عملية اغتيال سليماني وأبومهدي المهندس خلطت الأوراق في العراق وأربكت المشهد السياسي، ومن المرجح جدًّا أن تعمل على “تصفير” خلافات التيارات السياسية في العراق خاصة الشيعية، من أجل رص الصفوف في سبيل مواجهة خطر تدهور الأوضاع الأمنية في العراق.

– خفض منسوب “التغيير السلمي في العراق” والمتمثل في التظاهرات، تحت لافتة “أمن العراق” من المرجح أن تفرض الحكومة العراقية إجراءات جديدة مشددة في الشارع العراقي وضد المتظاهرين، وهذا يفوت فرصة كبيرة، في إحداث أي تغيير محتمل. أما حكومة تصريف الأعمال فبات متوقعًا أن تستمر أطول مما كان متوقعًا.

– تحريك إيران للجماعات المسلحة، والميليشيات، والكتائب والفصائل الموالية لها، بتنفيذ عمليات إرهابية تحديدا ضد المصالح الأمريكية، ومن المحتمل أيضًا ضد حليفاتها في العراق ولبنان واليمن ودول أخرى، وهذا يعني أن أنشطة الميليشيات في العراق، سوف تظهر على السطح، لتنفيذ مصالح إيران وسياساتها في العراق.

–  تعزيز سيطرة إيران في العراق، ربما يأخذ الوجود الإيراني في العراق شكل وجود عسكري معلن.

هل مقتل سليماني يضع حدًّا لسيطرة إيران على المشهد العراقي؟ أو تدخلات إيران الإقليمية والدولية؟

لم تتردد إيران عن إعلان تسميتها للعميد إسماعيل قاآني، نائب قاسم سليماني، ليكون خليفة له، الأخير عمل مع سليماني منذ مطلع الثمانينات خلال الحرب العراقية الإيرانية داخل ألوية الحرس الثوري الإيراني، وكان ملازمًا له في إدارة أركان عمليات الحرس الثوري وتنفيذ العمليات، وهذا يعني أن إسماعيل، لا توجد لديه مشكلة أبدا في إدارة عمليات فيلق القدس، الحرس الثوري، وربما يظهر نشاطًا متطرفًا أكثر من سلفه سليماني، وفق ما نشر من سيرة ذاتية للرجل.

إن مقتل قاسم سليماني يمكن أن يعمل على تأخير عمل شبكة الحرس الثوري، لأسباب فنية، ترتبط باعتماد الحرس الإيراني، إجراءات احتياطية أكثر في التحرك وتنفيذ عملياته، بعد تغيير قواعد الاشتباك بين واشنطن وطهران.

ما تحتاجه إدارة أركان الحرس الثوري الإيراني، هو مراجعة مصادرها على الأرض، التي كانت قريبة جدًّا من الجنرال سليماني ومن أبومهدي المهندس، إن تنفيذ عمليات بواسطة الطائرات المسيرة، لا يمكن تنفيذها من دون وجود مصادر بشرية مصنفة جدًّا على الأرض، وهذا يعني أن إيران تحتاج وقتًا لمراجعة دائرة علاقات سليماني والمهندس، وهذا ما يحتاج وقتًا لاستعادة نشاطها من جديد.

إيران والرد الدبلوماسي والعسكري

باتت طهران معروفة بحنكتها السياسية، باستخدام القنوات الدبلوماسية، بالتوازي مع اعتمادها الأذرع الخفية إقليميًّا ودوليًّا، لتنفيذ عمليات إرهابية، في الوقت الذي حرصت طهران على تقديم رسالة لأمريكا، من خلال شعبة رعاية المصالح الإيرانية في سويسرا، فهي لم تتردد في تنفيذ عمليات خفية، يمكن أن تظهر نتائجها قريبًا.

الرد العسكري، أو رد الحرس الثوري، بتنفيذ عمليات ضد المصالح الأمريكية، من المرجح أن تكون في العراق أو لبنان، وربما ضد حلفاء واشنطن في المنطقة، خاصة منطقة الخليج، التقديرات تقول: إن إيران قادرة على تنفيذ ذلك، وإن أي عمليات محتملة لن تكون تقليدية، ستكون عمليات ذكية، على غرار ما قامت به في مياه الخليج الإقليمية من ضرب سفن، أو استخدام طائرات دون طيار، أو هجمات سيبرانية وغيرها.

هل من مواجهة مباشرة بين طهران وواشنطن؟

منذ عام 1979 وحتى هذه اللحظة، لم تكن هناك مواجهة عسكرية مفتوحة بين طهران وواشنطن، رغم تهديدات إيران للولايات المتحدة وبالعكس، كما نلاحظ، وهذا يعني أن قواعد الاشتباك بين البلدين تغيرت نحو المواجهة المباشرة، لكنها ستبقى محدودة.

يبقى العراق ولبنان، البلدان الأكثر ترجيحًا لأن تكون ساحة مواجهة بين واشنطن وطهران.

الخلاصة

إن إيران حاضرة في العراق ولبنان واليمن ودول أخرى، وإن اغتيال سليماني، لا يعني تقليص هذا النفوذ، رغم أن اغتيال رأس هرم عمليات الحرس الثوري في الخارج، العملية لها تأثير عملياتي عكسي في الوقت الحاضر.

ومن المرجح أن يستمر تعزيز سيطرة إيران في العراق، وانتقال إيران إلى موقع متقدم، على مستوى الظهور عسكريًّا، إلى جانب تنفيذ عمليات ضد المصالح الأمريكية.

بالتوازي مع تنفيذ أمريكا عمليات اغتيال لقيادات موالية لإيران وضرب مواقع ومقرات الميليشيات، على غرار المشهد في سوريا ولبنان، التداعيات تنعكس على أمن العراق في الوقت الحاضر سلبًا.

التوصيات

ينبغي على العراق اعتماد سياسة وطنية، بدون تحالفات إقليمية أو دولية تجر العراق إلى حرب واسعة، ما يحتاجه العراق -بعد سلسلة حروب- هو إعادة البناء واعتماد حزمة إصلاحات اقتصادية في التنمية، وتغيير في نظامه السياسي أكثر من انجرار وراء المجموعات المسلحة، والميليشيات، أو عسكرة العراق، لكي يقاتل بالوكالة لصالح أمريكا أو إيران.

ربما يعجبك أيضا