مناورات بحرية بين روسيا والصين.. إلى أي مستوى يصل التعاون؟

محمد النحاس

التعاون بين الروس والصينيين شهد نموًّا على مدار السنوات الماضية.. لكن هل يمكن الحديث عن «تحالف الكتلة الشرقية»؟


يومًا بعد يوم يزداد التعاون الصيني الروسي على الأصعدة كافة، وفي هذا الإطار يجري الجانبان تدريبات عسكرية بحرية مشتركة، ببحر الصين الشرقي.

ويأتي ذلك في وقت تزيد فيه التوترات غربي المحيط الهادئ، وبعد أيام معدودة من إعلان اليابان استراتيجيتها للأمن القومي، التي شهدت تغيّرًا جوهريًّا في سياستها العسكرية، فما دلالات هذه التدريبات المشتركة وتوقيتها؟

تدريبات مشتركة

انطلقت أمس الأربعاء 21 ديسمبر 2022، مناورات عسكرية بحرية مشتركة بين روسيا والصين بالذخيرة الحية، وتشمل إطلاقًا للصورايخ على أهداف بحرية وجوية، وفقًا لما نقلته شبكة CNN الأمريكية، عن بيان لوزارة الدفاع الروسية.

9564579538 0bf8cdef84 b

ووفق البيان، تأتي التدريبات المشتركة لتعزيز التعاون البحري، بين الاتحاد الروسي وجمهورية الصين الشعبية، وحفظًا للأمن والسلام بآسيا والمحيط الهادئ، ومن المقرر أن تستمر المناورات حتى 27 من هذا الشهر.

مناورات التعاون البحري

ستشارك في المناورات البحرية 4 سفن روسية، من بينها طرّاد الصواريخ “فارياج”، ومدمرات صينية وسفن متنوعة الأغراض وغواصة، وستشارك أيضًا طائرات مروحية من كلا الجانبين.

وحسب وزارة الدفاع الروسية، تجري هذه التدريبات الدورية منذ عام 2012، وتحمل هذا العام اسم “التعاون البحري 2022″، وتأتي في وقت تزداد فيه التوترات بمنطقة المحيط الهادئ بين حلفاء الولايات المتحدة الآسيوين من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى.

OIP 1

مستويات تعاون غير مسبوقة

ترى روسيا في الصين بزعامة شي جين بينج حليفًا مناسبًا، لذلك سعت لزيادة علاقاتها الأمنية والسياسية وتعزيز روابطها الاقتصادية منذ الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت فبراير الماضي، وتعتبر موسكو بكين “الحليف الأمثل المناهض للغرب” حسب وكالة أنباء “رويترز“.

ومع تصاعد العقوبات الغربية التي كبدت الاقتصاد الروسي خسائر باهظة، وصلت معدلات التبادل التجاري الثنائي بين موسكو وبكين إلى مستويات غير مسبوقة. وعلاوة على ذلك، ترفض الصين إدانة روسيا صراحة في “حربها على أوكرانيا” وفقًا لـ”سي إن إن”.

تحدٍّ لليابان؟

تأتي هذه المناورات بعد أسبوع واحد من إعلان اليابان استراتيجيتها للأمن  القومي و”في بيئة أمنية هي الأكثر تعقيدًا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية” وفق طوكيو، التي ستعمل بموجب الاستراتيجة الجديدة على شراء صواريخ بعيدة المدى، ومضاعفة الإنفاق العسكري في تحول يوصف بـ”التاريخي”.

OIP 2

واعتبرت استراتيجة اليابان صراحة أن الصين “تهديد أمني”، وأدانت “الغزو الروسي لأوكرانيا”. وتوضح “سي إن إن” أن مناورات بكين وموسكو البحرية من أشكال “التهديد” الذي تحدثت عنه طوكيو. ففي مناورات جوية، اقتربت طائرات البلدين من المجال الجوي الياباني، وفي يونيو الماضي رصدت اليابان سفنًا حربية بحرية صينية وروسية قرب حدودها.

تاريخ من التعاون

على مدار العقود الـ3 الماضية، أي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، شهدت العلاقات الصينية الروسية نموًّا مطردًا في المجالات كافة. وظهرت إرهاصات هذا التعاون في إبريل 1997، بعدما وقع الجانبان إعلانًا مشتركًا بعنوان “عالم متعدد الأقطاب”. وفي يوليو 2001 وقع البلدان معاهدة “الصداقة والتعاون” لمناهضة “الهيمنة الأمريكية”.

R 4

ومن المتوقع أن يصل التبادل التجاري بين الصين وروسيا إلى 200 مليار دولار عام 2024. وعلى الصعيد العسكري يجري الجانبان مناورات مشتركة دورية، علاوة على التعاون من خلال منظمة شنجهاي. ويسعى الجانبان “للتخلص من هيمنة الدولار العالمية وإيجاد قنوات مالية مستقلة”.

ما الجديد في هذه التدريبات؟

في إفادة أدلى بها الباحث المتخصص في الشؤون الدولية، سمير رمزي، إلى شبكة “رؤية” الإخبارية، يتمثل جديد هذه المناورات وما يشكل فارقًا فيها هذا العام، في مشاركة قطاعات مختلفة من جيش التحرير الشعبي الصيني، وهي البحرية والجوية والمدفعية.

ولا يمكن فصل هذه المناورات، عن مجريات الحرب في أوكرانيا، لأن موسكو تحاول في هذا السياق إيصال رسالة إلى الغرب مفادها أنها منخرطة مع بكين القوية في “تحالفات على كل الأصعدة”، وفي ذات التوقيت، توصل بكين رسالة إلى الغرب تتعلق بالخلاف على جزيرة تايوان، التي تراها بكين جزءًا من جمهورية الصين الشعبية.

حذر وسخط على الغرب

مع ذلك يشير خبير الشؤون الدولية، سمير رمزي، إلى أن عدد القطع المحدود المشارك في المناورات يعبر عن حذر الجانبين من إيصال رسائل عدائية إلى الغرب، من الممكن أن تزيد الوجود العسكري للولايات المتحدة بمنطقة المحيط الهادئ، وتزيد من احتمالات الصدام مستقبلًا.

لكن ما يجمع الجانبين وفق خبير الشؤون الدولية، أنهما من القوى الساخطة على تكوين النظام الدولي بشكله الحالي، وكذلك على الوضع الإقليمي بمنطقة المحيط الهادئ، لذلك من الجائز أن يتطوّر التعاون بين الجانبين مستقبلًا إلى مستويات أكثر عمقًا.

تحالف شرقي؟

ردًّا على سؤال عن إمكانية وجود تحالف شرقي لمواجهة الغرب، يرى رمزي أن طبيعة العلاقات المتشابكة مع الغرب هي ما سيحدد مستقبلاً فرص وآفاق ومستويات التعاون بين روسيا والصين. ورغم مستويات التعاون سالفة الذكر، يرى رمزي أنه ما زال مبكرًا الحديث عن “تحالف شرقي”، لكن يمكن وصف الأمر بأنه “تعاون متنوع المجالات”.

ويلفت رمزي إلى أن العلاقات الصينية الروسية لا تخلو من خلافات، علاوةً على أن القول بوجود “تحالف كتلة شرقية” ليس دقيقًا، لأن ذات المنطقة تحوي كتلًا منخرطة في تنافس محتدم مع الصين وروسيا.

ربما يعجبك أيضا