منتدى شرق آسيا | في ظل المنافسة الأمريكية الصينية.. ما دور القوى الوسطى؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

واجه المجتمع الدولي صدمة اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة بسبب ثلاث “انفجارات كبيرة” – زيادة المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، والثورة الصناعية الرابعة وأزمة فيروس كورونا – وهذه الانفجارات الثلاثة مترابطة مُشكِّلَةً تحديات وعواقب بالغة الأهمية على التجارة العالمية والاستقرار الإقليمي ومستقبل النظام الدولي الليبرالي.

أولاً: نتج الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين والمنافسة الاستراتيجية بينهما والتي بدأت بشكل جدي في عام 2018 من الشعور بالأزمة داخل الولايات المتحدة إزاء التجارة غير العادلة وتجسس الصين الصناعي، ومن النمو الاقتصادي السريع والتطور التكنولوجي المتقدم ومن ثم تعزيز القوة العسكرية الصينية.

وفي مواجهة الخطر الذي تتعرض له سلاسل التوريد العالمية بشكل متزايد والناتج عن جائحة كورونا، سارعت الدول إلى إعادة تنظيم سلاسل التوريد الخاصة بها لتعزيز الأمن. ونظرًا لأن الارتباط بين التكنولوجيا والأمن أصبح أكثر أهمية، سنَّت الولايات المتحدة “قانونًا خاصًا بشأن أشباه الموصلات” وسارعت إلى “استيعاب” صناعة أشباه الموصلات. وتعمل إعادة تنظيم سلاسل القيمة العالمية المتمركزة حول الصين على إعادة هيكلة الاقتصاد والتجارة في العالم، وبذلك تتخلى الولايات المتحدة ودول متقدمة أخرى عن النقل إلى الخارج إلى الصين لخفض التكاليف وبدلاً من ذلك تقوم بإعادة التوريد أو الاقتراب من أو الحلفاء. ويستند الاتجاه المتمثل في تحويل سلاسل القيمة بعيدًا عن الصين إلى الحكم بأن السيطرة على التكنولوجيا المتقدمة هي الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الهيمنة الاستراتيجية.

ثانيًا: أكد الوباء أن النظام العالمي بعد الحرب آخذ في الانهيار. وعلى الرغم من أن المنظمات والأعراف العالمية التي قادت الشؤون الدولية والنظام الاقتصادي على مدى السنوات الـ 75 الماضية لا تزال قائمة، إلا أن دورها العملي وقوتها الملزمة بدأ في التلاشي. ومن غير المحتمل أن تظهر منظمات ومعايير جديدة لملء الفراغ، ولا تظهر القوى العظمى أي علامة على وجود قيادة عالمية. وبدلاً من التعاون لمكافحة الوباء، تفاقم العداء وعدم الثقة بين الولايات المتحدة والصين. وقد أدى تراجع الولايات المتحدة النسبي وتنامي انعدام الثقة الدولي في القيادة الصينية إلى ظهور حقبة (G-Zero) [فراغ السلطة العالمية]، حيث وصلت الحوكمة العالمية الحالية التي تتمحور حول القوى الكبرى إلى حدودها وهناك حالة متزايدة من عدم الاستقرار والغموض.

ثالثًا: بينما تؤيد كل من الولايات المتحدة والصين التعددية؛ فلكل من الدولتين أهداف وأساليب استراتيجية مختلفة لتحقيق هذه التعددية. ففي إطار تنافسهم الاستراتيجي، تقوم كل منهما بتعبئة التعددية كأداة للاستبعاد المتبادل. فمن جهة، انتقد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” سياسة “أمريكا أولاً”، التي أطلقها سلفه “دونالد ترامب”، معلنًا تحالفات متعددة الأطراف على رأس أولويات سياسته الخارجية. ولكن في قلب تعددية بايدن– التي تشبه إلى حد كبير سياسة ترامب– يكمن عزل الصين واحتوائها، وهو ما يعكس عدم استطاعة الولايات المتحدة التعامل مع صعود الصين وحدها. ومن جهة أخرى، تنتقد بكين نهج واشنطن متعدد الأطراف باعتباره “مغلقًا وحصريًا” وتسعى إلى تمكين التضامن المناهض للمجموعة الرباعية من خلال تعزيز العلاقات التقليدية بين كوريا الشمالية والصين وروسيا. وإلى جانب إيران، تهدف بكين إلى بناء “تحالف من الدول الخاضعة للعقوبات الأمريكية”.

وفي خضم المواجهة المتسارعة بين الولايات المتحدة والصين، تُجْبَر القوى الوسطى على إعادة تقييم مواقعها الاستراتيجية. فعلى الصعيد الدولي، تحمي القوى الوسطى مصالح الدول الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتوفر أرضية ثالثة للصمود في وجه عاصفة المنافسة بين القوى العظمى. أما إذا اختارت القوة الوسطى أيًّا من الجانبين، فإنها تخاطر بالانتقام أو الإقصاء من الطرف الآخر، إذ إن حدود القاعدة الاستراتيجية وقدرات القوى الوسطى أصبحت واضحة الآن.

ويُعدّ التعاون بين القوى الديمقراطية الوسطى أمرًا مهمًا، لأنها تشترك في المعايير والقيم وسيادة القانون، من أجل وضع معايير اقتصادية وتكنولوجية تساعد في مواجهة سلوك الصين العدواني غير العادل. ومع ذلك، ففي العلاقات مع الصين، هناك “تفاوت في المعاملة” بين العديد من حلفاء الولايات المتحدة من القوى المتوسطة. لكن ماذا لو كانوا “متشابهين في التفكير”– دون أن يكونوا “متشابهين في المواقف”– عند النظر في مصالحهم وأولوياتهم القومية؟

تستشهد أستراليا، على سبيل المثال، بعلاقتها الوثيقة مع الولايات المتحدة وأوروبا كسبب مهم للتحرك نحو تضامن أكبر مع الولايات المتحدة. ويبدو أن تلك القوة المتوسطة مصممة على الدفاع عن قيمها ومعاييرها متخليةً عن الصين رغم الردود التجارية القوية.

كيف إذن يمكن تفسير موقف ألمانيا وفرنسا، الحليفان الديمقراطيان التقليديان للولايات المتحدة، وتناقضهما تجاه القوتين العظميين؟ فالدولتان مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا بالصين من خلال التجارة والتكنولوجيا، ويبدو أنهما مترددتان أيضًا في الاستثمار في تحالفات التكنولوجيا مثل التحالف الديمقراطي الذي تقوده الولايات المتحدة والشبكة النظيفة.

أما كوريا الجنوبية فتجد نفسها في وضع أكثر صعوبة لاتخاذ القرار الثنائي بين الولايات المتحدة والصين. فهي على عكس أستراليا – الغنية بالموارد الطبيعية والتي تتمتع بميزة المسافة الجيوسياسية – تواجه معضلة استراتيجية؛ حيث إنها تتحالف مع الولايات المتحدة من أجل الأمن، ومع الصين من أجل الاقتصاد، وفي تخلي أيٍّ منهما عنها مخاطرة كبيرة.

هناك شكوك حول ما إذا كانت مخاوف كوريا الجنوبية الدبلوماسية والاستراتيجية إزاء نفوذ الصين المتصاعد يمكن حلها ببساطة من خلال المشاركة في التحالفات الديمقراطية. ومع ذلك، فإن التعاون مع الدول ذات التفكير المماثل، على الرغم من قوة الصين المتزايدة، يرفع من احتمالية التمسك بالقيم والمعايير الليبرالية بشأن التجارة والتكنولوجيا، وفي النهاية يخدم المصلحة الوطنية. ولذلك تحتاج الولايات المتحدة إلى فهم المواقف الفريدة لكوريا الجنوبية والقوى الوسطى الأخرى التي تواجه معضلة هذا الاختيار، ووضع تدابير للتعويض عن الضرر الذي ربما يلحق بها.

ربما شعرت القوى الوسطى في كثير من الأحيان بعدم الرضا عن إطار النظام الدولي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب. وفي الوقت نفسه، سمحت مشاركتها في هذا النظام بالحفاظ على الأمن والسعي إلى اقتصاد السوق والديمقراطية والتعددية. ولذلك فإن تفضيلات هذه القوى تكمن في التحسين والتجديد، بدلاً من إلغاء أو استبدال الوضع الراهن. ونظرًا للقدرات التكنولوجية الأمريكية، فمن المرجح أيضًا أن تستمر العديد من الدول في الاعتماد على أشباه الموصلات والبرامج والتقنيات المتقدمة الأخرى في الولايات المتحدة لبعض الوقت.

يشك المجتمع الدولي في صدق مبادرات الصين المتعددة الأطراف. من بين أسباب هذا الشك سلوك بكين العدواني في بحر الصين الجنوبي والشرقي، والانتقام التجاري ضد كوريا الجنوبية وأستراليا، وقضايا حقوق الإنسان في هونج كونج وشينجيانج.

ومن جهة أخرى، يمكن للقوى الوسطى أن تلعب دورًا رائدًا في حل المشكلات التي تهم المجتمع الدولي مثل أبحاث اللقاحات وتغير المناخ والحفاظ على التجارة المفتوحة. كما يمكنها أيضًا الحصول على بعض الفرص لممارسة التأثير على القوى العظمى من خلال التفوق العددي والصوت الموحد.

وفي المقابل، ربما لا يمارس تحالف القوى الوسطى نفوذًا كافيًا لتحدي ديناميكية سياسات القوى العظمى. ولكن، إذا تمكن تحالف القوى الوسطى من سد الثغرات في النظام متعدد الأطراف والعمل كجسر يربط بين المصالح الاقتصادية أو الأمنية للولايات المتحدة والصين، فإن كلتا القوتين ستدركان فائدته وتعطيه مكانته الحقيقية. إذ لم يعد مستقبل النظام الدولي الليبرالي يعتمد فقط على قدرة واستعداد الولايات المتحدة لمواصلة توفير المنافع العامة العالمية، ولكن أيضًا على قدرة القوى الوسطى لضمان الحفاظ على النظام وتطويره.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا