تشي جيفارا.. محطات في مسيرة الثائر على العالم

ضياء غنيم

لجيفارا كتابات هامة مرتبطة بتطور مسيرته ودعمه لحركات التمرد في أمريكا الجنوبية وأفريقيا تنظيرًا وتأريخًا، أبرزها كتاب "حرب الغوريلا"، وذكريات الحرب الثورية الكوبية، ومذكرات الدراجة البخارية التي تتناول رحلة مصيرية في حياته بين بلدان أمريكا الجنوبية على متن دراجة بخارية، ويوميات بوليفيا التي تتعلق برحلته الشاقة والأخيرة.


21210 1391 10220737 0 110414063253 guevara castro 304x171 nocredit 109160730 cheguevara 1476

عاد اسم القائد الثوري الأرجنتيني/ الكوبي إرنستو تشي جيفارا إلى الظهور مجددًا، بعد الإعلان عن وفاة قاتله الضابط البوليفي، ماريو تيران سالازار، والذي وصف قتله لجيفار بـ”أسوأ لحظة في حياته”.

قاتل جيفارا في قرية فاليجراندي ببوليفيا سنة 1967، توفي عن عمر ناهز الـ80 عامًا في مدينة سانتا كروث دي لا سييرا، شرقي بوليفيا، لتسطع سيرة الزعيم الثوري في يوم رحيل قاتله، وتعيد إلى الأذهان مسيرته ضد الفقر وتحرير الشعوب وبصمته في حروب العصابات ورمزيته لدى قوى اليسار تحديدًا حول العالم، والجدل المستمر بشأن رحلته.

مولد ونشأة جيفارا

ولد إرنستو جيفارا دي لا سيرنا في 14 يونيو 1928،  الابن الأكبر بين 5 أطفال لأسرة متوسطة من أصول إسبانية/ إيرلندية في روزاريو بالأرجنتين، وبدأت رحلته مع المرض مبكرًا بمعاناته من الربو الحاد ونحالة بنيانه، لكن تمتعه بالإرادة والحماسة والحس الثوري مكنه من التغلب على تلك الصعوبات فكان رياضيًا وباحثًا.

توجه جيفارا في العام 1948 إلى بوينس آيرس لدراسة الطب. وارتحل في ديسمبر 1951 بين بلدان أمريكا اللاتينية لمدة 9 أشهر تقريبًا، وبدأ رحلته مع صديقه ألبرتو جرانادو، على دراجة بخارية أقلتهما إلى تشيلي وبيرو وكولومبيا وفنزويلا، قبل أن يستكمل الصديقان رحلتهما دون الدراجة بعد تعطلها.

الفقر والثورة

لمس جيفارا خلال رحلته حالة الفقر التي يعيشها مواطنو تلك الدول لتكون دافعه الأساسي لانتهاج الفكر الثوري المسلح بعموم أمريكا الجنوبية، معتبرًا أنها كيان ثقافي واقتصادي واحد لا مجموعة من الدول المستقلة.

لجيفارا كتابات مهم مرتبطة بتطور مسيرته ودعمه لحركات التمرد في أمريكا الجنوبية وإفريقيا تنظيرًا وتأريخًا، أبرزها كتاب “حرب الغوريلا”، وذكريات الحرب الثورية الكوبية، ومذكرات الدراجة البخارية التي تتناول رحلة مصيرية في حياته بين بلدان أمريكا الجنوبية، ويوميات بوليفيا التي تتعلق برحلته الشاقة والأخيرة.

اللقاء مع فيدل كاسترو

بدأ جيفار عمله الثوري عام 1955 بالسفر إلى المكسيك قادمًا من جواتيمالا بعد الإطاحة برئيسها جاكوبو أربنزو في انقلاب عسكري دعمته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وتعرف على زعيم الثورة الكوبية والمتمرد الحالم بالعودة لبلاده فيدل كاسترو،

استعان كاسترو بتشي كمستشار عسكري، وقاد قوات الثورة في حروب الغوريلا ضد نظام الرئيس فولجينسيو باتيستا حتى الإطاحة به عام 1959. وحصل جيفارا على الجنسية الكوبية وتولى مناصب رئيس البنك المركزي ولاحقًا وزير الصناعة، ليكون أحد أبرز قادة الثورة جنبًا إلى جانب مع الأخوان فيدل وراؤول كاسترو.

وكان جيفارا مسؤولًا عن سجن لا كابانا سيء السمعة في الفترة من 1959 إلى 1963 الذي قُتل فيه نحو 500 شخص وعُذّب عشرات  النشطاء والسياسيين وأصحاب الرأي في تلك الفترة.

الهجوم على أمريكا والاتحاد السوفيتي

ظهر التباين بين تشي ورفاقه في الحزب الشيوعي مع انتقاده لسياسات الاتحاد السوفييتي، خصوصًا بعد سحب صواريخه من كوبا عام 1962، وقادته رؤيته للدفاع عن الثورة الكوبية وإشعال الثورات الاشتراكية حول العالم في مواجهة هيمنة واستغلال نصف الكرة الأرضية الشمالي ممثلًا في الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي لنصف الكرة الجنوبي

في 11 ديسمبر 1964 ألقى خطابه الشهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، واستنكر ما يجري في الكونغو المستقلة عن بلجيكا عام 1960 عقب الانقلاب على رئيس الوزراء اليساري باتريس لومومبا واغتياله، وتدخل القوى الغربية عبر إنزال مظليين بلجيكيين في طائرات أمريكية أقلعت من قواعد بريطانية.

الثورة في إفريقيا.. والعودة إلى كوبا

بعد جهود دبلوماسية، قرر جيفارا التخلي عن مناصبه في كوبا واتجه إلى دولة الكونغو الديمقراطية في قارة إفريقيا 1965 بناءً على طلب رئيس الكونغو، لوران كابيلا، لمساعدته في الحفاظ على مناطق سيطرته في شرق وجنوب شرق البلاد.

عاد جيفارا إلى أمريكا الجنوبية ليقيم 6 أشهر في كوبا قبل أن يرحل إلى بوليفيا عام 1966، بعد فشله في إقناع كوبا الخاضعة لنفوذ سوفييتي متزايد في استكمال حروب العصابات في عموم القارة، وقاد مجموعة كوبية/ بوليفية مدربة على حرب العصابات في منطقة سانتا كروز لمواجهة الجيش البوليفي.

نهاية المسيرة.. والجدل حول رحلته

في 9 أكتوبر 1967 قُتل جيفارا على يد الجندي ماريو تيران سالازار ليدفن في فاليجراندي، قبل أن ينقل رفاته في 1997 إلى كوبا في احتفال مهيب، بقيت الصورة التي التقطها الصحفي بوكالة الصحافة الفرنسية مارك هوتن لجثمانه الصريع وعيناه المفتوحتان موضوع جدال متجدد بشأن تلك الشخصية الكاريزمية إذا ما كانت تمثل سيرة مناضل ثوري فقط أم قاتل ومجرم حرب.

يذهب البعض إلى تمجيد سيرة جيفارا حتى ممن ساهموا في قتله أو تكفينه، فوصفته الممرضة المتقاعدة سوزانا أوسيناجا بـ”القديس”، وذكر سالازار أن لحظة إطلاقه الرصاص على جيفارا كانت أسوأ اللحظات بحياته، مبينًا أن الأخير كانت عيناه تلمعان وعندما اقترب منه شعر بالدوار إلا أن تشي قال له “ابق هادئًا وصوب جيدًا فأنت ستقتل رجلًا”.

كيف قتل جيفارا؟

تشير  صحيفة الجارديان إلى عوامل عدة أدت إلى نهاية تجربة جيفارا أبرزها منحى المواجهات الذي اكتسب فيها الجيش البوليفي الأفضلية، خصوصًا مع إنهاك مجموعته المكونة من 47 شخصًا ورفض المتمردين البوليفيين الخضوع لأوامر الكوبيين، وما زاد الأمر سوءًا هو انقطاع الاتصال بين المجموعة وهافانا بعد وصولها إلى منطقة ننكاهوازو “Ñancahuazú”.

وأشارت إلى تمكن وكالة المخابرات المركزية بواسطة عملائها من تحديد موقع المجموعة، وساعدت بوليفيا التي قتلت نحو نصف المجموعة في كمين في 31 أغسطس 1967، واستسلم جيفارا بعد إصابته بجروح لكتيبة دربتها الولايات المتحدة بقيادة الضابط جاري برادو في 8 أكتوبر 1967 في قرية لا هيجيرا جنوب البلاد.

ربما يعجبك أيضا