من أجل إنقاذ اقتصادها .. هل تُتم إيران اتفاقيتها الاستراتيجية مع الصين؟

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

تعيش إيران أزمة اقتصادية طاحنة في ظل اشتداد العقوبات الأمريكية، وتزامنها مع أزمة كورونا، وفي ظل انهيار أسعار النفط العالمية. إلى جانب الإصرار الأمريكي على استمرار الضغط على إيران حتى القبول بالتفاوض مع واشنطن.

وهو ما دفع إيران إلى التوجه أكثر نحو دول الشرق، وعلى رأسها الصين؛ ففي سبتمبر 2019، انتشرت أنباء إبرام صفقة بقيمة 400 مليار دولار بين إيران والصين، أثارت ضجة إعلامیة في وسائل الإعلام.

وقد تم نشر الخبر لأول مرة في موقع “بترولیوم إیکونوميست” يوم 3 سبتمبر/ أیلول 2019، حيث يقول الموقع إنه خلال زيارة قام بها وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى بكين، نهاية شهر أغسطس/ آب 2019، تم توقيع الصفقة ومدتها 25 سنة، لكن أجزاء منها سرية ولا يتوقع نشرها.

ووفقًا للاتفاقية، تستثمر الصين 280 مليار دولار في صناعة النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية، مع ضخ جزء كبير من هذا الاستثمار في صناعة النفط والغاز الإيرانية في السنة الأولى من تنفیذ العقد الذي يمتد لـ25 سنة.

وحسب تقرير إيران إنترنشنال، من المقرر أن يستثمر الصينيون 120 مليار دولار في تطوير البنية التحتية للإنتاج والنقل في شكل اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة مع إيران، حيث من المتوقع تحقيق جزء كبير من هذا الاستثمار خلال السنوات الخمس الأولى.

وقد ذكرت مجلة “بتروليوم إيكونوميست” أنه بموجب شروط الاتفاقية، يحق للصين دفع تكلفة الإنتاج الإيراني بعد عامين، ويمكن للصين أيضًا أن تؤدي مدفوعاتها، بالعملة الصينية الرائجة، وبعملات أضعف حصلت علیها من التجارة مع أفريقيا والاتحاد السوفياتي السابق، إذا لزم الأمر، وهذا يعني أن الدولار لن يستخدم في المدفوعات من الصين إلى إيران.

وبموجب الاتفاق، تعهدت إيران ببيع النفط والمنتجات البترولية المصدرة إلى الصين أرخص من سعر اليوم بنسبة 12 بالمائة؛ إذ قامت “بتروليوم إيكونوميست” بحساب النسبة المئوية لمعدل الانخفاض في سعر صرف العملات الأجنبية التي من المتوقع أن تحصل عليها إيران من الصين مقابل الدولار، وخلصت إلى أن الصين تشتري النفط والغاز من إیران أقل من سعر السوق بـ30 بالمائة.

وستكون الشركات الصينية أيضًا في طليعة الشرکات التي ستتولی المشاریع الجدیدة، وغير المكتملة أو المتوقفة لحقول النفط والغاز الإيرانية، بالإضافة إلى تنفيذ مشاريع للبتروكيماويات في إيران.

ونقلاً عن مصدر إيراني، کتبت شركة “بتروليوم إيكونوميست” أنه بموجب الاتفاق، سيتم نشر 5000 من أفراد الأمن الصينيين في إيران لحماية مشاريع الصين، وسيكون هناك المزيد من الأفراد والمعدات لدعم الشحن النهائي للنفط والغاز والبتروکیماویات من إیران إلی الصین إذا لزم الأمر، حيث إن هذا الشحن یتم عبر الخليج.

والصفقة الجديدة مع الصين هي أيضًا جزء من برنامج طريق الحرير الأوسع للصين، ففي إطار مشروع طريق الحرير الهائل، تسعى الصين إلى إطلاق شبكة عالمية من الشحن وتوسيع نفوذها الاقتصادي من الصين إلى أوروبا.

ضمن إطار الاتفاقية، سيكون خط سكة حديد طهران – مشهد بطول 900 کیلومتر، كهربائيًا، وستتصل إيران بأنقرة عبر سكة حديد تبريز، وهو شرط أساسي للتواصل مع أوروبا. وفي حالة تنفيذ هذا المشروع، ستتصل ولایة تشينجيانج، غربي الصين، بمقاطعة خراسان عبر كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان، وستصل إلى أنقرة بعد عبور طهران وتبريز.

وقد كتبت مجلة “بتروليوم إيكونوميست” عن تقدیم حوافز لروسیا وشركات روسية، لمنع روسيا من تعطيل المشروع في آسیا الوسطی.

وبموجب الاتفاق، ستساعد الصين إيران على زيادة إنتاج النفط والغاز، حيث تعد الاستثمارات في حقل جنوب فارس للغاز (المرحلة 11) وفي حقول نفط غرب كارون، بما في ذلك حقول شمال أزاديجان ویاد آوران، من بين الوعود الطموحة التي قدمتها الصين لإيران في الصفقة.

مخاوف من التوجه نحو الصين

يعتقد كثيرون في إيران أن العلاقات الاقتصادية تميل لصالح الصين، كما أن المسؤولين الإيرانيين يرون أن الضغوط الأمريكية ستجعل بلادهم رهينة لبكين في حال اعتماد مثل هذه الاتفاقات طويلة الأجل التي ترهن قطاع الطاقة وصناعة البتروكيميائيات للصين.

وقد تجدد الحديث عن الاتفاقية الاستراتيجية مع الصين، بعدما أقرتها الحكومة، بعدما أعلنت غرفة التجارة الإيرانية – الصينية، أن الغرفة ستناقش مع وزارة الخارجية الأسبوع المقبل مسودة هذه الاتفاقية التي أقرتها الحكومة.

وقد وصفتها صحيفة “جوان” بـ”الاتفاقية الاستراتيجية بين الأسد والتنين”، في حين كتبت “فرهيختكان”: “العودة إلى الشرق في الوقت بدل الضائع”.

وناقشت صحيفة “فرهيختكان” موضوع الاتفاقية المُبرمة بين إيران والصين، وهل تأتي في الوقت المناسب أم لا؟ وذكرت الصحيفة أن الوقت ليس مُواتيًا لمثل هذه الاتفاقية المهمة بين طهران وبكين، وأنه من الصعب تطبيق هذا الاتفاق على أرض الواقع. وحسب رأي الصحيفة فإن حكومة روحاني قد أفسدت العلاقات بين إيران والصين، وأنها ومنذ تقييد بعض الصلاحيات النفطية للتعاون مع الصين جعلت الصينيين يتعاملون ببرودة تجاه طهران.

وتقول الصحيفة، إن الرئيس الصيني زار إيران بعد توقيع الاتفاق النووي، وخلال وجوده في طهران راح المسؤولون الإيرانيون يستعدون للتوجُّه إلى أوروبا، وهو ما جعل الرئيس الصيني يُغادر إيران بامتعاض وحنق.

وترى “فرهيختكان” أن تنفيذ مثل هذه الاتفاقية يتطلب إجراء تغيرات مهمة على مستوى الحكومة، كأن لا يُوجد ظريف في الخارجية، وتغيير الحكومة بشكل عام.

ويبدو أن المحافظين في إيران متشجعون إلى هذه الاتفاقية، للابتعاد عن التقارب مع الغرب الذي يراهن عليه الإصلاحيون. وبالتالي تمثل الاتفاقية الإستراتيجية بين الصين وإيران نقطة قوية لصالح المحافظين؛ لأنها ستطلب حكومة وكوادر تهتم بالتقارب مع الشرق على حساب الغرب، وهو ما يعزز من موقع المحافظين المعادين للغرب.

ويهتم رئيس البرلمان المحافظ والمقرب م الحرس الثوري، محمد باقر قاليباف، بهذه الاتفاقية، حيث عقد اجتماعا مع السفير الصيني في طهران تناول فيه أهمية العلاقة بين البلدين في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.

ويرى مراقبون أن الصين تسعى على المدى البعيد لإقامة علاقات وثيقة مع اللاعبين الرئيسيين في المنطقة بما في ذلك إيران، وذلك تمهيدًا للمرحلة التي سيتراجع فيها النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. واعتبر الخبراء أن إيران بعد هذه الاتفاقية أصبحت بمثابة حليف للصين، مشيرين إلى أن سلوك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه الصين هو السبب الأساسي في حدوث تغييرات في السياسة الخارجية الصينية لمصلحة طهران.

هذا، وتنتظر إيران من الصين التصدي للولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن، إذا ما طالبت واشنطن بتمديد حظر التسليح على إيران، أو عودة العقوبات الدولية على إيران.

ربما يعجبك أيضا