من أوروبا إلى “أم الدنيا”.. سائحة تعلم أطفال القرى مهارات الحياة

سهام عيد

تقرير: سهام عيد

“الله واحد.. ونحن جميعًا أسرة واحدة”.. بابتسامة عذبة وشعر أشقر تحدثك ديدي عن إنسانيتها، وإيمانها بحق الأطفال في التعليم، وأنها وهبت حياتها من أجلهم.

قبل سنوات جاءت سائحة أوروبية تدعى ديدي أو ديانا ساندرو إلى إحدى القرى الأكثر فقرًا في مصر، “قرية البحاروة” التابعة لمحافظة الجيزة، واستقرت بها من أجل تعليم أطفالها البسطاء، خاصة بعد أن رأت أن أغلب الأهالي يرفضون إلحاق أطفالهم بالمدارس لبعدها عن القرية كحال أغلب القرى في مصر.

قامت ديدي بشراء قطعة أرض في قرية “البحاروة”، وأنشأت منزلًا لها، ولكن بطراز خاص؛ حيث تزينت البوابة الرئيسية بالألوان الزاهية، أما الجدران والحوائط فالرسومات وهبتها الحياة، فيما احتوت الحديقة على بعض الألعاب التي يفتقدها أطفال القرية، بالإضافة إلى الأشجار المثمرة ونباتات الزينة والزهور، وبدأت تتواصل مع أهالي القرية لإقناعهم بإحضار أطفالهم إليها وتعليمهم، وبالرغم من أنهم تخوفوا من الفكرة في البداية، إلا أنهم اطمأنوا إليها فيما بعد وشجعوها، فاستقبلت العشرات من الأطفال في جنتها الصغيرة.

بيت ديدي ليس فسيحًا، ولكن الجمال يطغى عليه من كل جانب، فنهر النيل يحاوطه، والأزهار والزرع الأخضر يزينه، يتألف من طابقين، الأول به 3 حجرات إحداها خاصة بـ”ديدي”، وأخرى لتعليم الأطفال، أما الثالثة فهي مجهزة للمتطوعات من المعلمات إذا رغبت إحداهن في الجلوس لفترة أطول، أما الحديقة فتتوسطها شجرة تعلق بها أرجوحة للأطفال، وأخرى مزينة باللوحات التي تحمل عبارات بعضها باللغة العربية وأخرى بالإنجليزية ذات أثر طيب مثل “الله في كل مكان”، “احترم الحيوانات ولا تؤذها”، فيما احتوى الطابق الثاني على لوحة كبيرة بها خريطة توضح معالم المكان وموقع المدرسة في القرية، رسمتها ولونتها ديدي بمساعدة الأطفال، كما تضمنت حجرة بها ماكينتا حياكة؛ حيث تخطط ديدي لإنشاء “مشغل” خاص بالسيدات في القرية وتعليمهن الحياكة، وحجرة أخرى تحت الإنشاء لتعليم الأطفال.

“أنا اسمي ديدي -“ديانا ساندرو”- جذوري من سلوفانيا، وكنت أدرس في ألمانيا بأماكن مفتوحة، أحب التعليم بخاصة تعليم الأطفال صغار السن، لذلك قررت خوض تجربة التعليم في أماكن مفتوحة؛ حيث يشعر الطلاب براحة أكثر”، هكذا قالت ديدي.

قررت ديدي بدء مشروعها التعليمي في مصر في الأماكن الفقيرة التي تحتاج إلى التعليم، تضيف: “رسالتي هي تشجيع العائلات على احترام التعليم، ومشاركة أبنائهم في تنمية قدراتهم التعليمية”.

في البداية كانت تجربتها بسيطة، وفي هذه القرية فقط، لكنها بدأت مؤخرًا بالتواصل مع مؤسسة سوا لبدء تعميم مشروعها في معظم الأماكن بمصر.

تتراوح أعمار الأطفال المنضمين إلى مدرسة “ديدي” بين أربعة وخمسة أعوام، ويصل عددهم حتى الآن إلى 30 طفلا، وغير مقيدين بالزي الموحد، فيما يصل عدد المعلمات إلى 5 فقط؛ لذا ترحب ديدي بالمتطوعين من النساء والشباب في مساعدتها لإتمام مهمتها التعليمية؛ حيث إن فكرة المدرسة قائمة على “التبرعات” في المقام الأول.

وبالرغم من أن ديدي لا تتحدث العربية، إلا أنها لا تجد أي صعوبة في التواصل مع عائلات الطلاب، حيث إنها ترى أن الأطفال لديهم قدرة عالية على التواصل الاجتماعي، ولا يجدون صعوبة في تعلم ما تدرسه لهم.

لا تعتمد ديدي في مدرستها على تلقين الأطفال الحروف الأبجدية فقط، ولكنها تحرص على تعليمهم مهارات أخرى كقراءة القصص، والرسم، والعلوم، والأنشطة التعليمية، وتعلم ألعاب جديدة تنمي مهاراتهم، بينما يريد أولياء الأمور رؤية أبنائهم يكتبون فقط.

تتمنى ديدي أن يكون هناك المزيد من المعلمات، الذين يدركون أهمية التعليم في أول خمسة أعوام من عمر الطفل، حيث يبدأ تشكيل وعي الأطفال، وما يتم غرسه في هذه المرحلة يبقى معه طوال العمر، لذلك ترى أنه يجب عدم تقييد فكر الأطفال بمبادئ معينة وتركه يفكر ويتحدث بحرية.

كما تحلم ببناء مركب كبيرة كي تصبح مدرسة لتعليم البنات المزيد من المهارات، ودراسة علم التغذية؛ لأن الكثير من البنات هنا يجلسن في المنزل، ولا يعملن شيئا سوى الطهي، والغسيل، وإنجاب الأطفال.

“أشعر بالسعادة في أي مكان، ولكن في هذا المكان أشعر بسلام نفسي كبير خاصة عندما يأتي الليل أنام في هدوء وطمأنينة”، هكذا ختمت ديدي حديثها لـ”رؤية”.

ربما يعجبك أيضا