من أين لك هذا الجحيم يا شيموس هيني؟

شيرين صبحي

رؤية

عندما سئل الشاعر الأيرلندي شيموس هيني عن رد فعله عندما حصل على جائزة نوبل، قال: “وكأني دخلت في حالة انهيار لطيف، أنت تشعر بالرعب، عندما تفكر في الكتّاب الذين حصلوا عليها، وتشعر بالرعب عندما تفكر فيمن لم يحصلوا عليها”.

فاز هيني بجائزة نوبل عام 1995، وعندما وقف على المنصة تحدث عن “قوة الشعر لفعل شيء مؤتمن عليه”، وقال: “تمنوا على الشعر؛ لأنه وحده القادر على إقناع ذلك الجزء الرقيق من وعينا بمعرفة الصواب، على الرغم من أن كل الأدلة حولنا تشير إلى الخطأ”.

بعد نوبل فاز هيني بجائزة إليوت الشعرية عام 2006، وبعدها بأربعة أعوام نال جائزة شعرية ثالثة.

ولكن من هو هيني؟
 
ولد هيني في مثل هذا اليوم 13 أبريل 1939 وهو الابن الأكبر لتسعة أطفال لعائلة كاثوليكية تعيش في مجتمع زراعي، شمال غرب بلفاست.

عندما غادر الحياة الزراعية نحو الدراسة في مدينة ديري بعد حصوله على منحة دراسية، شعر بأنه حلق إلى السماء، حيث قال: “ذهابي للدراسة أشبه بمغادرة الأرض للسماء”.

بدأ كتابة الشعر إبّان فترة دراسته الجامعيّة ونشر بعض محاولاته في تلك الفترة باسم مستعار.

عندما نشر الشاعر شيموس هيني قصائده الأولى عام 1964؛ سأله المحرر الأدبي آنذاك” “من أين لك هذا الجحيم ياهيني”؟.

في عام 1965 تم تعيينه محاضرًا للأدب الإنجليزي في كوينز كوليج في بلفاست. 

يتميز شعره بغنائية عذبة ذات إيقاع راقص، وكانت لهيني تلك القدرة على تحويل أكبر كمية من نثر الحياة إلى أكبر كمية من الشعر.

تعج كتابات هيني بالموت، موت أصدقاء ومعارف كثيرين من جرّاء الحرب الطائفية التي دارت رحاها في أيرلندا في العقود الأخيرة. غير أنّ أشعاره الذاتية، خاصة التي كتبها إثر وفاة والدته، والأشعار الّتي نظمها في أعقاب وفاة والده، تُعدّ من أمهات الشعر الإنجليزي في الفترة المعاصرة.

كان هيني يؤكد أن شعره شديد الالتصاق بهويته الوطنية، غير أنه لم يكن شاعرا ثوريا ساخطا على بريطانيا، فكان -حسب الأدباء الإنجليز- يتميز بحس مديني في التصرف والرزانة الأخلاقية، فكان يملك من التوازن والكياسة والرقة في السلوك الشخصي والشعري، ما جعله شخصية اجتماعية نافذة في أيرلندا وبريطانيا.

ويعتبر هيني أحد أفذاذ الشعر الإنجليزي المعاصر، وقد منحته الأكاديمية البريطانية كرسي الشعر في جامعة أوكسفورد. كما حظي بشعبيّة كبيرة في أمريكا التي نصبته على عرش الشّعر المكتوب بالإنجليزية.

وصفته صحيفة الجارديان بالشاعر الأكثر شعبية، بعد روبرت فروست، وإن القراء يحبون فيه ما أحبوه في فروست، وهو التواضع وعدم ادعاء الحكمة، لقد أمضى كل منهما أوقاتا طويلة في الفنادق، لكنهما يكتبان وكأنهما يعيشان في مزرعة، وتطل نافذتهما على مشاهد ثغاء الماشية قبل التهيؤ لحلبها، وتمتد أمامهما حقول شاسعة.

روائح الأشياء العاديّة
كانت جديدة في السَّفْرَة اللّيليّة عبرَ فرنسا:
غابات وقشٌّ ومطرٌ في الأجواء
عملَت نسيمًا دافئًا في السيّارة المفتوحة.
والشّاراتُ ابيضّت بلا شفقة
مونطريه، أبيڤيل، بوڤيه
قد وُعدت، وُعدتْ، مرّت وارتحلت،
كلّ اسمٍ مَنَحَ ما يحملُه الإسمُ بذاته
يتأوّه كومباينٌ دَربَه في ساعات اللّيل أو ينزفُ
عن طرفَي الضّوء حبوبًا.
نارُ الغابة تتسامى فوق الأشجار وتخبو
تُغلق المقاهي الصّغيرة الواحد تلوَ الآخر أبوابها.
وأنا أفكّرُ فيك باستمرار
ألفَ ميلٍ جنوبًا أراحت إيطاليا
فخذها على فرنسا في الكرة الأرضيّة المعتمة.
الأشياء العاديّة لديكِ
بُعثت من جديد هناك.
 

عندما أنشد هيني قصيدته “من جمهورية الضمير”، عام 1985؛ قامت منظمة العفو الدولية، بتسمية جائزتها باسم القصيدة.

وبعدما رحل عن عالمنا في 30 أغسطس 2013، وصفه باتريك كوريغان، مدير برنامج أيرلندا الشمالية في منظمة العفو الدولية، بأنه لم يتحدّث من خلال كلماته وأفعاله باسم الناس في أيرلندا فقط، بل باسم جميع الناس في مختلف أنحاء العالم”.

وقال إنه “ذكّرنا من خلال جمال كتاباته وأناقتها بالروابط التي توحّد واجبنا في الحفاظ على كرامة جميع الناس، وفقدت أيرلندا برحيله أسطورة، فيما فقد العالم عملاقاً شامخاً من الإنسانية”.

خطرت على بالي كما شجرة الأمنيات
وشاهدتها تتسامى، بجذرها وفرعها، صوبَ السّماء،
تُجرجرُ أذيالها بكلّ ما انغرز
لضرورة بعد أخرى للشّفاء.
باللّباب والقُشور: قطعة نقديّة، دبّوسٌ ومسمار
انسابت منها كما نجم مُذّنّب
جديد الصّكّ وذائب. رأيتُ رؤيا
رأسَ فرعٍ يتسامى عبر الغيوم الرّطبة
وجهًا متضرّعًا للسّماء في المكان
الّذي انتصبت فيه الشّجرة.

ربما يعجبك أيضا