«من عاش سيعاني طوال حياته».. كيف تؤثر الحرب على أطفال غزة؟

كيف تؤثر الحرب على الصحة النفسية للأطفال الفلسطينيين؟

محمد النحاس

وجدت دراسات متفرقة أن أكثر أطفال غزة يعانون من اضطراب كرب ما بعد الصدمة.. فما هو؟ وكيف يمكن أن يؤثر عليهم؟


جرّاء الحرب المروعة التي تشنها قوات الاحتلال على غزة فقد آلاف حياتهم، في حين عانى آلاف آخرون من إصابات مروعة، وهناك أيضًا تداعيات خطيرة على الصحة النفسية لمن “نجا” منهم.

ويزيد تعداد أطفال القطاع، الذي يتعرض لعدوان غير مسبوق، عن نصف سكان غزة، أي أننا نتحدث عن أكثر من مليون طفل، وإذا ما قُدر للحرب أن تنقضي ونجا بعض منهم دون أن يفقد حياته أو يصاب فإنه سيظل يعاني من آثار نفسية خطيرة قد تؤثر على مدار الحياة.

الفلسطينيون.. معاناة لا تنتهي

تعد الصدمات النفسية، أمرًا شائعًا عند حدوث الحروب والكوارث التي هي من صنع الإنسان ومعايشة التجارب القاسية عمومًا، وتتزايد نسبة أولئك الذين يعانون منها بين الفلسطينيين جرّاء الظروف العسيرة التي يوجهونها، حيث يشكل الفلسطينيون أكبر عدد من اللاجئين في جميع أنحاء العالم.

وتسجل منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التابعة للأمم المتحدة 5.4 مليون لاجئ فلسطيني لديها في لبنان وسوريا والأردن وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

ولا تقف الأزمات التي تواجه الفلسطينيين عند هذا الحد، حيث يعيش أكثر من نصف الفلسطينيين، في المناطق سالفة الذكر، تحت خط الفقر، وفقَا لمنظمة، الطفولة التابعة للأمم المتحدة (اليونيسيف).

الأطفال في مرمى النيران

كأن هذه المشكلات والأزمات التي تواجه الفلسطينيين لم تكن كافية، حتى جاء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والذي يمكن أن يرقي لجرائم إبادة جماعية  وتطهير عرقي، ليفاقم من معانتهم، وليضيف إلى قائمة المشكلات الطويلة أزمات جديدة، إلا أن معاناة الأطفال ستكون الأسوأ.

Israel Palestinians 1 50 1697573734

تأثير الصدمات النفسية قد يمتد على مدار الحياة

وبعد العدوان الأخير، قدرت وزارة الصحة في غزة، عدد الشهداء بـ نحو 17500 بينهم 7870 طفلاً، حسب تحديثات يوم الأحد 10 ديسمبر 2023، في حين ذهب المرصد الأورمتوسطي، أن إجمالي تعداد من لقوا حتفهم يزيد عن 23 ألف شخص بما في ذلك 9077 طفل، ويرجع فارق التقدير أن الجهات الصحية تقدر من تم إحصائه ولا تدخل في ذلك من هم تحت الأنقاض أو من دفنوا دون إجراءات رسمية.

وإجمالاً، قدر المرصد الأورومتوسطي أن عدد الأطفال من ضحايا هجمات جيش الاحتلال بلغ نحو 700 ألف طفل ما بين قتيل ومصاب ومشرد من دون مأوى وأما من نجا فاضطر للاختباء في ملاجئ مكدسة في المدارس التي تديرها، الأونروا مع ندرة كبيرة في الأطعمة والمياه النظيفة.

ماذا لو نجا الطفل الغزّي؟

لا يقف الأمر عند هذا الحد، فإن لم يفقد الطفل الغزّي حياته جرّاء القصف الوحشي والعشوائي، أو يخسر بعض أفراد أسرته قد يصاب باضطراب كرب ما بعد الصدمة أو غيره من الاضطرابات والأعراض النفسية الخطيرة، والتي قد يظل يعاني من تبعاته على مدار أطوار حياته.

ومنذ 7 أكتوبر عانى أطفال غزة من ويلات القصف المكثف وشبه المستمر، على مدار الشهرين الماضيين استمرت هذه المعاناة دون أفق لنهاية محتملة، وأمام العدد الهائل من الشهداء من الأطفال خاصةً، وهو أكثر من نوعه في أي نزاع منذ التسعينات، وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش غزة بأنها أصبحت “مقبرةً للأطفال”.

تعليقًا على تبعات ذلك،  ذكرت المعالجة النفسية الإكلينيكية بـ مركز نبض الطبي، مريم هيبة، في حديثٍ لها مع شبكة رؤية الإخبارية، أن الأطفال الذين عايشوا تجارب الحرب، مثل القصف أو تجارب الفقد، أو مشاهد الإصابات والأشلاء والدماء، يواجهون مخاطر الإصابة بمجموعة من الأمراض النفسية.

أرقام مرعبة

بحسب المعالجة النفسية فإن أشهر ما يعاني منه الأطفال في هذه الظروف، اضطراب ما بعد الصدمة، مشيرةً في هذا الصدد إلى مشهد طفل في أحد مستشفيات القطاع، يرتعش خوفًا وعينه جاحظة، حيث أن هذه العلامات من أعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة.

وأظهرت الدراسات التي أجريت بعد الصراعات السابقة أن غالبية الأطفال في غزة تظهر عليهم أعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة، وقد عانت غزة خلال أعوام 2008، و2012، و2014، و2021 من حروب مع إسرائيل.

وفقًا لليونيسف، قبل الصراع السابق في عام 2021، كان طفل واحدة من كل ثلاثة أطفال في غزة بحاجة إلى رعاية من الصدمات المرتبطة بالحروب، ووجدت دراسة أجريت عام 2022 أن 80% من الأطفال ظهرت عليهم أعراض اضطرابات نفسية، وأفاد حوالي نصفهم أنهم فكروا في الانتحار، وكان ثلاثة من كل خمسة أطفال يقومومن بسلوكيات إيذاء النفس.

تأثيرات بعيدة المدى

أما عن الأطفال الذين لم يعاشوا تجارب صادمة مباشرة -إن وجدوا- مثل فقدان أحد أفراد أسرتهم أو فصف منزلهم، أو إصابة أحد معارفهم، أو رؤية الدماء والأشلاء، فإنهم لن يسلموا أيضًا في الغالب، فبحسب الدكتورة مريم هيبة قد يعانون من اضطرابات القلق بما في ذلك مشاعر اكتئاب حادة أو خوف مرضي، ويصاب بعضهم بالتبوّل اللاإرادي، واضطرابات التعلق التي تنشأ كرد فعل عن الفقد.

children are seen crying because of israeli raids

حتى قبل الحرب الأخيرة فقد ظهرت آثار الصدمات على أطفال غزة

ولا يقف الأمراض عند الأعراض النفسية، سالفة الذكر فحسب، فعلى المدى البعيد يطوّر الطفل شعور مهتز بكيانه، وبالعالم من حوله، وقد ذكرت المعالجة النفسية مريم هيبة أن الأمر يؤثر أيضًا على “علاقته بالإله ونظرته إليه”، ومتابعةً تفسر ذلك “الأطفال لا يفهمون المعاني المجردة مثل الإله، ففي حين يدعون الله أن تتوقف الحرب بينما تستمر المعارك يتساءلون عن سبب ذلك ومعناه، ما يؤدي لتأثر النزعة الدينية من منظور نفسي”.

وتوضح الدكتورة مريم هيبة لـ رؤية أن الطفل إذا تأثرت نظرته للإله، أو بقوته العظمى عمومًا، فإن ذلك يؤدي إلى تأثر أنماط علاقاته بشكلٍ أعم، وذلك لأن العلاقة بالقوة العظمى محورية للغاية في تكوين نمط العلاقات المستقبلي. وبحسب هيبة فإن سلوك الشخص يتأثر أيضًا، وإيمانه على المستوى العميق ففي حين قد يظل الفرد  مؤمنًا بمعتقداته ويمارس عباداته إلا أنه وعلى المستوى العميق “يفقد إيمانه”.

لا مكان آمن

بحسب ما ذكر الطبيب النفسي، فاضل أبو هين، الذي يعمل في غزة فإن الأطفال هم الفئات الأكثر تضررًا من الحرب الحالية، خاصةً في ظل عدم وجود أي مكان آمن يمكن الذهاب إليه، ما أشاع حالة من الخوف والهلع بينهم.

وأما عن أبرز الأعراض التي ظهرت عليهم، فهي التشنجات، والتبول اللاإرادي، والسلوك العدواني والعصبية وعدم ترك الولدين بتاتًا، حسب  تصريح سابق أدلى به أبو هين لصحيفة الجارديان البريطانية، وقد ظهرت عليهم أعراض مثل “الخوف من الظلام، والتوتر العام، والارتجاع، والكوابيس، والتجنب، وصعوبة النوم، وتذكر الصدمة التي تعرضوا لها”.

ربما يعجبك أيضا