من قصائد درويش إلى كتب محمد صلاح.. أدب كرة القدم يغازل عالم الثقافة

رنا الجميعي
محمد صلاح

بين شعراء مدحوا أساطير كرة القدم في قصائدهم، وأدباء رأوهم أشخاصًا يجرون وراء كرة، ولاعبين مثل "مو صلاح" فتحوا بوابات جديدة لقراءة بعض الأعمال.. كيف غازل نجوم الساحرة المستديرة عالم الثقافة؟


للمرة الثانية يفتح محمد صلاح بابًا جديدًا لأحد الأعمال الأدبية، فبعد ظهوره وهو يقرأ كتاب “فن اللامبالاة” يعود نجم ليفربول بقراءة كتاب “صباح استثنائي كل يوم” للمؤلف ديمون زهاريادس.

ليست المرة الأولى التي يظهر فيها محمد صلاح بصحبة كتاب، ففي عام 2018 التُقطت صورته وهو يقرأ كتاب التنمية الذاتية “فن اللامبالاة”، للمؤلف مارك مانسون، لينطلق تساؤل عن إمكانية وجود علاقة بين اللعبة الشعبية الأشهر والثقافة والأدب.. فكيف تغازل كرة القدم عالم الثقافة؟

لاعبو كرة القدم والقراءة

يرى صاحب كتاب “المثقفون وكرة القدم”، الصحفي المصري أشرف عبدالشافي، أن صلاح يُمثل استثناءً بين لاعبي كرة القدم، وأنه يتعامل كلاعب محترف، لديه مجموعة مُستشارين يُقوّمونه من كل النواحي الفنية والبدنية والذهنية والثقافية أيضًا، وحين يشعر بالإحباط يقرأ كتابًا مثل فن اللامبالاة.

وبين عبدالشافي، في تصريحات هاتفية مع “شبكة رؤية الإخبارية”، أن الصورة التي يعكسها لاعب ليفربول جيدة، وتخلق تواصلًا بينه وبين جمهوره، وأن القراءة مهمة للاعبين لأنها تخلق لديهم وعيًا ونضجًا.

المستوى الدراسي والتركيز على الكرة

كشف مؤلف كتاب “كل شيء أو لا شيء”، الناقد الرياضي محمد البرمي، أن الترويج للكتب على طريقة صلاح غير مُعتاد، بسبب المستوى الدراسي للاعبين المصريين، لكون غالبهم من ذوي التعليم المتوسط، وبالتالي اهتمامهم ينصب على كرة القدم، منوهًا بأن الاهتمام بالقراءة موجود لدى اللاعبين، خصوصًا الأجانب لاهتمامهم بتطوير ثقافتهم وأفكارهم.

وأوضح أن بعض أكاديميات كرة القدم يولي اللاعب عناية في جميع المجالات، وغير مقتصر على كرة القدم، مثل أكاديمية لاماسيا المملوكة لنادي برشلونة الإسباني. وبين أنه من النادر رؤية لاعب كرة يشارك ويتفاعل في الأنشطة الثقافية، رغم أن بعضهم شغل مناصب سياسية، مثل اللاعب الليبيري، جورج ويا، الذي أصبح رئيسًا لبلده لاحقًا، ولاعب برشلونة السابق، سلفينيو، الذي صار ناشطًا سياسيًّا.

جورج ويا

مجرد لاعب يجري وراء كرة

الفجوة بين كرة القدم والثقافة مسؤولية الكُتاب وليس اللاعبين، والقطيعة حدثت بسبب جيل من الكُتاب، منهم أنيس منصور وتوفيق الحكيم وصلاح عيسى، فالصحفي والمؤرخ المصري الراحل، صلاح عيسى، كان يعتبر لاعبي الكُرة سطحيين، وأنهم أشخاص يجرون وراء الكرة، فنظرة الكُتاب كانت حانقة دومًا على اللاعبين، والبعض رأى أنهم الأكثر شهرةً ويحصلون على أجور عالية، بحسب عبدالشافي.

ولا يلتمس مؤلف كتاب “المثقفون وكرة القدم” العُذر للكُتاب في صنع هذه الفجوة، موضحًا أن من واجبهم تغيير نظرتهم نحو كرة القدم، وإنشاء تواصل مع اللاعبين، خاصة وأن كرة القدم تعد اللعبة الأكثر شهرة، ومن خلالها يُمكن تقديم الثقافة.

محمود درويش وقصيدة مارادونا

كشف عبدالشافي أن بعض الكتاب تمكن من خلق تواصل مع لاعبي كرة القدم، فقد كتب أديب نوبل، نجيب محفوظ، في مذكراته عن حبه لكرة القدم، وأنه لعب في إحدى الفرق المحلية في صغره، وكان اللاعب الدولي حمدي نوح، ونجم النادي الأهلي المصري السابق محمود الخطيب، من أصدقاء الروائي الراحل خيري شلبي.

محمود الخطيب

وذكر أن الشاعر الفلسطيني محمود درويش كتب قصيدة عن اللاعب الأرجنتيني الراحل، مارادونا، بعنوان “لن يجدوا دمًا في عروقه بل وقود الصواريخ”، قال فيها: “ماذا فعلت بالساعة، ماذا صنعت بالمواعيد؟ مع من سنسهر بعدما اعتدنا أن نعلق طمأنينة القلب وخوفه على قدميه المعجزتين؟” منوهًا بأن درويش كان يعبر بالقصيدة عن “الونس” الذي قدّمه مارادونا للفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي.

ألبير كامو حارس مرمى

كان الروائي الفرنسي، ألبير كامو، حارس مرمى فريق كرة القدم بجامعة الجزائر عام 1930، وكتب الروائي الأورجواياني، إدوارد جاليانو، عن تجربة كامو واستفادته من كرة القدم في أمور الحياة، في كتابه “كرة القدم بين الشمس والظل” قائلًا: “تعلمت أن الكرة لا تأتي مطلقًا نحو أحدنا من الجهة التي ينتظرها منها، وساعدني ذلك كثيرًا في الحياة، وخصوصًا في المدن الكبيرة لأن الناس لا يكونون مستقيمين عادةً”.

البير كامو

الكتابة الأدبية عن كرة القدم محدودة أيضًا، فيذكر البرمي، من تلك المؤلفات “حكاية عامل غرف”، وهو كتاب ترجمه محمد الفولي واستند فيه إلى أعمال 3 أدباء أرجنتينين كتبوا عن تجاربهم الشخصية مع الساحرة المستديرة، وكتاب “كرة القدم بين الشمس والظل”، الذي يعتبر من التجارب المميزة، إضافة إلى كتاب “الهرم المقلوب” لجوناثان ويلسون، الذي يُعدّ سجلًّا توثيقيًّا لنشأة تكتيكات كرة القدم.

ادوارد جاليانو

غياب السير الذاتية العربية

السيرة الذاتية الخاصة بتجارب اللاعبين محدودة أيضًا في العالم العربي، ويرجع ذلك، في رأي البرمي، إلى أن فن السيرة الذاتية نفسه مُرتبط بالصراحة، وتقديم الشخص كما هو وليس بصورة قدّيس، ولكن عالميًّا يوجد العديد من السير الذاتية الخاصة بلاعبي كرة القدم، يذكر منها عبدالشافي السيرة الذاتية الخاصة بمارادونا.

مارادونا

وحاول البرمي، في كتابه “كل شيء أو لا شيء” أيضًا، تقديم تجربة عربية غير مألوفة عن المزج بين التجارب الإنسانية والأدبية والسيرة الذاتية بكرة القدم، مُحاولًا النظر إلى اللعبة الشعبية كنوع من الفلسفة في الحياة.

ربما يعجبك أيضا