من يتحمل مسؤولية الاختفاء القسري في العراق؟

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبد النبي

مع احتدام المعارك التي تشهدها المدن العراقية لتحريرها من قبضة تنظيم داعش، كان لافتًا عمليات الاختفاء القسري للعديد من العراقيين، والتي تزامنت مع العمليات العسكرية التي تقودها القوات العراقية المشتركة ضد داعش.. ولا تزال أعداد المختفين قسريًا في تزايد دون بلاغات رسمية من ذويهم خشية تعرضهم للقتل.. ودون أن تحرك الحكومة العراقية ساكنًا بانتظار معرفة الخاطف المجهول.

عمليات الاختفاء القسري بالعراق ليست جديدة، فقد ارتفعت وتيرتها بعد الغزو الأمريكي للعراق ووصلت لـ150 ألف معظمهم خلال فترة حكم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، ووصلت لذروتها مع دخول تنظيم داعش للعراق حيث فُقد خلال العامين الماضيين أكثر من 41 ألف يتقاسمهم التنظيم مع الحشد الشعبي، وفقا لتقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان.

تزامنت عمليات الاختفاء القسري مع العمليات العسكرية التي تقودها القوات العراقية والفصائل المشاركة لدحر تنظيم داعش، وسط مطالبات من الحكومة العراقية لإعلان نتائج التحقيقات بشأن حالات الاختفاء، لاسيما وأن وقع العراق في 2010 على اتفاقية الأمم المتحدة الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.

وتنص الاتفاقية على أنه “لا يجوز إخضاع أي شخص للاختفاء القسري” وأنه “لا توجد ظروف استثنائية أياً كانت، سواء حالة حرب أو تهديد بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة طوارئ عامة أخرى، تصلح كمبرر للاختفاء القسري”.

حالات الاختفاء

كان المرصد العراقي لحقوق الإنسان قد أعلن بالأمس عن اختفاء أكثر من ألف مدني أثناء معارك استعادة الموصل ومحافظة الأنبار، داعيًا الحكومة العراقية لإعلان نتائج التحقيقات.

وبحسب المرصد، فقد تعددت البلاغات لاسيما من محافظتي صلاح الدين والأنبار حيث تتراوح أعمارهم ما بين (15 – 60) سنة، دون أن يقدم ذوي الضحايا أي بلاغات رسمية لعدم علمهم بالجهات التي أخفتهم قسريًا وربما حفاظًا على ذويهم المختطفين.

يذكر أنه في العام الماضي، كان المرصد قد سجل اختفاء قسريا لطلبة القوات الجوية العراقية في محافظة صلاح الدين، فضلًا عن اختفاء 160 مدنيًا في محافظة نينوى التي لازالت تشهد قتالًا عنيفًا حتى الآن.

من جهته، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي محمد الكربولي اختفاء 902 مدنيين العام الماضي في قضاء الرزازة التابع لمحافظة الأنبار من قبل جماعات مسلحة.

وفي أبريل الماضي، قال النائب عن محافظة صلاح الدين في البرلمان العراقي، ضياء الدوري، إن “مصير 4000 مواطن من محافظة صلاح الدين، تم خطفهم بحوادث مختلفة ما زال مجهولاً”، محملاً رئيس الحكومة حيدر العبادي “المسؤولية القانونية والوطنية للحفاظ على حياة المختطفين، والكشف عن مصيرهم”.

وقبل أسبوع، أعلن الشيخ عامر الصالح، أحد سكان مدينة تكريت العراقية، أن أكثر من 30 مواطناً في المدينة تم اختطافهم داخل منطقة البوعجيل من قبل قوة مسلحة قامت باختطافهم داخل سيارة خاصة وتم اقتيادهم لجهة مجهولة.

أما رئيس لجنة المهجرين البرلمانية النائب عن محافظة ديالى، رعد الدهلكي،  فكشف عن احتجاز عصابات الجريمة المنظمة والميليشيات لآلاف العراقيين، وقال إن مسلسل الخطف ما زال مستمرا في العاصمة بغداد، ومحافظات الأنبار، وصلاح الدين، وديالى، وبابل، دون وجود أي رادع أو إجراءات حقيقية من الحكومة.

يضاف إلى ذلك عمليات الخطف الجماعي التي كان يقوم بها تنظيم داعش ضد المسيحيين ، وكذلك الحال بالنسبة لفصائل الحشد الشعبي التي استهدفت العناصر السنية في تكريت وصلاح الدين، دون تحديد لأعدادهم أو الأماكن التي خُطفوا إليها.

الخاطف المجهول

رغم تعدد حالات الاختفاء القسري، لا يزال الخاطف مجهولًا، وإن اتفقت الآراء على أنهم جماعات مسلحة تقوم بإطلاق النيران لاقتياد الأشخاص أثناء نزوحهم أو خلال المعارك الدائرة في العراق.

كانت مصادر عراقية توقعت أن يكون المختطفين من مناطق قريبة وقاموا باختطافهم أثناء النزوح هربًا من المعارك، فيما لفت البعض أن يكون وراء الاختطاف غايات سياسية نتيجة للصراعات العشائرية والسياسية بالموصل والتي ربما دفعت بعض الأحزاب لاستخدام نفوذها وحمل السلاح ضد من تراهم خصومها من المدنيين.

بينما يتهم المسؤولون السياسيون السُّنة بعض فصائل مليشيا “الحشد الشعبي” بالوقوف وراء عمليات الاختفاء القسري للمدنيين السنة في المناطق التي يجري استعادتها من تنظيم داعش، وينفي قادة الحشد تلك الاتهامات.

ولا أحد ينكر دور تنظيم داعش الذي وضع بصمته على هذا الملف ، بعد أن قام بإخفاء الآلاف من العراقيين بعد اختطافهم ما تسبب بمحنة كبيرة للضحايا وأسرهم، وتعرضوا لمختلف أنواع الاعتداءات الجسدية والنفسية وأُبعدوا قسرًا عن دائرة حماية القانون.

ويلجأ التنظيم والميليشيات المسلحة للاختفاء القسري كنوع من التخويف لإخضاع المختطفين للأفكار التي يحملها الإرهابيون أو الفصائل المسلحة ، وقد تستخدم كوسيلة للمعاقبة الجماعية للعوائل التي تعارض هذه التوجهات والأفكار.

من يتحمل المسؤولية؟

بالرغم من تخصيص العراق لجنة أممية لمتابعة ملف الاختفاء القسري، إلا أنها لم تجني ثمار هذه التحركات، حيث تشهد المناطق التي تواجدت فيها قوات الحشد الشعبي، جرائم اختفاء قسري تزامنت مع عمليات الإعدام والخطف والتغيب، التي ترافق المعارك التي تخوضها هذه الميليشيات، خاصة ضد تنظيم داعش.

ويرى الكاتب العراقي أحمد الملاح ، أن انعدام الدولة وتغول الميلشيات وانعدام الأمان، تسبب في عدم قدرة أجهزة الدولة الأمنية على القيام بعملها بل وتورطها في هذه العمليات.

من جانبها، دعت الحكومة العراقية إلى معاقبة ومحاكمة كل المتورطين في ارتكاب جريمة الاختفاء القسري بما في ذلك موظفو الدولة وغيرهم وفقا لخطورة أفعالهم، حتى لو تم الكشف عن مصير ومكان وجود الشخص المختفي، ولكن دون أي إجراءات رادعة قد تحد من هذه الظاهرة (الاختفاء القسري) أو إعادة المختطفين.

ومع اختفاء عشرات الآلاف من العراقيين، جاء خبر الإفراج عن الصيادين القطرين المختطفين في العراق منذ عامين مقابل فدية تدخلت فيها دولة قطر، لتتعالى الأصوات والدعوات للحكومة بسرعة التحرك لإطلاق سراح المفقودين والمخطوفين العراقيين، متسائلين عن مصيرهم ومن المسؤول عن حمايتهم؟ .. ومن سيدفع ثمن الفدية عنهم.. ذويهم المنكوبين أم الحكومة العراقية؟

ربما يعجبك أيضا