من يقف وراء تظاهرات إيران؟

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

الثورة هي صرخة الغضب التي يمتطيها الجميع، فالبداية معروفة لكنها تتوه بعد ذلك، لأن الجميع سيدعي أنه مُطلق شرارتها من أجل كسب غنيمتها.

على مدار شهور، منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استراتيجيته الجديدة ضد إيران، وهناك حالة تحول في خطاب الرئيس روحاني تجاه الخارج بما يجعله يتقارب مع المحافظين، وذلك سدًا لذريعة اتهام الإصلاحيين والمعتدلين بالخيانة، خاصة أن حكومته روحاني ما زالت تدافع عن الإتفاق النووي مع القوى الغربية وتراهن عليه في تحقيق الانفتاح الاقتصادي وكسب الاستثمارات الغربية. ولذلك سعت إيران بالتقارب بشكل أكبر مع القوى الأوروبية ومنسقة الإتحاد الأوروبي لعزل القرار الأوروبي تجاه إيران عن سياسة الرئيس الأمريكي “ترامب”.

وعلى مدار أسابيع، تطالب الصحف الإصلاحية بضرورة حل المشكلة الاقتصادية، بعدما بدأ الكثير من الإصلاحيين أنفسهم يفقد الأمل في حكومة “التدبير والأمل” في ولايتها الثانية، بعدما ظل روحاني يتذرع خلال ولايته الأولى بالفساد الذي أوجدته حكومة أحمدي نجاد السابقة. وكذلك استمرت الصحف الإصلاحية تردد “سنظل إلى جانب روحاني، لا بديل سواه”.

وهو ما يظهر أن حكومة روحاني تعيش أزمة صلاحيات في ظل وجود قوى ظل خفية تعرقل حركة حكومته، فهناك قوى المرشد الأعلى والقضاء والحرس الثوري والجيش والمراجع الدينية، وجميعهم يقلق من أي تحول اقتصادي يهدد مصالحهم قد تقدم عليه حكومة روحاني. وكذلك أي خطوة قد تتخذها هذه الحكومة تجاه محاربة الفساد.

قبل تظاهرات الخميس

اندلعت تظاهرات في يوم 28 ديسمبر 2017م في عدة مدن إيرانية، احتجاجًا على البطالة والفقر وعلى ارتفاع الأسعار وهم يرددون شعارات مناهضة للحكومة.  ولكن للوقوف على حقيقة هذه التظاهرات يجب العودة إلى ما قبلها.

حيث طالبت صحيفة آرمان امروز الإصلاحية يوم الخميس 28 ديسمبر 2017م، بضرورة اتخاذ موقف قانوني من النائب “كريمي قدوسي”، الذي يتهم حكومة روحاني ووزراءه بالخيانة والعمالة للخارج، سيما أن قدوسي محسوب على “جبهة الثبات” الذين يمثلون معارضة قوية ضد حكومة روحاني، ويندرجون تحت قائمة “جبهة القلق” التي تعارض أي خطوة تتخذها حكومة روحاني في التقارب مع الغرب، سيما مع المسألة النووية. ويندرج أيضًا تيار أحمدي نجاد تحت قائمة هذه الجبهة الأخيرة، التي تقلق من أي خطوة إنفتاحية على الغرب تتخذها حكومة روحاني.

أيضًا، يوم الأربعاء 27 ديسمبر 2017م، شن المرشد الإيراني الأعلى “علي خامنئي” هجوما على الرئيسين الحالي “حسن روحاني” والسابق “أحمدي نجاد”، معلنا تضامنه مع الشقيقين “علي” و”صادق لاريجاني” رئيسي السلطتين التشريعية والقضائية في إيران.

وقال خامنئي: “إنه لا يحق لأولئك الذين كانت جميع الصلاحيات التنفيذية والإدارية للبلاد في يدهم أمس أو يسيطرون عليها اليوم، أن يلعبوا دور المعارضة، أو أن يتحدثوا ضد النظام الإيراني”. وقال: “هؤلاء يريدون أن يكملوا المشهد الداخلي لصالح العدو”.

جاءت تصريحات خامنئي بعد سلسلة من الاتهامات المتبادلة بين الرئيس السابق أحمدي نجاد والقضاء، حيث اتهم رجال القضاء بالرشوة والفساد وتسييس ملف حكومته السابقة. فقد اعتقل القضاء ما يقارب 190 من أنصار “نجاد” في طهران خلال الأيام الماضية. وأيضًا من جانب روحاني كانت هناك تلميحات بفساد القضاء ، كما أن روحاني لطالما عبر عن حق الشارع الإيراني في التعبير عن رأيه والتصدي للفساد، في خطوة يهدف منها إلى الحفاظ على قوة الظهير الشعبي له.

كما أن هذه التظاهرات تأتي بعدما قدّمت الحكومة الإيرانية خطتها للميزانية الجديدة، التي تعتزم فيها رفع أسعار الوقود 50% وإلغاء الدعم عن أكثر من 34 مليون شخص. وهو ما يعني ارتفاع أسعار السلع في إيران، وهو ما عاد مؤخرًا بعد ارتفاع أسعار الدولار ومرور الوضع الاقتصادي بأزمة في ظل استمرار العقوبات الغربية على إيران وتعثر الاستثمارات الأجنبية وارتفاع نسبة البطالة.

وتأتي خطة الميزانية الجديدة، في ظل مساعي حثيثة من الرئيس روحاني لدعم القطاع الخاص والخصخصة. وهو ما يثير قلق القطاعات المنتفعة من القطاع العام مثل الحرس الثوري ومؤسسات المرشد ورجال النظام، ولذلك هاجمت صحيفة كيهان المقربة من المرشد “روحاني”، وقالت إن “حكومة روحاني رفعت الأسعار بهدف تقليص عجز الموازنة من جيوب الإيرانيين”. ووصفت الصحيفة موازنة روحاني بأنها “تمهِّد الطريق للفقر والركود والبطالة، وتضع الشعب تحت تضييقات مالية شديدة”، مضيفة أن “قطع الدعم عن جزء ضخم من الشعب، ورفع أسعار ناقلات الطاقة سيعقبه طوفان من التضخم، ويحمل الشعب أقسى الضغوط”.

كما تشهد إيران احتجاجات عمالية ضد تأخر الرواتب وانخفاض الأجور وتفشي البطالة والفقر وسوء الخدمات وسوء الرعاية الصحية والاجتماعية والمهنية بسبب الفساد المستشري في أجهزة الدولة، على فترات متقطعة. وكذلك هناك غضب جماهيري من الجهاز الإداري والخدمي وتعرض إيران لعدة زلازل وكوارث بيئية خلال الأيام الماضية.

كما أن أنصار الرئيس السابق احمدي نجاد، إلى جانب أنصار المرشح الرئاسي السابق، إبراهيم رئيسي، إلى جانب معسكر المرشد من المحافظين، لطالما يثيرون القلق والغضب تجاه حكومة الرئيس روحاني إذا ما تحركت نحو الإصلاح الاقتصادي أو الإصلاح الاجتماعي والانفتاح على العالم. خاصة أن حكومة روحاني منذ توقيع الاتفاق النووي وهي تتحضر لسياسة اقتصادية جديدة تعتزم فيها الإطاحة باقتصاد الحرس الثوري ورجال النظام، الذي تعزز في فترة الرئيس السابق أحمدي نجاد.

كذلك، تصريحات روحاني نحو مفهوم المواطنة والحريات الشخصية، ومسألة تخفيف الرقابة على زي المرأة، والحريات السياسية، كل هذه الأمور تثير سخط المحافظين عليه. 

إلى جانب، الضربات المتلاحقة التي وجهتها حكومة روحاني للقطاع المالي من أجل تطهيره، حيث أغلقت المؤسسات المالية غير المرخصة، وكذلك هيئات تهريب البضائع، وكلها مؤسسات تابعة للحرس الثوري ورجال النظام.

من يقف وراء التظاهرات؟

السمة الغالبة على هذه التظاهرات التي اندلعت الخميس الماضي في عدة مدن إيرانية، هي التظاهر ضد الغلاء، رغم رفع شعارات معارضة للمرشد الأعلى خامنئي وكذلك معارضة للدعم الذي تقدمه إيران لمليشاتها في الخارج، في سوريا ولبنان واليمن.

لكن الأجواء السياسية التي سبقت هذه التظاهرات وحجمها وأماكن إنتشارها والتصريحات الدينية والسياسية التي خرجت بعدها، تدل على أن هذه التظاهرات تستهدف حكومة الرئيس روحاني في المقام الأول، وأن كافة القوى المحافظة تستفيد من تحجيم روحاني.

وتضمّن هذه التظاهرات على شعارات مناوئة للنظام الكلي الحاكم (ولاية الفقيه)، لا يعني أن التظاهرات تستهدف النظام كله، فالتظاهرات كانت تتضمن أشخاصًا متعددي التوجهات السياسية، وهناك من يستغل مثل هذه التظاهرات لتوظيفها بما يخدم أهداف وتوجهاته السياسية. كذلك من سمة التظاهرات في إيران وحدة الشعار والشكل والتنظيم، وهو ما تفتقده تظاهرات الخميس والجمعة، مما يثير الشك حولها.

ولذلك يبدو واضحًا أن هذه التظاهرات استهدفت في المقام الأول حكومة روحاني، وهو ما يعني وقوف جهة محافظة وراءها، لكن فورة الغضب من النظام برمته وتكرار فشل الحكومات في ظل النظام الإيراني الحاكم، يُظهر أن الهدف من هذه التظاهرات بات متعددًا ولا يقتصر على مجرد تحجيم روحاني أو الإطاحة به، بل عبرت عن اتجاهات سياسية مختلفة ولو بشكل ضعيف.

ولذلك كان من العجيب أن تُرفع شعارات مثل “فلتسعد روحك يا رضا شاه” في مدينة “قم” الدينية، والتفسير أن هذا الشعار يحمل رسالة مباشرة لحكومة روحاني، حيث عانى عهد رضا شاه من أزمة كبيرة في ارتفاع الأسعار وتم الإطاحة به.

ولذلك حذر النائب الأول للرئيس روحاني، “جهانجيري” موجهًا أصابع الاتهام للمحافظين، بأن “دخان النار سيطال الجميع”. وقال جهانجيري، إن تيارًا سياسيًا يتخذ من رفع أسعار بعض السلع الغذائية وبعض المشتقات النفطية ذريعة لتوجيه الانتقادات للرئيس حسن روحاني وحكومته، عبر تشجيع الناس للخروج في مظاهرات ضد الحكومة.

وأضاف أن تيارا كهذا لن يكون في مأمن إذا أصر على اتباع هذه “السياسات الخطرة”، كما اعتبر أن الوضع العام للاقتصاد الإيراني يسير على الطريق الصحيح وأن سياسات الحكومة تحاول حماية اقتصاد البلاد من أي ضربات مفاجئة.

كما تكشف تصريحات رجال الدين الموالين للمرشد عن عدم الرضا عن حكومة روحاني، حيث قال آية الله علم الهدى، وهو ممثل المرشد في خراسان الرضوية وخطيب جمعة مشهد، انه يعترض على رفع الحكومة لأسعار الوقود، مما يزيد من ارتفاع أسعار السلع.

ضربة احتوائية

في اطار التظاهرات المعترضة على الحكومة والنظام في إيران، خرجت تظاهرة رمزية اليوم السبت، لا تتخطى 70 شابًا أمام جامعة طهران، وقد رفعوا شعارات لا تتناول مسألة الغلاء والفقر مثلما ظهر في المدن الأخرى، إنما كانت تحمل أبعادًا سياسية حيث رفعت شعارات “لا غزة ولا لبنان روحي فداء إيران” “الموت لروسيا” “الطالب يموت ولا يقبل بالذل” إلى جانب شعارات ضد رجال النظام.

تطور التظاهرات وخروجها من حيز الضغط على الحكومة إلى حيز مواجهة النظام، دفع النظام الإيراني إلى تكرار الضربة الاحتوائية التي وجهها في 30 ديسمبر 2009م/ 9 دي 1388 هش، للمظاهرات المعارضة العارمة للنظام ولحكومة أحمدي نجاد بعد إعلان هزيمة الزعيم الإصلاحي “ميرحسين موسوي” وهي ما عُرف بالحركة الخضراء، وسماها النظام الحاكم “تيار الفتنة”، حيث واجه النظام هذه المظاهرات آنذاك بمظاهرات مؤيدة للحكومة ولنظام ولاية الفقيه.

كذلك تكرر المشهد اليوم السبت، حيث خرجت مظاهرات مؤيدة للحكومة الإيرانية بعد يومين من احتجاجات ضدها، وتظاهر عشرات آلاف المؤيدين للحكومة والنظام في طهران وفي مدن عدة في محافظات أخرى بينها مشهد، بعد يومين من الاحتجاجات على غلاء المعيشة في البلاد. وبث التلفزيون الإيراني صور هذه التظاهرات التي تأتي في ذكرى إنهاء حركة الاحتجاج الضخمة التي تلت إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد في 2009م.

ربما يعجبك أيضا