«مواطنو الرايخ».. لماذا تعجز ألمانيا عن درء تهديد اليمين المتطرف؟

رنا أسامة

وفق الداخلية الألمانية، نما عدد أنصار "مواطني الرايخ" إلى 15 ألفًا و600 بيناير 2018، بزيادة 56% عما كانت عليه في عام 2017.


خلال مداهمات في النمسا وألمانيا وإيطاليا، الأسبوع الماضي، اعتقل 3 آلاف ضابط شرطي 25 شخصًا لهم صلات مزعومة بحركة “مواطني الرايخ” اليمينية المتطرفة.

وقال المدعي العام الألماني، بيتر فرانك، إن المعتقلين وعشرات من أنصارهم يشتركون في هدف واحد، هو “القضاء على نظام الدولة في ألمانيا، باستخدام العنف والوسائل العسكرية”، حسب ما نشرت مجلة “فورين بوليسي“، أمس الاثنين 19 ديسمبر 2022.

رؤى متطرفة لأنصار «مواطني الرايخ»

ما نشرته “فورين بوليسي” كان تحليلًا يقول بأن الرؤى الأيديولوجية لأنصار “مواطني الرايخ” تتراوح من رفض الديمقراطية إلى التطرف اليميني، وتحريف التاريخ، ومعاداة السامية، وإنكار المحرقة النازية لليهود المعروفة بـ”الهولوكوست”.

ويسود اعتقاد بين هؤلاء بأن التعاليم والممارسات الغامضة والميتافيزيقية، من شأنها أن تقود إلى معرفة وتحقيق الذات، وفق التحليل الذي كتبه توماس أو فالك، وهو صحفي مستقل ومحلل سياسي مقيم في المملكة المتحدة.

مواطنو الرايخ

«انقلاب» غير منطقي

عمليًّا، أشار التحليل إلى أن خطة “الانقلاب” المزعومة لحركة “مواطني الرايخ” انطوت على مهاجمة ساسة ألمان، واقتحام البرلمان الألماني (البوندستاج) والإطاحة بالحكومة الفيدرالية الألمانية، وحل القضاء، والاستيلاء على الجيش الألماني.

وحسب التحليل، تشوب السيناريو الذي وضعته الحركة اليمينية المتطرفة، غرابة ولا منطقية، بالنظر إلى استقرار هذه الهياكل الديمقراطية على مدى الأعوام الـ75 الماضية. ومع ذلك، فإن السخرية التي واجهت “مواطنو الرايخ” مكنتها من الانتشار على نحو أعاق السلطات الألمانية عن مواجهة تهديداتها.

ليست جماعة سرية

على النقيض من “الحركة الاشتراكية الوطنية السرية”، وهي خلية إرهابية ألمانية تضم نازيين ويمينيين متطرفين، تأسست في عام 1998 ولم يكشف عنها إلا في عام 2011، ليست حركة “مواطني الرايخ” جماعة سرية بعيدة عن أعين السلطات في ألمانيا، وهي معروفة كذلك لدى قطاع عريض من الجمهور.

وربط التحليل ذلك بأسباب ليس أقلها أن “مواطني الرايخ” تضم عناصر على استعداد لبث معتقداتها، ليس فقط خلال تجمعات أو أحداث كبرى، لكن أيضًا عبر إجراء مقابلات تليفزيونية.

مواطني الرايخ

مصطلح شامل

يشير التحليل إلى أن “الرايخ” مصطلح شامل يطلق على أفراد وجماعات ومنظمات تؤمن بأن جمهورية ألمانيا الاتحادية ليست دولة قانونية بموجب القانون الدولي، ومن ثم فإنها ليست موجودة من الأساس.

وبدلًا من ذلك، يرون أن “الرايخ الألماني”، الذي عادة ما يستند إلى حدود ألمانيا لعام 1871، لا يزال النظام المعتمد قانونيًّا، وإن كان يخلو حاليًّا من سلطة دولة بحكم الأمر الواقع. ونظرًا إلى أن “مواطني الرايخ” تضم عناصر غير متجانسة أيديولوجيًّا، يشار إليها على أنها حركة لا مجموعة.

خصائص مشتركة

وفق بحث أجراه “معهد ديموس براندنبوج“، وهو منظمة مجتمع مدني ألمانية معنية بمحاربة اليمين المتطرف وتعزيز الديمقراطية، يشترك عناصر “مواطني الرايخ” في خصائص رئيسة، بما في ذلك أنهم رجال عازبون، وكبار سن معزولون اجتماعيًّا، يبالغون في إظهار تقديرهم لذاتهم.

وغالبًا ما يكون عناصر “مواطني الرايخ” مصابين بجنون العظمة، ويفتقرون إلى الشعور بالثقة، ما يجعلهم أكثر إيمانًا بمعتقدات ونظريات تآمرية، حسب البحث ذاته.

1250 متطرف يميني ألماني في 2022

عدم تجانس “مواطني الرايخ” أيديولوجيًّا يسمح بظهور عناصر يمينية متطرفة مختلفة الرؤى، بما فيها النزعة القومية العدائية، والعداء للغرباء، والاستخفاف بجرائم النازية أو إنكارها. وفي عام 2022، صنفت وزارة الداخلية الألمانية 1250 فردًا مرتبطًا بحركة “الرايخ” على أنهم متطرفون يمينيون.

وفيما يكفر أنصار “الرايخ” بالدولة الألمانية، يرفضون المستندات الحكومية، مثل رخص القيادة، ويعتمدون بدلًا من ذلك على وثائقهم الخاصة. وفي عام 2021، تقدم ضابط شرطي ألماني، يزعم انتمائه إلى هذه الحركة، بطلب للحصول على بطاقة هوية كمواطن من “مملكة بروسيا”، وجرى إيقافه عن الخدمة.

وثائق مواطني الرايخ

مشكلة خطيرة

تهديدات “الرايخ” تجاوزت رفض أنصارها دفع ضرائب وغرامات، أو الامتثال لأوامر حكومية وقرارات إدارية، إلى الاعتداء لفظيًّا وجسديًّا على موظفين حكوميين وضباط شرطة، ما يجعلها تمثل مشكلة خطيرة للسلطات الألمانية، حسب تحليل “فورين بوليسي”.

وفي هذا الصدد، أشار التحليل إلى قتل أحد أنصار “الرايخ” ضابط شرطة وجرح اثنين آخرين، بالقرب من نورمبرج في عام 2016. وفي أعقاب هذه الحادثة، خضعت الحركة اليمينة المتطرفة لمراقبة أمنية في أنحاء ألمانيا كافة، وأعلن المكتب الاتحادي لحماية الدستور الألماني أنها “حركة مناهضة للدولة”.

استخفاف أمني ألماني

مدير مركز أبحاث معاداة السامية والتطرف اليميني، التابع لمركز “موسى مندلسون” بجامعة بوتسدام، جيديون بوتش، حذر عبر الإذاعة الألمانية في عام 2021، من استخفاف السلطات الأمنية الألمانية بإرهاب اليمين عمومًا.

وقال بوتش: “في ألمانيا، تفترض (السلطات) دائمًا أنهم (العناصر اليمينية المتطرفة) أغبياء، لا يقوون على تنفيذ تهديداتهم، وأنهم يتحدثون كثيرًا، وتخيلاهم عنيفة، لكنهم لا ينفذون أيًّا منها”. ووفق الداخلية الألمانية، نما عدد أنصار “الرايخ” إلى 15 ألفًا و600 في يناير 2018، بزيادة 56% عن عام 2017.

شعبية متزايدة خلال احتجاجات «كوفيد-19»

اعتبارًا من ديسمبر 2022، اشتبهت وزارة الداخلية الفيدرالية الألمانية في ارتباط 23 ألفًا بحركة “موطني الرايخ“، بينهم 2100 شخص أبدوا استعدادهم لاستخدام العنف. وقال رئيس المكتب الفيدرالي لحماية الدستور الألماني، توماس هالدينوانج، إن شعبية الحركة تنامت أخيرًا، خاصة خلال جائحة كورونا.

وجلبت الاحتجاجات المناهضة لقيود كورونا في ألمانيا أعضاء إضافيين إلى “الرايخ”، مدفوعين بخطابات حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، التي نددت بما أسمته “ديكتاتورية كورونا”، داعية لمواءمة سياسات الصحة العامة مع قانون التمكين لعام 1933، الذي مهد لديكتاتورية أدولف هتلر.

احتجاجات كوفبيد في ألمانيا

توغل يميني داخل الجيش الألماني

لسنوات، حذر خبراء من توغل شبكات يمينية في داخل أجهزة الأمن الألمانية والجيش الألماني. في يوليو 2020، حلت وزيرة الدفاع الألمانية آنذاك، أنجريت كرامب-كارينباور، كتيبة من وحدة القوات الخاصة التابعة للقوات المسلحة الألمانية، كوماندو سبيزيالكريفتي، بعد تداول صور لأعضائها يؤدون التحية لهتلر.

ورغم تهديد اليمين المتطرف لسيادة القانون الألماني، لا تزال ألمانيا عاجزة عن مواجهته “في ظل عالم معقد بأزمات وتحديات تحيد بالناس بعيدًا عن الديمقراطية”، وقد تضفي مللًا وتعقيدًا على مواجهة تلك التهديدات. لذا، أوصى التحليل السلطات الألمانية بإجراء التحليلات والتدابير الوقائية اللازمة.

ربما يعجبك أيضا