موجة جديدة للتطهير الأكاديمي.. إيران تطرد الأساتذة الإصلاحيين

إسراء عبدالمطلب
عملية تطهير جديدة في إيران

طرد الأساتذة المتميزين في إيران واستبدالهم بآخرين يفتقرون إلى الكفاءة العلمية من أجل وجهات نظرهم المشتركة مع أيديولوجية الحكومة.


بدأت الحكومة الإيرانية، في الأشهر الأخيرة، حملة تطهير أكاديمي أسفرت عن طرد الإصلاحيين والأساتذة المستقلين من الجامعات.

وقال تقرير لموقع المونيتور الإخباري الأمريكي إن الحملة التطهيرية للرئيس، إبراهيم رئيسي، تذكّر بسياسة سلفه، محمود أحمدي نجاد، في أعقاب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في العام 2009.

حملة تطهير جديدة في إيران

حملة تطهير جديدة في إيران

عمليات تطهير لمدرسين جامعيين

حسب تقرير المونيتور، اكتسبت الموجة الجديدة من عمليات التطهير زخمًا، بعد احتجاجات واسعة النطاق اندلعت في إيران، سبتمبر الماضي، بعد مقتل الشابة مهسا أميني البالغة 22 عامًا في حجز شرطة الأخلاق، وتخلل تلك التظاهرات غير المسبوقة مقتل المئات على أيدي قوات الأمن.

وأعربت الجمعية العلمية الطلابية بجامعة العلامة الطباطبائي عن مخاوفها، في بيان صدر في 5 فبراير الماضي، اعترافًا منها بالسياسة الجديدة التي تستهدف الأساتذة، قائلة: “اكتشفنا مؤخرًا أن أساتذة جامعات في جميع أنحاء البلاد، من طهران إلى كردستان، فُصِلوا من العمل”.

اقرأ أيضًا| انخفاض ودائع البنوك الأمريكية بأكبر وتيرة منذ مارس

دعم الطلاب

على ما يبدو كان هؤلاء الأساتذة المفصولين، يدعمون الطلاب الذين احتجوا ضد الحكومة، خلال الاضطرابات. وفي غضون ذلك، تقاعد 9 أساتذة من كلية العلوم السياسية في فرع وسط طهران من جامعة آزاد بنحو غير متوقع، وأعلنوا انتهاء تعاونهم.

ونقل تقرير المونيتور عن الأستاذة في كلية العلوم السياسية بجامعة آزاد بطهران، سوزان سافا فيردي، أن “الفصل جماعي لأساتذة الجامعة”، مشيرة إلى أن هذه الإجراءات تعني في الواقع “التطهير”.

هل تحيا إيران حياة سعيدة يومًا ما؟

من بين ضحايا التطهير الأكاديمي، عالم الاجتماع المعروف، سعيد مدني، الذي اعتُقل عام 2022 وحُكم عليه مؤخرًا بالسجن 9 سنوات، علاوة على ذلك، فإن أستاذ القانون المرموق في جامعة طهران، محسن برهاني، على وشك الطرد بعد إظهار دعمه للمتظاهرين، وانتقاده العلني للمحاكمات التي أسفرت عن أحكام بالإعدام.

وجرى طرد أستاذ العلاقات الدولية المعروف في جامعة طهران، آرش ريسينجاد، بسبب دعمه للطلاب المحتجين، وتأكيدًا لفصله من جامعة طهران، نشر ريسينجاد تغريدة في 23 أبريل عبر فيها عن أفكاره: “ماذا لو، يومًا ما، يمكن للعائلات الإيرانية أن تعيش حياة مزدهرة وسعيدة وكريمة في وطنهم؟ هل سأشهد ذلك اليوم؟ لا أعرف، لكني ما زلت متفائلًا”.

حرية التعبير مهددة

في فبراير،وجد  أستاذ الفلسفة في جامعة العلامة الطباطبائي، مرتضى مرديحة، نفسه من بين الأفراد الذين جرى “تعليق” أنشطتهم، كما تصدر اسم أستاذ الاقتصاد في جامعة العلامة الطباطبائي، علي سرزيم، آخر عناوين الصحف في هذا الصدد، وأكد النبأ في 2 مايو.

ووفقا للموقع الأمريكي، تسلط هذه الحالات الضوء على التأثير المؤلم للتطهير الأكاديمي على الأساتذة الذين وصفهم بـ”المحترمين”، ما يثير مخاوف بشأن حرية التعبير وتنوع وجهات النظر داخل النظام التعليمي.

عدم الكفاءة الأكاديمية

ردًا على ذلك، تناول وكيل وزارة العلوم، مرتضى فروخي، هذه القضية مدعيًّا ​​في 13 فبراير أنه “لا توجد سجلات رسمية بخصوص فصل أساتذة الجامعات بعد الاحتجاجات الأخيرة، وأنه إذا حدث أي فصل، فمن المحتمل أن يكون ذلك بسبب عدم الكفاءة الأكاديمية أو التأخير في الحصول على المؤهلات المطلوبة”، مشددًا على أنه لم يجرى فصل أساتذة لأسباب سياسية.

وواجه الكثيرون عواقب مماثلة قبل احتجاجات سبتمبر 2022، وواجه الأستاذ المعروف بإسهاماته العلمية وأبحاثه الهامة في مكافحة الفقر وعدم المساواة، رضا عميدي، أيضًا إنهاء تعاونه مع جامعة طهران، وجرى الإعلان عن هذا القرار للمرة الأولى في الأشهر الأولى من عام 2022، ما دفع 870 طالبًا وخريجًا وأستاذًا لنشر بيان اعتراضًا على هذا القرار.

نبرة مختلفة

في 21 يناير 2023، طردت جامعة شهيد بهشتي، أستاذ علم الاجتماع، محمد فاضلي، الذي كان أيضًا مستشارًا كبيرًا في حكومة حسن روحاني المدعومة من الإصلاحيين (2013-2021).

وفي الوقت نفسه، فصلت جامعة شريف للتكنولوجيا أستاذ الفلسفة الشهير، أراش أبازاري،  بسبب “عدم موافقة وزارة العلوم على مؤهله” لاستمرار عمله في الجامعة، واتخذت ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي من المتشددين والحكومة الحالية، نبرة مختلفة، إذ سعى البعض إلى التشكيك في المؤهلات الأكاديمية للأساتذة المفصولين.

تطهير سياسي

تعتبر التطورات الحالية بمثابة تذكير صارخ بحكومة الرئيس الأسبق المتشدد، أحمدي نجاد، ما يشير إلى ظهور موجة ثانية من إقالات الأساتذة خلال العقدين الماضيين.

وخلال فترة أحمدي نجاد، جرى طرد العديد من الأساتذة المشهورين ممن لديهم آراء سياسية مختلفة مع السلطات في ذلك الوقت من الجامعات. واعتبر منتقدو هذه الإجراءات فصل الأساتذة نوعًا من أنواع التطهير السياسي داخل الجامعات بهدف القضاء على الأصوات المعارضة.

حملة تطهير جديدة في إيران

حملة تطهير جديدة في إيران

تشابك الأيديولوجية مع التعليم

تمحورت المخاوف الرئيسة الأخرى حول الاستبدال المحتمل للأساتذة المطلعين بأفراد يفتقرون إلى الخبرة ويجرى توظيفهم في المقام الأول من أجل وجهات نظرهم المشتركة مع أيديولوجية الحكومة الإيرانية، ما أثار مخاوف من تدهور المعايير العلمية في البلاد وانخفاض محتمل في الجودة الأكاديمية الشاملة للجامعات.

وفي مقابلة مع المونيتور، شدد أستاذ في جامعة العلامة الطباطبائي، لم تكشف عن هويته، على التأثير الضار لهذه التسريحات والتدفق اللاحق للمعلمين الشباب المتشدد الذين كان هدفهم الأساسي هو تشابك أيديولوجيتهم مع تعاليمهم.

تراجع المعايير الأكاديمية

كشف البروفيسور عن أن هذه التغييرات أدت إلى تراجع كبير في المعايير الأكاديمية ونشر المعرفة وجودة التدريس في جامعة العلامة طباطبائي، وأدى هذا التراجع بدوره إلى ارتفاع عدد الطلاب غير المتعلمين.

وحذر البروفيسور من أن أصداء هذه الأنماط التي عادت للظهور داخل جامعات البلاد تشير إلى أن التاريخ يعيد نفسه ما قد يؤدي إلى تفاقم الوضع أكثر.

اقرأ أيضًا|  الطاقة الدولية: اقتصاد الصين العامل الأكثر أهمية لسوق النفط

 هجرة الأساتذة

من جانب آخر، نقلت المونيتور عن أستاذ قانون في طهران فضل عدم الكشف عن هويته، أنه خلال الاحتجاجات الأخيرة انحاز الأساتذة إلى الطلاب بهدف حماية الجامعة من التدخل الخارجي مثل قوات الأمن وتعزيز النهج اللاعنفي.

وشدد على عواقب هذه التطهير، مشيرًا إلى أنها تثني العلماء والخبراء عن متابعة العمل العلمي الدقيق، بالإضافة إلى أنهم يثيرون أفكار الهجرة بين العديد من الأساتذة.

مصداقية الخريجين

طرد هؤلاء الأساتذة المتميزين أو تعليقهم، مقرونًا بدخول آخرين يفتقرون إلى الكفاءة العلمية، يقوض مصداقية الجامعات في المجتمع، ما يلقي تآكل الثقة بظلال من الشك على مصداقية الخريجين الذين انتجتهم هذه المؤسسات.

وأشار أستاذ القانون إلى الخسائر المباشرة التي تكبدتها البلاد من جراء غياب مثل هؤلاء الأساتذة البارزين والمستقلين في الجامعات، مضيفًا أن خطر فصل هؤلاء الأساتذة يصبح أكثر أهمية عند الأخذ في الاعتبار أن غيابهم يمهد الطريق لصعود مؤيدي العلوم الزائفة داخل البلاد.

واختتم أستاذ القانون تصريحاته بأن فصل كل اقتصادي أو عالم سياسي مختص وذو توجه علمي، يترك مجالًا لظهور ونمو الأفراد غير العلميين وغير المستقلين الذين يؤثرون في القرارات بإيران.

ربما يعجبك أيضا