مودرن دبلوماسي| كيف يمكن للعراق تحويل تنوعه الاقتصادي إلى نمو واستقرار؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – بسام عباس

بعد ما يقرب من عِقدين من حرب عام 2003، يجد العراق نفسه على مفترق طرق، عالقًا في فخ الهشاشة ومواجهة عدم استقرار متزايد، فضلًا عن أزمات أخرى متعددة، ومن المتوقع أن يشهد العراق أسوأ أداء سنوي لنمو الناتج المحلي الإجمالي منذ سقوط نظام صدام. ومع ذلك، فحتى في خضم جائحة كورونا وصدمة أسعار النفط والاحتجاجات الأخيرة، يمكن للعراق أن يخوض طريقه نحو النمو المستدام والسلام والاستقرار وتحسين مستويات المعيشة لشعبه.

هذه هي النتائج التي توصلت إليها المذكرة الاقتصادية الجديدة التي أعدها البنك الدولي حول العراق بعنوان “الخروج من حالة الهشاشة”. ويبحث التقرير في أسباب عدم تمكن العراق من الإفلات من فخ الهشاشة، ويوضح بالتفصيل ما يمكن أن تفعله الدولة لتحويل الأزمات إلى فرص، وتنويع اقتصادها بعيدًا عن قطاع النفط، وتحقيق النمو المستقبلي. ومع ذلك، يسلط التقرير الضوء على أن المسار سيتطلب الإصرار المثابرة، وأن العراق سيواجه قدرًا كبيرًا من الغموض وعدم الاستقرار، وهو يحاول التغلب على التحديات طويلة الأمد وتغيير الوضع الراهن.

من جهته، قال “ساروج كومار جها”، المدير الإقليمي لدائرة المشرق بالبنك الدولي: “إن التنويع الاقتصادي، من خلال الإصلاحات وتطوير القطاع الخاص، أمر بالغ الأهمية للحد من التحديات المتعاقبة التي يواجهها العراق.. وتتضمن هذه المذكرة الاقتصادية خارطة طريق لمساعدة العراق وشعبه على إعادة النظر في النموذج الاقتصادي الحالي، وبناء اقتصاد أكثر تنوعًا يتيح الفرص أمام جميع العراقيين، ويعيد بناء العقد الاجتماعي. يؤكد البنك الدولي على شراكته في مساعدة العراق على المضي قدمًا في طريق الإصلاح لترسيخ السلام والاستقرار وإتاحة الفرصة لجميع العراقيين لتحقيق أعلى طموحاتهم”.

وأوضح تقرير “الخروج من حالة الهشاشة” كيف أن ثروة العراق النفطية مكّنته على مدى عدة عقود، بالدخول ضمن قائمة الدول ذات الدخل المرتفع، بينما كانت مؤسساته ونتائجه الاجتماعية والاقتصادية من نواح كثيرة تشبه بلدًا هشًا منخفض الدخل؛ إذ أدت عائدات النفط إلى تآكل القدرة التنافسية الاقتصادية للبلاد، وتقليص الحاجة إلى الضرائب، وإضعاف رباط المساءلة بين المواطنين والدولة، كما أنها أدت أيضًا إلى تعزيز الفساد.

وكشفت جائحة كورونا وصدمة أسعار النفط بوضوح مقدار ما فقده العراقيون في العقدين الماضيين. فالنظام التعليمي، الذي كان تصنيفه في قمة هرم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يقترب الآن من الحضيض. وتبلغ نسبة المشاركة في القوى العاملة في العراق 42٪، إلى جانب أنه سجَّل أحد أدنى معدلات مشاركة النساء في القوى العاملة في العالم، ويواجه العراق مستويات منخفضة من رأس المال البشري، وتدهورًا في مناخ الأعمال، وأحد أعلى معدلات الفقر بين الدول ذات الدخل فوق المتوسط.

ويحدد تقرير “الخروج من حالة الهشاشة” المسارات الرئيسية للعراق حتى يتمكن من تحقيق النمو المستدام بعد دراسة وافية لأوضاع الاقتصاد السياسي المعقدة للبلاد، مؤكدًا أن العراق يجب أن يعطي الأولوية لإعادة تركيز العملية السياسية في البلاد على التنمية، ورفع مستوى الشفافية في إدارة وتخصيص ثروته النفطية وموارده العامة. كما يؤكد التقرير على الحاجة الملحة للعراق لإعادة بناء الثقة بين المواطنين والحكومة من خلال تعزيز مشاركة المواطنين ومساءلة الحكومة في تقديم الخدمات والبنية التحتية ذات الأولوية، وتلبية احتياجات الشباب المتعلقة بالوظائف ومعالجة التفاوت الاجتماعي والاقتصادي.

وعلى الرغم من التحديات السياسية والاقتصادية التي يواجهها العراق حاليًّا، إلا أن هناك ثلاثة مجالات للتركيز يمكن أن تساعد على تحقيق تنويع النشاط الاقتصادي والنمو والاستقرار:

أولاً: يمكن أن يكون الحفاظ على السلام، في حد ذاته، محركًا قويًّا للنمو. فقد كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العراق في عام 2018 أقل بنحو الخُمس مما كان سيصبح عليه لولا الصراع الذي بدأ في عام 2014، بينما كان الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي أقل بمقدار الثلث. وفي الدول التي مرت بحلقة مفرغة من العنف والهشاشة، يعدّ اتخاذ تحالف عريض من الجهات الفاعلة للسياسات المنسقة أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على “المسارات السلمية” وإرساء حلقة إيجابية.

وخلص التقرير إلى أنه على المدى القصير، ينبغي أن يركز العراق على الإصلاحات التي توسع مظلة شبكات الأمان الاجتماعي للفئات الفقيرة والأكثر احتياجًا، وتحسن تقديم الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، وضمان وجود شفافية أكبر في عمل المؤسسات الحكومية.

ثانيًا: الاستفادة من إمكانات العراق التصديرية للمساعدة في تنويع الاقتصاد بعيدًا عن إنتاج النفط، والاتجاه نحو التجارة والتكامل. فموقع العراق الجغرافي يؤهله لأن يكون مركزًا لوجستيًا إقليميًا؛ ومع ذلك، فإن الأداء اللوجستي للعراق يتخلف عن نظرائه لدرجة أنه بدلًا من ذلك أصبح يمثل نقطة اختناق إقليمية.

ثالثًا: النهوض بالقطاع الزراعي في العراق ليكون بمثابة ركيزة أساسية لاقتصاد أكثر تنوعًا يقوده القطاع الخاص. وتمتلك قطاعات الإنتاج الزراعي، والصناعات الغذائية، والخدمات ذات الصلة، ومنها الخدمات اللوجستية والتمويل والتكنولوجيا، إمكانيات كبيرة للتوسع وخلق فرص العمل.

ولم يخضع قطاع الأغذية الزراعية لنفس المستوى من الرقابة الحكومية الذي تخضع له القطاعات الأخرى، لذلك فهو في وضع جيد لتطوير أساليب جديدة واعتماد أحدث التقنيات لتعظيم إمكاناته التنافسية.

وتستند هذه المذكرة الاقتصادية الجديدة إلى تقريرين سابقين لعام 2006 وعام 2012، وأشارا إلى حاجة العراق للانتقال من الصراع إلى إعادة التأهيل؛ ومن هيمنة الدولة إلى التوجه نحو السوق؛ من الاعتماد على النفط إلى التنويع؛ ومن العزلة إلى التكامل الإقليمي والعالمي. ويعتمد تقرير “الخروج من الهشاشة” على تلك التوصيات من خلال:
1.إجراء تحليل دقيق للهشاشة الكامنة في العراق وتحديات الاقتصاد السياسي وانعكاساتها على نموذج النمو المتنوع.
2.تحليل خصائص النمو في العراق وإمكانياته وفوائده من التنويع الاقتصادي.
3.تقييم إمكانات العراق للتجارة والتكامل الإقليمي لتحقيق النمو.
4.مراجعة أوضاع القطاع الزراعي في العراق وقدرته على دعم التنويع الاقتصادي.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا