ناشيونال إنترست | اشتباكات القوى العظمى ستعيد تشكيل الولايات المتحدة

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

في نهاية حقبة الحرب الباردة ثنائية القطب التي هيمن عليها التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، كان الكثير من الناس يأملون أو يخشون أن عالمًا جديدًا أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة قد ظهر. ولكن منذ بداية القرن الحادي والعشرين، واجهت قدرة الولايات المتحدة على العمل كقوة أحادية القطب عدة مثبطات. ومن ضمنها:

●  عدم قدرة الولايات المتحدة على الانتصار في تدخلاتها العسكرية واسعة النطاق وطويلة الأمد في أفغانستان والعراق.

●  عدم فاعلية استجابة الولايات المتحدة تجاه استيلاء روسيا على أراضي من جورجيا في عام 2008 وأوكرانيا في عام 2014.

● تنازل الولايات المتحدة عن أخذ المبادرة في صراعات ما بعد عام 2011 الجارية في سوريا وليبيا واليمن لصالح قوى خارجية أخرى، سواء كانت روسيا أو إيران أو تركيا أو جميعهم معًا.

● عجز الولايات المتحدة عن الوقوف في وجه تنامي قوة الصين من تأكيد مطالبات بحرية واسعة لبحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، بالإضافة إلى زيادة نفوذ بكين في جميع أنحاء العالم من خلال مبادرتها الحزام والطريق.

●  محاولات واشنطن الفاشلة للتقارب مع الخصوم الأمريكيين، مثلما حاول “دونالد ترامب” على وجه الخصوص مع كوريا الشمالية وحتى إيران.

●  محاولات واشنطن الفاشلة لثني حلفائها عن التعاون مع خصومها. ويعد الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان في عام 2021 والإعلان عن إنهاء الولايات المتحدة لدورها القتالي في العراق بحلول نهاية عام 2021 من أحدث العلامات على انتهاء العالم أحادي القطب الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، إذا كان موجودًا بالفعل.

وعلى الرغم من ذلك، فإن نهاية النظام العالمي أحادي القطب الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة هو أمر تم التنبؤ به منذ سنوات عديدة. وأصبح شائعًا بالنسبة للمسؤولين والمعلقين في كل من حلفاء الولايات المتحدة وخصومها أن يصفوا القوة الأمريكية بأنها آخذة في الانحدار، بينما قوة الآخرين (وخاصة قوتهم) آخذة في الصعود. وفي الواقع، تصدر تصريحات كثيرة حول نهاية النظام العالمي أحادي القطب الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة واستبداله بعالم متعدد الأقطاب في الولايات المتحدة. ومع أنها جميعًا متشابهة إلا أن الفرق الرئيسي بين هذه التصريحات هو ما إذا كان قائلوها يرون هذا الأمر إيجابيًّا أو سلبيًّا.

ولكن إذا كان هناك مَنْ يعتقد أن العالم أحادي القطب الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة قد انتهى، فلا يوجد إجماع حول نوع النظام العالمي متعدد الأقطاب الذي نشأ أو ما زال في طور النُشوء.

في الواقع، كان هناك العديد من الرؤى المتنافسة حول ما يجب أن يكون عليه العالم متعدد الأقطاب أو ما أصبح عليه.

إن نظرة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” إلى عالم متعدد الأقطاب هي نظرة لا تحل محل عالم أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة فحسب، بل أيضًا عالم تنظمه القوى العظمى – بما في ذلك روسيا – التي تحترم مجالات نفوذ بعضها البعض. بعبارة أخرى، فإن العالم متعدد الأقطاب – بالنسبة لبوتين – هو ذلك العالم الذي تخضع فيه الدول العادية لاتفاقيات تبرمها القوى العظمى.

وبينما دعا المسؤولون الصينيون أيضًا إلى عالم متعدد الأقطاب ليحل محل العالم أحادي القطب الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، يبدو أن رؤية المستقبل من وجهة النظر الصينية هي رؤية تتمحور حول الصين، إن لم تكن أحادية القطب تمامًا. فيما يتوقع مراقبون آخرون نشوء نظام عالمي صيني أمريكي ثنائي القطب. وخوفًا من أن استبعاد روسيا من المعادلة، دعا بعض المراقبين الروس إلى موازنة قطب ثالث بين الولايات المتحدة والصين تقوده روسيا.

وبالنسبة للعديد من القوى الأقل من العظمى، يتمثل جاذبية العالم متعدد الأقطاب في أنه يتيح لهم فرصة أكبر من العالم أحادي القطب لجني الفوائد من خلال لعب قوى عظمى متنافسة ضد بعضها البعض.

وبالنسبة للبعض الآخر، فإن احتمالية عدم وجود قوة عظمى عالمية مستعدة أو قادرة على الهيمنة على مناطق هذه القوى الأقل، تتيح إمكانية أن تصبح هذه القوى الصغيرة نفسها قوى مهيمنة إقليمية، بينما يرى فريق ثالث أن هذا يستلزم تبني سياسات – بما في ذلك حشد الدعم من القوى العظمى الخارجية – لضمان أن دول الجوار لا تحصل على هذا الدور.

ومع وجود العديد من الدول المختلفة التي تسعى إلى تحقيق رؤاها المختلفة، فإن ما هو موجود الآن ليس نظامًا عالميًّا متعدد الأقطاب بقدر ما هو “اضطراب عالمي متعدد الأقطاب”، وهو ما يمثل أمرًا غير طبيعي. في الواقع، كانت أنظمة النظام العالمي السابقة – سواء كانت متعددة الأقطاب أو ثنائية القطب أو أحادية القطب – جميعها غير مستقرة بطبيعتها، حيث كانت هناك دائمًا جهات فاعلة داخلها تسعى إلى تحويلها لخدمة مصالحها. وتعكس أنظمة النظام العالمي توازن القوى بين الدول في وقت معين، ولكن هذا التوازن يمكن أن يتغير بأن تصبح دولة واحدة أو أكثر أقوى اقتصاديًّا وعسكريًّا في مواجهة القوة (أو القوى) العظمى الحالية.

وفي بعض الأحيان، تغير النظام العالمي الحالي بشكل كبير، وذلك إما من خلال صراعات القوى العظمى – مثل الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية – أو الانهيار الداخلي لإحدى القوى العظمى، كما حدث في الاتحاد السوفيتي في نهاية الحرب الباردة. وعلى النقيض من ذلك، فإن التغيير الحالي من عالم أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة إلى عالم متعدد الأقطاب قد حدث بشكل تدريجي من خلال الآخرين الذين استفادوا من العديد من حسابات السياسة الأمريكية الخاطئة على مدار السنوات الماضية. ولكن حتى عندما لا يتغير النظام العالمي، فإن إمكانية القيام بذلك تظل موجودة دائمًا.

إذن، ما هو اتجاه الاضطراب متعدد الأقطاب الحالي؟ هل يتجه نحو عالم متعدد الأقطاب حيث تتعاون فيه عدد من القوى العظمى (عادةً أكثر من قوتين) مع بعضها البعض لتنظيم الصراع بين القوى الأصغر؟ أم أنه يتجه لأن يكون عالم متعدد الأقطاب يتسم بالمنافسة بين ثلاث قوى عظمى أو أكثر، ما يسمح بحرية أكبر للقوى الإقليمية ومنافسيها؟

وربما يتطور إلى عالم ثنائي القطب بين الصين والولايات المتحدة تتنافس فيه واشنطن وبكين على النفوذ على جميع الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم (يشبه إلى حد كبير ما حدث خلال الحرب الباردة السوفيتية الأمريكية). وربما سيصبح عالمًا ثنائي القطب بين الصين والولايات المتحدة أكثر تعاونًا بناءً على اتفاقية بين الولايات المتحدة والصين لتقسيم العالم إلى مناطق نفوذ. ومن المحتمل أيضًا أن يصبح عالمًا أحادي القطب تهيمن عليه صين أكثر قوة، حيث تفشل الدول الأخرى في مقاومتها. أو ربما يتجه الاضطراب متعدد الأقطاب نحو تجدد عالم أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة على الرغم من الزوال الواضح لمثل هذا النظام في السنوات الأخيرة.

من الوارد أن تحدث جميع هذه الاحتمالات خلال السنوات القليلة المقبلة أو حتى العقود القليلة القادمة. ولكن يبدو أن هناك شيئًا واحدًا مؤكدًا: حتى عندما يبدو أن نظامًا ما هو السائد، سيبذل الآخرون قصارى جهدهم لتقويضه.

للاطلاع على الرابط الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا