«ناشيونال إنترست»: الحرب الروسية الأوكرانية دقت المسمار الأخير في «نعش» الدولار

رنا أسامة

الحرب الروسية الأوكرانية تسببت في سحب البساط من تحت الدولار الأمريكي، بتعزيزها وجهة النظر القائلة إن العالم وضعه أفضل بتعددية الأقطاب والأطراف.


ألقت مجلة “ناشيونال إنترست” الضوء على تراجع هيمنة الدولار الأمريكي، على إثر الحرب الروسية الأوكرانية، المستمرة منذ 11 شهرًا.

وفي مقال نشره موقع المجلة، يوم الجمعة الماضي 23 ديسمبر 2022، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة “فلوريدا أتلانتيك”، روبرت جي. رابيل، إن الحرب عززت وجهة النظر شبه العالمية، القائلة إن العالم وضعه أفضل بتعددية الأقطاب والأطراف.

إنهاء حقبة ما بعد الحرب الباردة

حسب المقال، تسببت الحرب الروسي الأوكرانية، التي لاقت تنديدًا ورفضًا دوليين واسعين، في إنهاء حقبة ما بعد الحرب الباردة، لكن رغم ذلك التزمت دول كثيرة الحياد، ولم تحذو حذو الولايات المتحدة بفرض عقوبات على روسيا.

وفي حين أن الغرب يصور الحرب على أنها مواجهة بين الديمقراطية والاستبداد، ترى “دول الحياد” أن الأزمة تتجاوز هذه الثنائية، على نحو قد يهدد أمنها القومي، ويؤثر في الاستدامة والسلام العالميين، وسط أزمات تعرض الفئات الأكثر ضعفًا للخطر، بما في ذلك انعدام الأمن الغذائي، واللجوء والنزوح الداخلي.

3 معسكرات للحرب

نبه المقال بأن الحرب الروسية الأوكرانية أعادت تشكيل النظام الدولي والاصطفافات العالمية، بتمكين الدول من متابعة مصالحها الذاتية، من دون الاصطفاف وراء معسكر سياسي بعينه، وبصفة عامة، رأى الكاتب أن الحرب قسمت العالم إلى 3 معسكرات.

وأوضح أن المعسكر الأول تقوده الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي (ناتو)، والثاني توجهه كل من روسيا والصين، في حين يضم الثالث، وهو الأكبر، دولًا التزمت الحياد. وفي حين أن دولًا محايدة كثيرة بهذا المعسكر أصدقاء أو حلفاء للولايات المتحدة، فإنها ليست خصمًا أو عدوًا لروسيا والصين.

إمساك العصا من المنتصف

تمسك دول “معسكر الحياد” العصا من المنتصف، إدراكًا بأنه في ظل التنافس العالمي على موارد شحيحة أصلًا، يصعب معاقبة أو معاداة كل من روسيا، أكبر دولة بالعالم تمتلك موارد، والصين، ثاني أكبر اقتصاد وأكبر مالك للاحتياطات الأجنبية عالميًّا.

وفي الوقت عينه، حسب المقال، لا يمكن لهذه الدول إفساد علاقتها مع واشنطن، التي ينظر إليها على أنها أقوى بلد لديه أكبر اقتصاد بالعالم. ومن ثم، ترتبط سياساتها بمصالحها الذاتية، بعيدًا عن الثنائية الأيديولوجية للحرب الباردة. بعبارة أخرى، فإن سياسات “الدول المحايدة” لم ولن تتداخل مع سياسات الولايات المتحدة.

كبح جماح الهيمنة الأمريكية

اللافت، بحسب المقال، أن دولًا عديدة بـ”معسكر الحياد” شهدت نهاية حقبة ما بعد الحرب الباردة، إيذانًا ببدء فترة جديدة، تكبح خلالها جماح الهيمنة الأمريكية، بتعددية الأقطاب والأطراف، ويغذيها عدم ارتياح إزاء “الأحادية القطبية”، التي فرضتها الولايات المتحدة على العالم، منذ غزو العراق في العام 2003.

وتقود الصين هذا المضمار بدعمها منظمات دولية، مثل منظمة شنجهاي للتعاون، أكبر منظمة سياسية واقتصادية وأمنية إقليمية بالعالم، ومجموعة “البريكس”، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وتوازي القوة الاقتصادية والسياسية والأمنية للغرب.

اليوان الصيني

نظام أكثر ديمقراطية وعدالة وعقلانية

فيما تتطلع منظمة شنجهاي للتعاون تتطلع إلى تعزيز “نظام سياسي واقتصادي عالمي، أكثر ديمقراطية وعدالة وعقلانية”، تعزز “بريكس” التحول إلى عالم متعدد الأقطاب، في حين يسعى كلاهما إلى توفير بدائل لصندوق النقد والبنك الدوليين، المهيمن عليهما غربيًّا، من خلال “بنك التنمية الجديد”.

وعلى نحو لافت، يتعزز تأثير هذه المنظمات، ويتجلى في الطلبات الرسمية، التي قدمتها دول عدة، للانضمام إلى مجموعة “بريكس”، بما في ذلك مصر والسعودية والجزائر وتركيا والأرجنتين وإيران.

إعادة نظر في الدولار

التحولات في النظام العالمي تستقي أهميتها، وفق المقال، كونها جزءًا من جهود لإضعاف هيمنة الدولار، الذي يمثل نقطة ضعف الولايات المتحدة، في وقت تعيد فيه دول عديدة، بإيعاز من الصين أو روسيا، النظر في استخدام العملة الأمريكية بصفة احتياطية أو رئيسة.

وأشار المقال إلى أن هيمنة الدولار، عملة التداول الرئيسة عالميًا، تعود إلى مؤتمر “بريتون وودز”، الذي انعقد عام 1944، عندما اتفقت 44 دولة حليفة على إنشاء نظام نقدي دولي جديد، وربط عملاتها بالدولار. ومنذاك، جرى تقويم المعاملات المالية والديون الدولية وفواتير التجارة العالمية بالدولار.

تدويل اليوان الصيني

بيد أنه منذ عام 2000، تحاول الصين تدويل عملتها الوطنية، اليوان، منتهزة فرصة انشغال دول “الناتو” بدعم أوكرانيا، وفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا، وكذلك التضامن مع تايوان.

وفي يونيو 2022، بحثت قمة “البريكس” الرابعة عشر إمكانية إنشاء “عملة احتياطية دولية جديدة”. وفي مارس 2022، توصل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، المؤلف من روسيا وأرمينيا وكازاخستان وقرغيزستان وبيلاروسيا، إلى اتفاق يقضي بالانتقال مرحليًّا إلى العملات الوطنية، مع تسوية غالبية المعاملات بالروبل.

الدولار مقابل اليوان 1

تراجع الهيمنة الدولارية

أشار المقال إلى أن الهيمنة الدولارية تراجعت، في وقت جعلت فيه روسيا من اليوان عملة احتياطية رئيسة لها. وكذلك أعلنت طهران أنها بدأت استخدام عملتها الوطنية، إلى جانب الروبل الروسي، في التجارة مع موسكو.

والإمارات، التي كانت تطرح سندات خزينة بالدولار الأمريكي، أصدرت أخرى جديدة بعملتها الوطنية، الدرهم، في حين أعلنت مصر خططًا لطرح سندات تتجاوز قيمتها 500 مليون دولار، باليوان الصيني، فضلًا عن إجرائها مقايضات ثنائية للعملات مع الصين. وأضاف بنك إسرائيل 4 عملات، بينها اليوان.

استراتيجية صينية

الأهم من ذلك، بحسب المقال، أن بكين تضع استراتيجية لإدخال العقود الآجلة للنفط الخام، والدفع مقابلها باليوان، بدلًا من الدولار، علاوة على محادثاتها “النشطة” مع السعودية بشأن تسعير مبيعات نفطية بالعملة الصينية. وكان هذا الهدف الرئيس لزيارة الرئيس شي جين بينج إلى المملكة.

وأضاف: “لا شك أنه إذا بدأت المملكة في تداول النفط باليوان، ستتراجع هيمنة الدولار في سوق النفط العالمية”. ومنذ تعويم إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، للدولار، وتعليق قابلية تحويل الذهب، مثل “البترودولار” أحد أعمدة قوة العملة الأمريكية.

فأل سيئ وضربة قاسية

ألمح المقال، في هذا الصدد، إلى أن دولًا عديدة حاولت إعادة النظر في استخدام الدولار. وبينما قد تبدو هذه المحاولات، على أساس فردي، أنها عديمة الأثر، فإنها تمثل، مجتمعة، فألًا سيئًا للعملة الأمريكية، ولاقتصاد الولايات المتحدة برمته.

وفي حين أن الجاذبية الدولية للدولار تكمن، إلى حد ما، في قدرته على الصمود، فإن “وهجه بدأ يفقد بريقه”. وخارجيًا، تجاوز الدين القومي للولايات المتحدة 31 تريليون دولار، في حين القوة الأمريكية العالمية آخذة في التراجع.

وتوقع المقال أن يسحب اليوان البساط من الدولار في غضون سنوات، لا عقودًا أو قرونًا، بما يوجه ضربة قاسية للاقتصاد الأمريكي، ويهز المكانة العالمية للولايات المتحدة.

ربما يعجبك أيضا