ناشيونال إنترست | بعد خسارة أفغانستان.. هل تخسر أمريكا العراق؟

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

يثير انهيار أفغانستان تساؤلات حول ما يشكّل انسحابًا مسئولًا. لقد استولت شبكة متمردة يبلغ حجمها أقل من ثلث حجم قوات الأمن الأفغانية على السلطة في غضون أسابيع بالرغم من استثمار الولايات المتحدة 83 مليار دولار على مدار عِقدين تقريبًا. فشلت الولايات المتحدة في إجلاء المواطنين الأمريكيين والشركاء المحليين، ما أدى إلى إجلاء في اللحظة الأخيرة من مطار كابول الدولي والذي شهد تفجيرًا انتحاريًّا مدمرًا لداعش والتخلي عن مئات الأمريكيين. وفي حين أن الكثير من الأمريكيين دعموا الانسحاب، فإن طريقة تنفيذه صدمت الأمة.

لم يكن ينبغي أن يتفاجأ القادة الأمريكيون من استيلاء طالبان السريع على السلطة. وبينما ركزت المناقشات الإعلامية على إخفاقات الاستخبارات الأمريكية، كان العامل الأكثر أهمية هو الافتراضات السيئة لدى القادة الأمريكيين حول كيف سيغير الانسحاب توازن القوة داخل أفغانستان. تقدم هذه الأخطاء دراسة حالة لتسترشد بها جهود الانسحاب الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط، على وجه التحديد في العراق. تختلف الأهداف، والنطاق، والظروف الأمنية للعمليات الأمريكية في أفغانستان والعراق اختلافًا كبيرًا، غير أن الولايات المتحدة تواجه اعتبارات مشابهة فيما يتعلق بالقدرة التشغيلية للقوات الشريكة، والشرعية الحكومية، والرغبة في القتال والتي تستحق الانتباه بينما تنسحب الدولة من العراق.

أولًا، اعتمدت الولايات المتحدة كثيرًا على قوات العمليات الخاصة الشريكة، وعززت القوات الأمريكية تطوير قوات الكوماندوز الأفغانية لتصبح قوة مؤهلة قادرة على العمل باستقلالية أكبر من القوات التقليدية لأفغانستان. قاتلت قوات الكوماندوز ببسالة ضد طالبان حتى استسلام الحكومة الأفغانية وواصلت القتال إلى جانب الميليشيات المناهضة لطالبان في وادي بنجشير بعد ذلك، بيد أن قوات الكوماندوز الأفغانية لم تستطع سد فجوة القدرة أو المرونة في قوات الأمن الوطنية الأفغانية، التي اعتمدت على التحالف من أجل الدعم اللوجيستي والجوي والاستخباراتي، وهي نقطة ضعف فشلت تقارير الكونجرس وقوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في التحذير منها.

وبصورة مماثلة، في العراق، طورت الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف جهاز مكافحة الإرهاب وحسّنت قوات الأمن العراقية لكنها لم تمنع اعتماد الاثنين على الدعم الأمريكي. إن جهاز مكافحة الإرهاب قوة حاسمة لمواجهة داعش والذي مكّن أيضًا رئيس الوزراء العراقي من اتخاذ إجراء محدود ضد الوكلاء الإيرانيين الذين يتمتعون بخلاف ذلك بحصانة شبه كاملة، إلا أن جهاز مكافحة الإرهاب يضم جزءًا من قوات الأمن العراقية ولا يستطيع ملء الفجوات الأمنية على نطاق واسع. يظل أيضًا جهاز مكافحة الإرهاب وقوات الأمن العراقية معتمدين على الدعم الجوي، والاستخباراتي الأمريكي ودعم المتعهدين. يعمل المستشارون الأمريكيون على تعزيز القدرات العراقية لملء هذه الفجوات، لكن الأمر سيستغرق وقتًا ودعمًا سياسيًّا أمريكيًّا طويل المدى لتحقيق نتائج.

ثانيًا، حددت الولايات المتحدة الأولويات الخطأ في تخفيف مخاطر الانسحاب من أفغانستان. على عكس انسحابات الرئيس دونالد ترامب التي جرى الإعلان عنها ثم إلغائها من سوريا في 2018 و2019، بدأت القوات الأمريكية الاستعداد للانسحاب من أفغانستان بعد أن انتقلت إلى دور استشاري في 2014. وفي حين أن الولايات المتحدة زودت قوات الأمن الوطنية الأفغانية بالمعدات والإمدادات التي قد تملأ مؤقتًا بعض فجوات الاكتفاء والقدرات، فإنها تجاهلت القضية الأكثر أهمية الخاصة بتعزيز كفاءة الدولة والتي تُعد ضرورية لمكافحة التمرد الخبيث ذي التوجه السياسي. لقد قللت الولايات المتحدة كثيرًا من شأن الدعم الذي احتاجته الحكومة الأفغانية لإجبار طالبان على المفاوضات.

لعل الفساد المؤسسي داخل الحكومة الأفغانية وقوات الأمن الوطنية الأفغانية كان المُسرّع الأكبر لانهيار أفغانستان. كان الفساد، وشبكات المحسوبية، والفشل في تقديم الخدمات متفشين. ونتيجة انتخابات 2014 المتنازع عليها قوضت شرعية الحكومة، وأرغمت الولايات المتحدة القادة الأفغان على تشكيل حكومة وحدة غير دستورية والتي لم تعكس إجماعًا عمليًّا بين الطوائف، وساهم إقصاء الحكومة الأفغانية من اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان في تقويض شرعيتها أكثر، وبعد ذلك، لم تُدفع رواتب الكثير من موظفي الخدمة المدنية والشرطة والجيش الأفغاني، ما أضرّ بالاحتفاظ بالموظفين داخل قوات الأمن وأشار إلى تداعي الحكومة.

تفشل الولايات المتحدة بالمثل في تعزيز شرعية وقدرة الدولة العراقية على تحمل الانسحاب الأمريكي. إن الحكومة العراقية عالقة بين حركة احتجاجية ذات توجه إصلاحي والتوسع الخبيث للوكلاء الإيرانيين داخل مؤسسات الدولة العراقية، وهو ما يحول دون الإصلاح. تدعم الولايات المتحدة جهود رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لعكس مسار العراق المتراجع لكنها فشلت في تقديم الدعم اللازم للتغلب على نفوذ وكلاء إيران. وفي حين أنه من غير المرجح أن تتراجع رغبة القوات العراقية في محاربة داعش في المدى القريب، قد تبدأ هذه الضغوط التراكمية في إضعاف فاعليتها. على سبيل المثال، استخدم الوكلاء الإيرانيون نفوذهم لتخفيض ميزانية وزارة الدفاع بنسبة 26% مع زيادة ميزانية هيئة الحشد الشعبي، التي تقدم لهم التمويل بنسبة 14%.

لا ينبغي أن تُفسَر خسارة الأحزاب السياسية الموالية لإيران للمقاعد البرلمانية في الانتخابات العراقية يوم 10 أكتوبر على أنها حل للمشكلة في واشنطن. إن نسبة إقبال الناخبين المنخفضة تعرض تحديًا مستمرًا، وطويل الأمد لشرعية حكومة العراق والذي يتطلب مشاركة أمريكية مستدامة.

وأخيرًا، استهانت الولايات المتحدة بالآثار المُحقِقة للاستقرار التي يحملها التواجد الأمريكي الصغير في أفغانستان. لقد تسبب الاتفاق الأمريكي أحادي الجانب مع طالبان في إضعاف معنويات قوات الأمن الوطنية الأفغانية عن طريق خلق انطباع بأن طالبان تتحكم في مستقبل أفغانستان. لقد قضى الانسحاب الأمريكي الكامل على نفوذ الحكومة الأفغانية، وهو ما حال دون المفاوضات الأفغانية التي شجعها القادة الأمريكيون. هذا أعاق أيضًا القوات الأفغانية التي كانت لا تزال تعتمد على الولايات المتحدة من أجل الدعم الجوي، واللوجيستي، والاستخباراتي وافتقرت لحافز موحد أو رواية أيديولوجية للخدمة الوطنية. انهارت قوات الأمن الوطنية الأفغانية حيث تخلى القادة والأفراد عن مواقعهم، أو تقاضوا رشوى من قادة طالبان، أو هربوا.

في العراق، قد يؤدي التراجع الأمريكي المستمر إلى نتائج مشابهة. تخفض الولايات المتحدة مهمتها لمكافحة داعش بعد نقل ثماني قواعد إلى قوات الأمن العراقية وسحب حوالي 2700 من القوات. تتمركز القوات الأمريكية التقليدية المتبقية في بغداد، وإربيل، وقاعدة الأسد الجوية في الأنبار وأنهت دورها القتالي فعليًّا. هذا الانسحاب الجزئي قلّل من رؤية الولايات المتحدة لأداء قوات الأمن العراقية ضد داعش وفي المنافسة مع الوكلاء الإيرانيين، الذين يوسعون تواجدهم المزعزع للاستقرار على طول طرق النقل الرئيسية وفي المناطق السُنية، فيما تشير إدارة بايدن إلى أن الانسحاب الكامل ربما يحدث.

من المستبعد أن يؤدي الانسحاب الأمريكي من العراق إلى سيطرة فورية لداعش على المدن العراقية مثل سيطرة طالبان، إلا أنه سيخلق فراغ سلطة مزعزعًا للاستقرار والذي قد يُسرّع إعادة تشكيل داعش. إن التعاون الجديد بين الحكومة الاتحادية العراقية وكردستان العراق ضد أقوى شبكات داعش في الأراضي المتنازع عليها قد يتداعى في ظل غياب الدعم الأمريكي المتواصل، ولا شك أن التوترات المتصاعدة بين الميليشيات الموالية لإيران، والبشمرجة الكردية، وحزب العمال الكردستاني في مناطق مثل قضاء سنجار تخاطر بإثارة التدخل المباشر من تركيا وإيران.

تحتاج الولايات المتحدة إلى خطة انسحاب مدروسة بعناية من العراق. إن الإبقاء على المستشارين الأمريكيين ضروري كثقل موازن لإيران لكنه ليس كافيًا لتحقيق ظروف أمن وحوكمة مستدامة، وسوف تواصل الولايات المتحدة مواجهة ضغط في العراق من وكلاء إيران، الذين يظلون ملتزمين بالتصعيد حتى تنسحب كل القوات الأمريكية. إن الانسحاب في العراق يشعل الاضطراب، ولا يهدئه، ويجب أن تعيد الولايات المتحدة توجيه مهمة طويلة الأمد لإرساء استقرار العراق بناءً على احتياجاته بدلًا من الاستمرار في الإذعان المضلل لإيران.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا