ناشيونال إنترست | بين الانسحاب من سوريا وأفغانستان.. هل كان أداء ترامب أفضل من بايدن؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

في ديسمبر 2018، استقال الجنرال “جيمس ماتيس” من منصبه كوزير للدفاع، ورغم أن خطاب استقالته لم يشرح سببًا محددًا، فقد كان المبرر المقبول هو أنه أقدم على ذلك بعد إحباط طويل من التعامل مع الرئيس الأمريكي آنذاك “دونالد ترامب”. القشة التي قصمت ظهر البعير كانت إعلان الرئيس في ديسمبر 2018 أنه أمر بانسحاب جميع القوات الأمريكية من سوريا.

وقد أشاد الجميع باستقالة الجنرال ماتيس/ واصفين ذلك بأنه حنكة سياسية. وحتى يومنا هذا، ظل صامتًا نسبيًّا، موضحًا بشكل أساسي أنه قام بذلك من منطلق الشعور بالاقتناع والواجب. وبعد استقالة ماتيس، أقنع البنتاجون الرئيس ترامب بإعادة النظر في أمر الانسحاب السوري الكامل. ففي أكتوبر 2019، أمر بانسحاب أكثر محدودية، فقط من شمال سوريا على طول الحدود التركية. كما سمح الرئيس السابق بوجود أقل للقوات الأمريكية في حقول النفط في شمال شرق سوريا، القريبة من الحدود العراقية. وهذا الوجود الاستراتيجي المستمر يجبر الرئيس السوري “بشار الأسد” وروسيا حتى يومنا هذا على مراقبة القوات الأمريكية داخل الحدود السورية بحذر. وفي الوقت نفسه، لم يؤد خروج القوات الأمريكية من منطقة الحدود السورية التركية، بأمر من ترامب، إلى حمام الدم الكردي المتوقع، والذي كان يخشاه الكثيرون، أو عودة تنظيم داعش، أو إلى الانهيار الكامل لمقاتلي المعارضة في مستنقع الحرب الأهلية السورية.

وفي أبريل 2021، أعلن الرئيس “جو بايدن” أنه أمر بانسحاب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر 2021. ومن المفترض أنه توصل إلى هذا القرار خلافًا لنصيحة قيادات جيشه. وتشير التسريبات الصحفية إلى أنه في شهادة سرية أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، نصح قائد القوات الأمريكية في أفغانستان الجنرال “سكوت ميللر”، الذي تقاعد بهدوء في يوليو 2021، بعدم الإقدام على مثل هذه الخطوة، ودعا بدلاً من ذلك إلى استمرار وجود القوات الأمريكية المحدود.. ولا أحد يعتقد أن وزير الدفاع “لويد أوستن”، القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم)، أو الجنرال “مارك ميلي”، رئيس هيئة الأركان المشتركة، الذي خدم أربع جولات في أفغانستان، أيّدا خطة بايدن.

وقد أدى الانسحاب الكامل من أفغانستان إلى كارثة إنسانية وسياسة خارجية للولايات المتحدة. فقد هزمت حركةُ طالبان بشكل حاسم المؤسسة العسكرية الأمريكية وحليفها الأفغاني، وسيطرت على حكومة كابول على الرغم من وجود الولايات المتحدة لمدة عشرين عامًا بهدف منع طالبان من تحقيق مثل هذا النصر. وقد تدهورت علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها في الناتو بشدة بسبب الفشل الدبلوماسي في التعامل مع الحلفاء بشكل أكثر فاعلية في عملية مغادرة أفغانستان. وقد تسبب التخلي عن أفغانستان في تشكيك الكثيرين في تصميم الولايات المتحدة والتزامها تجاه حلفائها.

وعلى الرغم من مرور عشرين عامًا، وإنفاق تريليونات الدولارات، فشل برنامج التدريب الذي صممه أفضل المفكرين في الجيش الأمريكي في غرس رغبة أساسية في الجيش الأفغاني للقتال بمفرده دون دعم الولايات المتحدة. ويضاف إلى كل هذا الضرر اللاحق بمصداقية الجيش الأمريكي وأجهزة الاستخبارات الأمريكية؛ لأنها لم تتوقع احتمالًا أكبر لانهيار فوري للقوات الأفغانية عند أي مغادرة سريعة وشاملة للولايات المتحدة.

وقد غيّر ترامب رأيه بشأن انسحاب القوات السورية بعد استقالة “ماتيس”. وعلى عكس ترامب في سوريا، دفع الرئيس بايدن بشكل سريع إلى مغادرة أفغانستان، بغض النظر عن النصائح العسكرية بعدم الانسحاب. ولو أعيد انتخاب ترامب رئيسًا واتخذ نفس الإجراء الذي اتخذه بايدن مع نفس النتائج الكارثية، فمن المحتمل أن يستعد الكونجرس لجولته الثالثة من مساءلة ترامب. ومن المحتمل أن تكون خيارات مثل هذه المساءلة أكبر بالنسبة له إذا كان، مثل بايدن، قد ألغى أيضًا العقوبات التي تمنع روسيا من بناء خط أنابيب غاز إلى ألمانيا. كان من الممكن أن تندلع الاتهامات الموجهة لترامب بالتواطؤ مع روسيا مرة أخرى، وربما تؤدي إلى إثارة تحقيق خاص للمدعي العام إلى جانب إجراءات العزل.

لقد تركت الفوضى الأفغانية التي تسببت فيها إدارة بايدن قيادتنا العسكرية في موقف رهيب. فعلى مدار عشرين عامًا، قاد نحو عشرة جنرالات أو أكثر الحملة العسكرية الأمريكية على التوالي في أفغانستان. ووصف الجميع التقدم الأساسي المستمر في بناء قوات وقدرات الجيش الوطني الأفغاني أثناء نقلهم للقيادة من واحدة إلى أخرى. بالتأكيد، لم يحذر أي من هؤلاء القادة في شهادة علنية أمام الكونجرس على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية من أن الجيش الوطني الأفغاني كان يعتمد بشكل خطير على العمود الفقري للجيش الأمريكي، وأنه قد ينهار تمامًا إذا انسحب مستشارو الولايات المتحدة والقوات الجوية الداعمة لها بشكل سريع.

ربما يكون الوقت قد حان لبدء أي مراجعة لأسلوب ما بعد فيتنام، حيث ينبغي عقد اجتماع مع هؤلاء القادة حتى يتمكنوا من التقييم بصراحة فيما بينهم، وأيضًا أمام الكونجرس، لماذا لم تنجح الاستراتيجية الأمريكية طوال هذه الفترة الطويلة في تحقيق نتيجة أفضل. كما سيتعين عليهم أيضًا شرح سبب عدم إدراكهم على مدار تلك السنوات العشرين لأي نقص في برامج التدريب الأمريكية؛ ما قد يساعد في تفسير أسباب فشل الجيش الأفغاني في الوقوف على قدميه في مواجهة طالبان، رغم عشرين عامًا من التوجيه الأمريكي.

كما أن إصرار بايدن على الانسحاب المطلق يجبر البنتاجون على مواجهة المهمة القبيحة لإعادة تقييم دوره في مجال الأمن القومي. وعندما يرفض رئيس ما اتباع أفضل نصائح القيادات العسكرية والمدنية، ما ينتج عنه كارثة، فلا خيار أمام الجيش سوى أن يجمع شتاته ويثابر. عندما واجه وزير الدفاع “جيمس ماتيس” ما رآه من مثل هذا الموقف، قرر أن أفضل خيار شخصي له هو الاستقالة، وهي مبادرة ساعدت في النهاية في تغيير قرار الرئيس ترامب فيما يتعلق بالانسحاب الكامل من سوريا. للأسف، فات الأوان الآن لتغيير ما حدث في أفغانستان. وربما الأسوأ من ذلك، أنه ليس من الواضح أنه حتى استقالة مدنية أو عسكرية رفيعة المستوى في الوقت المناسب كانت ستحدث أي فرق للرئيس بايدن بما يكفي لحمله على الموافقة على خطة انسحاب أكثر محدودية.

خلاصة القول هي أن أمر الانسحاب الكامل الذي أصدره الرئيس بايدن كشف نقاط ضعف أساسية في كيفية إدارة الحرب في أفغانستان بشكل استراتيجي. والآن سيكون على قيادات الجيش والقيادات المدنية الأخرى معرفة الخطأ الذي حدث، وسيكون أمام الكونجرس والكليات الحربية والمؤرخين العسكريين الكثير من العمل للقيام به.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا