ناشيونال إنترست | توحيد الشمال السوري هو السبيل الوحيد لتعزيز الأمن في سوريا

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

عندما عقد الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قمة ثنائية في الحادي والثلاثين من أكتوبر 2021، كانت سوريا بالتأكيد من بين المواضيع التي جرت مناقشتها. بالرغم من أن الزعيمين بعيدان عن التوصل لاتفاق بشأن سوريا والشرق الأوسط عمومًا، إلا أن الولايات المتحدة وتركيا ستستفيدان نتيجة التعاون مع دول متشابهة في التفكير لإعطاء الأولوية لسياسة تركز على البشر في سوريا. قد يكون مثل هذا التعاون أحد آخر الفرص الحقيقية أمام هذا البلد الذي تمزقه الحرب منذ عقد من الزمان.

حتى يومنا هذا، يواصل بشار الأسد بعنف إيجاد طرق لإخضاع كامل الأراضي السورية تحت سيطرة نظامه، بينما لا تساعد روسيا على تشكيل عملية سياسية ذات معنى. وهذا بدوره يزيح الشعب السوري إلى مرتبة متأخرة، في وقت تتدهور حياة الشعب إلى مجرد ركام. إن فرص السلام في سوريا فيما يبدو تتضاءل يوميًّا، كما أن الإرهاق الدولي من قضية سوريا لا يساعد هذا البلد. في الواقع، رؤية السوريين لبلدهم ومستقبلهم يتم تهميشها. 

في الوقت الراهن، يمكن أن تتحول منطقتا شمال غرب سوريا وشمال شرقها إلى دافع لإصلاح حقيقي في البلاد. يعيش ستة ملايين سوري من خلفيات متنوعة خارج سيطرة النظام في شمال سوريا. هؤلاء الناس، الذين يشكلون 40 بالمائة من سكان سوريا الحاليين، يعانون من ظروف معيشية صعبة للغاية، ومن تهجير متكرر، وغياب لحكم القانون. لقد فشلت جهود دبلوماسية سابقة لحماية المدنيين وبنيتهم التحتية وذهبت سدى. ولا يزال المدنيون السوريون يسعون لحياة أفضل لأنفسهم ولأطفالهم. إن الاستقرار في المنطقة الشمالية سيضع المجتمعات المحلية هناك على طريق أفضل، ويعزز المجتمع المدني والحُكم المحلي مع مرور الوقت.

تزعم المجموعتان المسلحتان المهيمنتان على منطقتي شمال شرق سوريا وشمال غربها-وهما “قوات سوريا الديمقراطية” و”الجيش الوطني السوري”، على التوالي- أنهما تقاتلان تنظيم داعش بالتعاون مع المجتمع الدولي. وبالرغم من أن هذا صحيح، إلا أن الهدف المشترك يعاني مشكلة لأن هاتين المنطقتين أصبحتا متنافستين في الصراع السوري؛ إذ إن الاتهامات المتبادلة بينهما لا تتوقف مطلقًا، اتُّهمت وحدات من قوات سوريا الديمقراطية بالمشاركة في حصار حلب عام 2016، ما تسبب في أكبر عملية تهجير داخلي للسوريين، فضلا عن أفعال عدائية أخرى مثل قصف أحياء مدنية. على الجانب الآخر، تُتهم بعض المليشيات داخل “الجيش الوطني السوري” بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في عفرين عقب العمليات العسكرية التركية في عام 2018. 

علاوة على هذا، هناك تباينات واضحة عندما يتعلق الأمر بمستوى الاستقرار بين الشمال الشرقي والشمال الغربي لسوريا. ويصدق هذا عندما يتعلق الأمر بقدرات بناء المجتمع المدني وحقوق الإنسان والخدمات العامة الأساسية. تمتلك منطقة شمال شرق سوريا موارد مالية أكبر من منتجات زراعية وبترولية، ويعيش فيها مجتمع أكثر تنوعًا، وتمتد هذه المنطقة على مساحة جغرافية أوسع. على الجانب الآخر، يُعد الشمال الغربي لسوريا أكثر اكتظاظًا، ويتمتع بقدرة قوية على إيصال خدمات أساسية بالرغم من استهداف النظام السوري بصورة منتظمة للمستشفيات والمدارس والموارد المائية. 

يمكن لهاتين المنطقتين الشماليتين الاستفادة من تجارب وموارد بعضهما البعض المتنوعة، لكن غياب القانون والاستقطاب السياسي وعوامل خارجية عرقلت هذا التعاون. إن الفوائد الناجمة عن وضع استراتيجية موحدة للشمال السوري يمكن أن تكون عديدة وأكثر أهمية من أي وقت مضى. 

ينبغي للولايات المتحدة وتركيا الدخول في شراكة ودعم التعاون بين هاتين المنطقتين وقيادتهما المدنية. إن هذه الشراكة يجب أن تكون قائمة على تحقيق أهداف وتركز على التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والاحترام المتبادل لحقوق الإنسان الأساسية. سيُحيّد هذا التعاون أيضًا نفوذ إيران وروسيا، اللتين أدّى تدخلهما لدعم نظام الأسد في تعميق المعاناة الإنسانية ومساعدة الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم داعش. 

هناك فوائد طويلة الأمد أخرى ستتحقق من مثل هذا التعاون، ويشمل ذلك تأسيس منصة دبلوماسية ذات مصداقية للتوسط في حوار وطني سوري جاد. إن هذا التعاون سيمنح المجتمعات في شمال شرق سوريا وشمال غربها الفرصة لإجراء مصالحة يمكن أن تعزز رؤيتهما لمستقبل سلمي لسوريا. يتعين على مواضيع هذا الحوار أن تعالج خلافات عرقية ودينية وانتهاكات حقوق الإنسان وتقوية حكم القانون. سيبدأ الحوار في معالجة الصراع والمظالم الداخلية، وينبغي أن يسعى أيضًا لخلق آليات تضمن عدم تكرار أي عمليات تهجير في المستقبل. سيشجع مثل هذا الحوار أيضًا القادة على الدفاع عن مجتمعاتهم المحلية بطريقة تعاونية تخدم مصالح منطقتي شمال شرق سوريا وشمال غربها في الوقت الراهن وفي المستقبل.

ولا شك أن انعدام الأمن الداخلي في سوريا هو نتيجة لصراع طويل الأمد في هذا البلد وينبغي معالجته على هذا الأساس. من دون دعم من الولايات المتحدة ودول ذات تفكير مماثل، ستظل مجتمعات سوريا المتنوعة في حالة تنافس وستنهار فرض السلام في نهاية المطاف. إن تجاهل نهج استراتيجي مثل هذا، سيدفع بسوريا مجددًا إلى مفرمة النظام السوري، وقد شاهدنا بأعيننا هذا الكابوس الذي لا يجب أن يتكرر.       

للاطلاع على رابط المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا