ناشيونال إنترست| لتجنب خيار الحرب.. التوصل لحل سلمي مع إيران ضروري

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

مع استئناف المحادثات النووية في فيينا الهادفة لإعادة العمل باتفاق “خطة العمل المشتركة الشاملة”، والمقصود بها ذلك الاتفاق المتعدد الأطراف الذي قيّد من برنامج إيران النووي، لا يزال هناك أمل كبير بنجاح هذه المفاوضات. إن السنوات الست الماضية لا تدع مجالًا للشك حول ما هو المسار المفضل الذي يجب اتباعه، سواء كان ذلك الاحتفاظ بالاتفاق النووي أو التخلي عنه. خلال السنوات الثلاثة التي كان فيها الاتفاق ساريًا، التزمت إيران بقيوده المنصوص عليها، كما أن جميع الطرق المؤدية لإمكانية حصول إيران على سلاح نووي ظلت مغلقة.

وفي تناقض صارخ، أظهرت فترة الثلاث سنوات التي أعقبت إلغاء ترامب الاتفاق النووي أن “سياسة الضغوط القصوى” التي اتبعها كانت فاشلة على كل الأصعدة. إن تسريع إيران لتخصيب اليورانيوم قرّبها أكثر من القدرة على تصنيع سلاح نووي لو اختارت فعل هذا، كما أصبح سلوك إيران في منطقتها أكثر عدوانية، وساهم ترك الولايات المتحدة للاتفاق في تنصيب نظام إيراني أكثر تشددًا.

لا يزال لدى الحكومتين الإيرانية والأمريكية الراهنتين حوافز للتوصل لاتفاق، ما يعني في حالة إيران احتمال تخفيف عقوبات اقتصادية قاسية مفروضة عليها. لكن هناك دينامية مؤسفة بين واشنطن وطهران تجعل التوصل لاتفاق أمرًا صعب المنال. لقد فوتت إدارة بايدن فرصة للتوصل لاتفاق مع إدارة حسن روحاني البرغماتية وذلك عندما كانت تسير بخطى بطيئة لصياغة موقفها التفاوضي، ثم محاولتها لإضافة قضايا غير نووية إلى الأجندة. لقد منحت إدارة الرئيس الإيراني المتشدد الحالي إبراهيم رئيسي سببًا إضافيًّا لعدم الوثوق في الولايات المتحدة. وفي توجه يشبه جزئيًّا التوجه الذي اتبعه ترامب تجاه سياسة سلفه، باراك أوباما، يشعر “رئيسي” بشكل واضح بحاجة لفعل شيء مختلف عما فعله روحاني. إن خرافات بشأن التوصل لـ “اتفاق أفضل” يمكن أن تسيطر على التفكير الإيراني، تمامًا كما حدث في النقاش الخاص بإيران داخل الولايات المتحدة-.

إذاً ماذا سيحدث لو فشلت محادثات فيينا؟

إن الخطاب الأمريكي حول هدف منع إيران من الحصول على سلاح نووي، تطور بطريقة مضللة، ربما لأن القضية كانت تحتل أهمية قصوى لفترة طويلة، إذ بدأت المفاوضات مع إيران بشأن هذا الموضوع منذ أكثر من عقد مضى. لقد بات يُنظر إلى هذا الهدف باعتباره أمرًا صعب المنال ينبغي أن تكون له الأسبقية على جميع المصالح الأخرى الخاصة بالشرق الأوسط. يظن العديد من المشاركين في هذا الخطاب أن حصول إيران على سلاح نووي سيكون أسوأ من أي شيء آخر يمكن أن يحدث في المنطقة. لكن هذا ليس صحيحًا.

من الجدير تذكر أن شعور إدارة أوباما بالحاجة الملحة للدخول في المفاوضات التي أسفرت عن التوصل للاتفاق النووي مع إيران كان لا يتعلق بكارثة يمكن أن تنجم عن قنبلة نووية إيرانية بقدر ما كان يتعلق بتهديد حكومة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بشن حرب بسبب تلك المسألة. لقد تغافل المعارضون المتشددون للاتفاق النووي تلك الحقيقة-باحثين عن ذخيرة خطابية ردًّا على نجاح الاتفاق النووي في إغلاق جميع الطرق المؤدية لسلاح نووي إيراني- إذْ زعموا لاحقًا بشكل غير دقيق أن إدارة أوباما ركزت بشكل محموم وضيق الأفق على هدف التوصل لاتفاق نووي، لدرجة أنها تجاهلت شواغل أخرى، مثل سلوك إيران “الخبيث” في المنطقة. وكما ذكرنا فإن أفعال إيران الخبيثة لم تزداد سوءًا بعد الاتفاق النووي ولكن بعد إلغاء ترامب للاتفاق، وما من أحد واصل بشكل محموم الحديث عن خطر السلاح النووي الإيراني أكثر من نتنياهو.

الحرب ستكون أسوأ!

إليكم أمر سيكون أسوأ من صنع إيران لسلاح نووي: حرب جديدة في الشرق الأوسط، لا سيما حرب تشمل الولايات المتحدة، يكون عنوانها منع سلاح نووي إيراني. إن شن مثل هذه الحرب سيكون فعلًا عدوانيًّا يتناقض مع القانون الدولي والتزامات الولايات المتحدة تحت ميثاق الأمم المتحدة. سيموت الكثير من الأبرياء، في الهجوم الأول وفي الرد عليه لاحقًا. ستردّ إيران بضربات عبر طرق مختلفة متاحة لها، من بينها شن هجوم مباشر وغير مباشر على أفراد أمريكيين في أماكن مثل العراق، مع تمكن حليفها اللبناني حزب الله من إمطار إسرائيل بالصواريخ. ستُصاب الخطوات الواعدة نحو تخفيف التصعيد في المنطقة بانتكاسة، كما أن احتمالات انتشار الأعمال العدائية ستتضاعف. كما ستتضاعف مستويات الكراهية ضد الولايات المتحدة بسبب دورها في العدوان، وما سينجم عن هذا من تداعيات منها وقوع هجمات إرهابية دولية على أمريكيين.

إن مثل هذا الهجوم العسكري لن يحقق الهدف الظاهري بمنع إنتاج سلاح نووي إيراني، وربما تكون له نتائج عكسية. ويتعلق هذا الأمر جزئيًّا بقدرات إيران، إذ إن البنية التحتية النووية لهذا البلد متفرقة ومحصّنة، كما أن المعرفة التقنية لمؤسساتها العلمية والعسكرية لا يمكن تدميرها.

كما أن الأمر يتعلق أيضا بالحوافز؛ فما من حافز أكبر لتطوير سلاح رادع ضد هجوم مستقبلي محتمل أكثر من كون إيران هدفًا لهجوم حقيقي. وثمة إشارة على رد الفعل الإيراني المحتمل لأي هجوم عسكري على بنيتها التحتية النووية، وتتمثل فيما حدث بعد ضرب إسرائيل المفاعل النووي العراقي عام 1981، حيث شرع العراق بعدها في تسريع برنامجه لتصنيع سلاح نووي، واقترب كثيرًا لهذا الهدف مقارنةً مع كان عليه الوضع قبل القصف الإسرائيلي.

الردع

لو صنعت إيران سلاحًا نوويًّا، فلن تكون الأولى التي تفعل هذا في الشرق الأوسط. ومن المسلّم به على نطاق واسع أن هناك قوة إقليمية أخرى في الشرق الأوسط فعلت هذا منذ سنوات، سيكون لدينا بلدان معاديان لبعضها ويمتلكان رادعًا نوويًا متبادلًا. إن الردع هو أمر ناجع، وفي هذه الحالة، سيكون هذا فعالًا في ردع إيران، بالنظر إلى تفوق إسرائيل في جميع مجالات الأسلحة التقليدية، وبالتالي ستمتلك إسرائيل ما وصفه الخبراء الاستراتيجيون في زمن الحرب الباردة بـ “الهيمنة على التصعيد”.

أولئك الذين يدقون منذ سنين جرس الإنذار كذبًا بشأن سلاح نووي إيراني لم يحاولوا عادة الزعم بأن إيران ستطلق قنبلة نووية بشكل مفاجئ. لكنهم يزعمون غالبًا أن امتلاك إيران سلاحًا نوويًّا “سيشجعها” نوعًا ما على فعل جميع أنواع الأشياء القبيحة في منطقتها.

إن حجة تشجع إيران تعتمد على احساس غامض بأن امتلاك سلاح مخيف في القبو يزيد من دوافع الدول لفعل أشياء أخرى. لكن ما من منطق محدد يجري طرحه مطلقًا بشأن طريقة عمل هذا الأمر. في الواقع، ما من منطق أصلًا، مثلما أوضحت في مقالة في صحيفة “ناشيونال إنترست” قبل عقد من الزمان. تفترض هذه الحجة ضمنيًّا أن هناك شيئًا ستود إيران فعله في ضوء عجزها عن فعله حاليًا لأنها تشعر بردع من احتمال أن يهاجمها طرف أو يعاقبها في المقابل. إن هذا الافتراض بالمناسبة يتناقض مع الرأي المتكرر – الذي يطرحه عادة المعارضون لتخفيف العقوبات على إيران – بأن ممارسة إيران لسلوكها “الخبيث” يعتمد على مدى قدرتها على تحمل تكلفته ماليًا). تفترض هذه الحجة أيضًا أنه أيًّا يكن هذا الشيء، فإنه مع ذلك مهم للغاية لإيران لدرجة أن الإيرانيين قد يواجهون تهديدات الطرف المقابل عبر تهديدهم بشكل حقيقي بتصعيد الوضع برمته إلى المستوى النووي – بالرغم من حقيقة أن تنفيذهم تهديدًا نوويًّا كهذا سيكون عملًا انتحاريًّا لإيران. ليس لدينا هنا وضع محتمل يتطابق مع هذه المجموعة من المعايير.

هدف وليس أمرًا صعب المنال

إن تجنب حصول إيران على سلاح نووي هو هدف يستحق العناء، إن لم يكن لأي سبب سوى الحدّ من الانتشار النووي العالمي، ولا شك أن السعي لتحقيق هذا الهدف عبر اتفاق دبلوماسي مثل “خطة العمل المشتركة الشاملة” هو أمر يستحق السعي من أجله، بالنظر إلى مدى استعداد إيران للتخلي عن أنشطة نووية يحق لها ممارستها مقابل تخفيف العقوبات- وهي عقوبات ليست لها أي فائدة اقتصادية، لكن لها فقط تكاليف اقتصادية وسياسية للولايات المتحدة. بالتالي فإن التوصل لاتفاق كهذا، كان – ولا يزال – وضعًا مربحًا للجميع، وللولايات المتحدة أيضًا.

لكن يجب السعي لتحقيق هذا الهدف والعمل في الوقت ذاته على تذكر أمرين مهمين في هذا السياق. أولهما أن تصنيع سلاح نووي ليس هدفًا إيرانيًّا ثابتًا. ولو كان الأمر كذلك، لما كانت هناك طريقة لتفسير قبول إيران بتفكيك جزء كبير من برنامجها النووي، وخضوعها لعمليات تفتيش تطفلية للغاية لبقية البرنامج النووي، وذلك عند توقيعها على اتفاق “خطة العمل المشتركة الشاملة”. سواء قررت إيران تصنيع سلاح نووي أم لا، فهذا يعتمد بشدة على ما سيفعله آخرون، بما فيهم الولايات المتحدة، ضد إيران. هناك فرصة جيدة لئلا تتخذ إيران مثل هذا القرار حتى لو كان ردًّا على فشل محادثات فيينا في إحراز اتفاق.

الأمر الثاني المهم في هذا السياق هو أنه لا يوجد هدف في مجال السياسة الخارجية، بخلاف توفير الأمن الأساسي للشعب الأمريكي في وطنه، ينبغي أن يتفوق في أهميته على جميع الأمور الأخرى. إن العالم سيكون أفضل حالًا من دون سلاح نووي إيراني، لكن هناك أمور أخرى ستجعل العالم، والولايات المتحدة، أسوأ حالًا، من بينها اندلاع حرب. 

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا