«ناشيونال انترست»: الصين تستعد لحرب اقتصادية مع الغرب.. ما ملامحها؟

رنا أسامة

في حين أن "سقف الأسعار الأوروبي" من شأنه أن يؤمن لبكين نفطًا روسيًّا بأسعار معقولة على المدى القصير، فإن احتمال فرض حظر تأميني غربي، على وقع أي مواجهة مستقبلية بشأن تايوان، قد يزعج الصين.


حذر الباحث الأمريكي، كريستوفر فاسالو، من مركز تحليل الصين التابع لمعهد سياسة المجتمع الآسيوي، من حرب اقتصادية صينية غربية.

وفي تحليل نشرته مجلة “ناشيونال انترست” الأمريكية، قال فاسلو إن محور سقف الأسعار، الذي وضعته دول مجموعة الـ7 للنفط الروسي، يتمثل في الحظر المشروط على الوصول إلى شركات إعادة تأمين، والحصول على تأمين غربي عالي المستوى.

فاعلية حظر التأمين

يقيّد سقف الأسعار شراء أو بيع أي نفط روسي محمول بحرًا، بما يتجاوز سعر منخفض مصطنع قدره 60 دولارًا للبرميل. ووفق التحليل، فإن حظر التأمين، الذي يمنع شركات الاتحاد الأوروبي ومجموعة الـ7، من توفير خدمات التأمين وإعادة التأمين لموردي النفط الروسي المباع فوق سقف السعر المحدد.

وحتى الآن، أثبت حظر التأمين فاعليته في فرض الانصياع لسقف الأسعار، في حين تتحكم شركات مجموعة الـ7 في 90% من التأمين وإعادة التأمين البحري. ولا تزال الشركات الصينية المالكة لسفن، التي تستورد حصة كبيرة من الخام الروسي، منذ اندلاع الحرب، تعتمد على شركات تأمين غربية، لحماية سفنها.

تاريخ طويل

في حين أن “سقف الأسعار” من شأنه أن يؤمن لبكين نفطًا روسيًّا بأسعار معقولة على المدى القصير، فإن احتمال فرض حظر تأميني غربي على الصين، على وقع أي مواجهة مستقبلية بشأن تايوان، قد يزعج بكين، وهو ما عكسته تحركاتها خلال العام الماضي، في مواجهة “شكلية” لتداعيات الحرب، لكنها تهدف لتفادي إجراءات شركات التأمين الغربية.

وأشار التحليل إلى أن الحظر على تقديم خدمات تأمينية له تاريخ طويل. فخلال حرب الخلافة الإسبانية بالقرن 18، كانت بريطانيا قوة بحرية مهيمنة تضم كبريات شركات التأمين البحري بالعالم، لكن تلك المكانة كانت بمثابة سلاح ذو حدين، لأن الشركات البريطانية كانت تتحمل تكلفة الأضرار التي كانت تلحقها فرقاطات وسفن مسلحة بريطانية بسفن العدو.

الصين تستعد لحرب اقتصادية مع الغرب 1

قيود تأمينية

بعد الحرب، بدأ صانعو السياسات البريطانيون يبحثون إذا كان بمقدورهم منع الشركات في لندن من تأمين الشحنات التجارية للعدو، حفاظًا على نفوذهم البحري وقوة قطاع التأمين البريطاني. وبالرغم من تحذير معارضين من تهديد هذه الخطوة لوضع بريطانيا كأكبر قطاع تأمين بالعالم، ثبت لاحقًا عجز شركات التأمين الأجنبية عن منافسة نظيرتها البريطانية.

وفي إطار ذلك، وضع صانعو السياسات البريطانيون قيودًا تأمينية استهدفت التجارة الفرنسية والأمريكية، إبان الحروب المستقبلية. وفي حرب 1812، على سبيل المثال، أثبت الحظر فاعليته لدرجة أن تكاليف التأمين تجاوزت 80% من قيمة الشحنات. وأدركت البحرية البريطانية أن عرقلة صناعة العدو تستدعي منع التمويل المطلوب لشحن السلع الاستراتيجية.

منطق أمريكي مماثل

استقر المسؤولون الأمريكيون على منطق مماثلـ اليوم، عبر استخدام وضع الغرب، المهيمن في قطاع التأمين عالميًّا، سلاحًا لتقييد خطوط إمداد العدو، ما قد يمكنهم من اكتشاف استخدامات متعددة للحظر التأميني، قد تتجاوز فكرة فرض سقف للأسعار، في حين قد يسهم حظر التأمين عمليًّا في فرض حصار كامل على سلع استراتيجية في أوقات الأزمات.

وينضم “سلاح التأمين” إلى عقوبات اقتصادية أمريكية ينبغي أن تستعد بكين لتفاديها مستقبلًا، في أي مواجهة بشأن تايوان، في وقت ينتاب فيه الصين قلق من قدرة البحرية الأمريكية على حصار واردات منقولة بحرًا في مضيق “ملقما”، بما في ذلك 80% من النفط المستورد للصين.

تحركات صينية مضادة

مع ذلك، كما عقوبات أمريكية عديدة، بدأت الصين تحركات مضادة في إضعاف فاعلية سلاح التأمين. في العام الماضي، اتخذت بكين خطوتين لتأمين شحنات طاقة وقمح روسيين منقولة بحرًا، هما السعي للحصول على تأمين بديل، بخلاف مجموعة الدول الـ7، والاستحواذ على أسطول ناقلات أكبر.

وبالرغم من أن هاتين المناورات يسهمان في الإفلات من متطلبات الإبلاغ ذات الصلة بالعقوبات ضد روسيا، فإنهما يعززان دفاعات بكين استباقيًا ضد سلاح التأمين. وفي عام 2022، زادت بكين من تعاملها مع شركات تأمين غير غربية، لتغطية شحنات نفط روسي بتكلفة أقل، في حين تبحث شركات صينية عن إعادة التأمين بمناطق غير أوروبا وأمريكا.

شي وبايدن

تكتيكات غامضة

في الوقت نفسه، سرّعت بكين من أسلوبها المتبع طويلًا بامتلاك اسطول ناقلات محلي، يمكن السيطرة على حركته وحمولته. وفي إطار تكتيكات غامضة، أنفقت شركة صينية مجهولة 376 مليون دولار لشراء ناقلات لا تحمل علامة مميزة، لإخفاء مصادر حمولات خاضعة لعقوبات، عن طريق “النقل من سفينة إلى أخرى” بمنتصف المحيط الأطلنطي.

وبدعم تلك العمليات الحمولات الروسية، ونجحت السفن الصينية من الحصول على خدمات تأمينية وخدمات بحرية أخرى، من دون التعرض لعقوبات، في نهج قد يتوسع ليشمل 400 ناقلة، حسبما ذكرت نشرة “لويدز” للأخبار البحرية في أغسطس 2022.

إضعاف تأثير محتمل

من المحتمل أن تتوقع بكين، في حال نشوب أي أزمة، استخدام واشنطن سلاح التأمين. ومن جانبهم، يتعين على الاستراتيجيين الجيواقتصاديين الأمريكيين أن يتوقعوا من بكين حشد أسطول ناقلات محلي كبير، والاعتماد شبه الكامل على شركات تأمين غير تابعة لمجموعة الـ7، بحسب التحليل.

وفي حال اتخذت الصين تلك الخطوات، قبل نشوب أزمة محتملة بشأن تايوان، فإنهما تعمل بذلك على إضعاف التأثير المستقبلي لسلاح التأمين. وختم التحليل: “استعداد بكين لاتخاذ هذه التحركات استباقيًّا يعكس التزامها باستخدام إحدى أكثر أدوات العقوبات الغربية حداثة”.

ربما يعجبك أيضا